عودة أميركا إلى العراق

آخر تحديث 0000-00-00 00:00:00 - المصدر: وكالة من كربلاء الخبر

 

كريستوفر هيل

 

دنفر ــ كان القرار الذي اتخذه الرئيس باراك أوباما بزيادة أعداد القوات الأميركية على الأرض في العراق، وتركيزها في محافظة الأنبار ذات الأغلبية السُنّية، سبباً في إشعال شرارة مناقشة واسعة النطاق. في الولايات المتحدة، تحولت المناقشة إلى الدروس المستفادة من فيتنام، حيث أسفرت عمليات الانتشار الإضافية إلى مستنقع عميق. ولكن في العالم العربي، تدور المناقشة حول التداعيات السياسية المترتبة على هذا القرار: فهل يكون تسليح الولايات المتحدة للمليشيات السُنّية إشارة إلى تخليها عن الأمل في عراق موحد؟

 

نظراً لحجم التهديد الذي يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية على العراق والشرق الأوسط، وظهوره بالتزامن مع انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة، فإن الاهتمام المكرس لتبعات السياسة الأميركية أمر مفهوم. ولكن هل تكون نهاية الأزمة الحالية سعيدة ــ أو حتى مقبولة؟ يتوقف هذا بشكل أكبر كثيراً على ما قد يقرر اللاعبون في المنطقة القيام به.

 

منذ بدأت الأزمة، سمعنا الكثير حول ما إذا كان زعماء الشيعة في العراق ــ وخاصة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وخليفته حيد العبادي ــ قد بذلوا القدر الكافي من الجهد للتواصل مع الأقلية السُنّية في البلاد. فرغم أن السُنّة يشكلون نحو 20% فقط من سكان العراق، فإنهم يلعبون دوراً ضخماً في تحديد مصير البلاد. فقد كانوا عنصراً أساسياً في تشكيل الطبقات الحاكمة لبلاد ما بين النهرين لعدة قرون من الزمان، وشعورهم بالاستحقاق واضح وملموس. علاوة على ذلك، وباستثناء سوريا، يحكم السُنّة كل الدول العربية، بما في ذلك حيث يشكلون أقلية (كما هي الحال في البحرين).

 

الواقع أن السُنّة يتمتعون بعمق استراتيجي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط العربي. وهم يدركون هذه الحقيقة، كما يدركها الشيعة. ودولة العراق التي يحكمها الشيعة ليس لها أي حلفاء طبيعيين في الشرق الأوسط العربي.

 

قبل الإطاحة بالرئيس صدّام حسين بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003، قاد الطابع العلماني للعراق كثيرين إلى الاعتقاد بأن البلاد كانت أرضاً خصبة للتحول الديمقراطي. ولكن عندما تتفكك الهياكل السياسية الوطنية ــ وحتى "الشريرة" منها ــ لا يحتضن الناس الديمقراطية بالضرورة. فقد أصبح عراق ما بعد صدّام بلداً يتسم بالسياسات الطائفية المتصاعدة، وكان تفكيك بنية السلطة السُنّية سبباً في التعجيل بهذه العملية. ومع عودة الشيعة إلى العراق، فَرّ السُنّة. وحتى يومنا هذا يصوت السُنّة للسُنّة والشيعة للشيعة.

 

وإذا كان المالكي أو العبادي نيلسون مانديلا، فإنهما كانا ليدركا حتمية التواصل مع السُنّة وحثهم على المشاركة في تحديد مستقبل البلاد. ولكن هذا النوع من التواصل لم يأت بشكل طبيعي، رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لتشجيع الحكومة على التحرك في هذا الاتجاه.

 

وبقدر أهمية تواصل الشيعة مع السُنّة، فإن السؤال الحقيقي في العراق ــ وفي قسم كبير من منطقة الشرق الأوسط ــ هو ما إذا كان السُنّة سوف يواجهون المتطرفين من أبناء جلدتهم، وكيف. فهل يدرك السُنّة في العراق وأماكن أخرى أن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل بالنسبة لهم تهديداً أكبر من تهديد الشيعة؟

 

حتى الآن، تظل الأدلة مختلطة وملتبسة. فعندما ينظر السعوديون إلى مختلف أنحاء المنطقة فإنهم يرون تنامي القوة الشيعية، وهو ما يعتبره كثيرون تهديداً وجوديا (في حين يعترفون بقدر متزايد من الانفتاح أن إسرائيل لا تشكل مثل ذلك التهديد). ولكن نفس الشيء ينطبق على تنظيم الدولة الإسلامية، ويشكل الدعم من قِبَل المملكة العربية السعودية عاملاً بالغ الأهمية لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم.

 

ماذا ينبغي للولايات المتحدة أن تفعل إذن؟ مع اتساع الساحة أمام المرشحين الرئاسيين، جعل العديد من المتنافسين انتقاد السياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خبزهم اليومي.

 

ولكن الحقيقة هي أن سياسة الولايات المتحدة تتضمن بالفعل العديد من المكونات اللازمة لتحقيق النجاح: الحوار الإقليمي مع إيران لاستكمال المحادثات النووية؛ وتشجيع التحالف الإقليمي، الذي يضم المملكة العربية السعودية، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية؛ والجهود المبذولة لتحقيق المصالحة في العراق، ودعم قواته المسلحة، وتقديم المساعدة لقبائله السُنّية، بناءً على مدى ولائها للوطن.

 

من الواضح أن هناك الكثير الذي ينبغي القيام به، وخاصة في سوريا، حيث تبدو الدعوات التي أطلقت في وقت مبكر لتغيير النظام ساذجة بدرجة خطيرة الآن، وذلك نظراً للافتقار إلى العملية السياسية وشخصية العديد من قوى المعارضة. ولكن في مجمل الأمر، تتعامل الولايات المتحدة مع القضايا العديدة الأكثر أهمية في المنطقة على النحو الصحيح.

 

ولكن القضية لا تتعلق في المقام الأول بمهارة الولايات المتحدة وشجاعتها. فالسياسة الأميركية من غير الممكن أبداً أن تشكل تعويضاً عن افتقار المنطقة إلى الزعامة وبعد النظر.

 

فبرغم كل الانتقادات الموجهة إلى القيادات الشيعية في العراق، أين التواصل معها من قِبَل الحكومات السُنّية في المنطقة؟ وهل يعتقد أي شخص حقاً أن السعوديين تقبلوا واقع حُكم الشيعة للعراق وأنهم على استعداد لتنمية شبكة العلاقات التي ينبغي أن تكون بين جارتين في منطقة شديدة الخطورة؟ ولماذا لم يتم إطلاق حوار ديني إقليمي في محاولة للتخفيف من جاذبية الإيديولوجية الطائفية؟ إن التنديد بالشيعة باعتبارهم مرتدين والتزام الصمت في مواجهة الهجمات المستمرة على مزاراتهم المقدسة لن يسفر إلا عن اتساع فجوة الانقسام.

 

في الشرق الأوسط، يظل عدو عدوك في الأرجح عدوك. ولكن في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، تحظى الفصائل المختلفة في الشرق الأوسط بفرصة نادرة لتغيير الوضع الراهن. فالعدو المشترك هو قضية مشتركة، وهو ما قد يصبح بمثابة حجر الزاوية لمستقبل مشترك. ولهذا السبب فإن هذه الأزمة تشكل فرصة لا تملك المنطقة تَرَف إهدارها.