تقبل الله صومكم وصلاتكم ودعاءكم في هذا الشهر الشريف وثبت اقدامكم وحماكم من كيد المستبدين والارهابيين
في ما يمكن اعتباره تداعيا قيميا غير مسبوق في المشروع السياسي والايديولوجي الغربي، يتم بناء علاقات وطيدة بين "الغرب الديمقراطي" و "النظام العربي الاستبدادي" بانماط متعددة تؤكد قيام منظومة غير مقدسة بين الطرفين ستؤدي لكوارث غير محدودة في العالم. وما انتشار الارهاب بعد اكثر من عشرة اعوام على شن اطول حرب في التاريخ الحديث تحت عنوان "الحرب على الارهاب" الا مؤشر للنفاق السياسي الذي صاحب تلك الحرب وغياب الجدية عن الاطراف المشاركة فيها. الامر المقزز ان هذا الغرب "العملاق" فشل جملة وتفصيلا في الامتحانات الاخلاقية والسياسية ايضا. فالمنطق الذي يستخدمه لتبرير دعم المجموعات المسلحة والمتطرفة في سوريا بالمال والسلاح يناقض القول بضرورة التصدي للارهاب والعنف. الغرب يعلم ان الاسلحة التي تعطى لاية مجموعة ستجد طريقها للمجموعات الأخرى. فهل نسي هذا الغرب "العتيد" قصة صواريخ "ستينغر" التي زود بها "المجاهدين" الافغان في منتصف الثمانينات، فاذا بها تظهر في استعراض عسكري في قطر؟ والسلاح الذي قرر تزويد النظام الخليفي الدموي به سيجد طريقه لمجموعات التطرف والارهاب وسيستخدم لقتل الابرياء في البحرين. وحين تدعو كافة المنظمات الحقوقية الدولية لفرض حصار عسكري على الحكم الخليفي الظالم، فانما تفعل ذلك حرصا منها على تأمين سلامة البشر ومنع انتشار الاسلحة المتطورة او وقوعها بايدي داعش او النصرة او القاعدة. وما اسخف المنطق الامريكي والبريطاني حين يبرر دعم العصابة الخليفية المجرمة بدعوى انها حققت تطورا في مجالات الاصلاح الحقوقي والسياسية. فهل هناك كذبة اكبر من ذلك؟ وهل ثمة نفاق في العلاقات الدولية اكبر من التحالف مع انظمة ما تزال حتى هذه اللحظة تدعم تلك المنظمات بالمال والرجال والسلاح؟
في الاسبوع الماضي ارتكبت داعش جريمة كبرى حين فجر احد ارهابييها مسجد الامام الصادق بالكويت، يؤمه مئات المصلين، فاستشهد العشرات منهم. ولم يكن مفاجئا ان يكون الارهابي سعودي الجنسية، غادر الرياض يوم الخميس مرورا بالبحرين التي قضى ليلة الجمعة فيها حتى وصل الكويت صباح الجمعة 26 يونيو. وما ان كان المصلون ينهون صلاة العصر من ذلك اليوم حتى باغتهم الارهابي وفجر نفسه فيهم وقتل منهم 27 على الاقل وجرح اكثر من مائتين. ما دلالات ذلك العدوان؟ فقد قام به شاب يحمل الجنسية السعودية، اقبل من ارض الجزيرة العربية ومر بالبحرين، والتقى اشخاصا هناك وربما خطط لجريمة اخرى هذا الاسبوع في البحرين، حسب ما اعلنه الخليفيون على لسان احد عملائهم، تركي البنعلي. حين يستخدم النظام السياسي الارهاب وسيلة لابتزاز الشعب بتخويفه من القوى المتطرفة واظهار نفسه انه المحامي، في الوقت الذي يسلط سيفه على المواطنين ويغض الطرف عن انصار داعش. وحين يستقبل رئيس الوزراء الجاثم على صدور الشعب منذ 1971 في هذا الشهر الفضيل احد رموز الطائفية الذي ما برح يشتم الشيعة ويحرض ضدهم، فان تلك المواقف تؤكد بدون شك ان الخليفيين والدواعش وجهان لعملة واحدة. فالخليفيون والسعوديون استخدموا الدواعش سلاحا ضد المسلمين، ضد الشيعة في اغلب الاحيان، وضد السنة حين تقتضي مصالحهم ذلك.
اليوم بعد ان انتشرت داعش في بلدان عديدة، واصبحت تحتل مواقع تنظيم القاعدة وتستقطب افرادها وتنافس طالبان في عقر دارها بشرف افغانستان، وحين اصبح على اصحاب الضمائر الحية ان يحاكموا كل من دعم التطرف والعنف والارهاب باية ذريعة: الغربيون دعموا بدعوى التصدي للنظام السوري، والخليجيون دعموهم بذرائع شتى وفي حقيقتها بدافع اشغال العرب والمسلمين ببعضهم والهائهم عن مشروع التغيير السياسي، وبهدف افشال كافة الثورات. فما هي النتيجة؟ وقف هؤلاء جميعا شامتين حين كان الابرياء يقتلون بالعمليات الانتحارية في مساجد العراق واسواقه وشوارعه، وسعى الكثيرون، ومنهم ذوو الاقلام والمفكرون لتبرير تفجير المقدسات الاسلامية ابتداء بجامع العسكريين عليهما السلام مرورا بقبور الانبياء والصحابة في العراق وسوريا. شجع خطباؤهم الشباب على الالتحاق بـ "الجهاد" في سوريا والعراق، فيما كانوا يشتمون الشيعة ليلا ونهارا ويحرضون ضدهم. فماذا كانت النتيجة؟ توسعت داعش في كل مكان، واصبحت وبالا، ليس على الشيعة فحسب، بل على الشعوب الاسلامية في افريقيا وآسيا. وحين فجر انتحاريان المسلمين وهم يؤدون صلاة الجمعة في بلدتي القديح والدمام بالمنطقة الشرقية كانت ردود الفعل فاترة حقا، ولم يتخذ النظام السعودي اجراءات تناسب الحدث، بل بقيت قنوات التحريض خصوصا وصال تبثت سمومها وتبارك تلك الجرائم. وربما كانت جريمة تفجير مسجد الامام الصادق عليه السلام بالكويت الاسبوع الماضي نقطة التحول لسبب واحد: ان حكومة الكويت اتخذت موقفا مختلفا وادركت ان الخطر داهمها في عقر دارها، فامرت بغلق قناة وصال واعتقلت بعض المحرضين.