عادل الجبوري
تبعد مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الانبار، والتي تجري فيها حاليا معارك ضارية بين قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي من جهة، وعصابات تنظيم داعش من جهة اخرى، حوالي خمسين كيلومترا عن العاصمة بغداد، ولايشعر المسافر الخارج من بغداد باتجاه الغرب، ان الفلوجة تتبع الى الانبار ولاتتبع الى بغداد، فضلا عن ذلك فان الكثير من ابنائها كانوا خلال الظروف الامنية المستقرة يبدون وكأنهم الاقرب الى بغداد منهم الى الانبار.
صحيح ان الفلوجة، التي تبلغ مساحتها 480 كيلو متر مربع، وعدد سكانها حوالي خمسمائة الف نسمة، تعد من الناحية الادارية قضاء تابعا لمحافظة الانبار، بيد انها وفق الحسابات الامنية والعسكرية وبحسب ما يرى خبراء ومختصين في الشؤون الاستراتيجية انها تقع ضمن حدود العاصمة بغداد، او بتعبير اخر في اطار غطائها الامني.
ولمن ينظر في الخارطة ويتمعن فيها يتضح له ان مدينة الفلوجة تعد حلقة وصل ونقطة التقاء الانبار بمساحاتها الواسعة المترامية وامتداداتها الجغرافية على سبع محافظات وثلاث دول، مع بغداد العاصمة بثقلها السكاني والسياسي والمؤسساتي.
وموقعها الحيوي والحساس هذا يجعلها تحظى بأهمية كبيرة، في ذات الوقت الذي يحتم فيه على الماسكين بزمام الامور ان يولونها اهتماما استثنائيا في الظروف والاوضاع الامنية الحرجة، التي تشهد قدرا غير قليل من التهديدات والمخاطر الارهابية، كما هو الحال في ظل الظرف الراهن، حيث عصابات داعش تسيطر على مناطق ومساحات عديدة من محافظة الانبار، وتسعى بكل ما اوتيت من قوة وامكانية للوصول الى بغداد واستباحتها.
ومايقال بأن اية عمليات عسكرية ضد داعش في الانبار لن تكون ذات جدوى، حتى وان كانت ناجحة بالكامل ما لم تتحرر الفلوجة اولا، صحيح جدا، ارتباطا بموقعها الحيوي، وارتباطا بوجود عصابات داعش قريبة من العاصمة، واحتمال امتلاك التنظيم الارهابي خلايا نائمة واوكار سرية يمكن له تحريكها باتجاهات مختلفة متى ما وجد ذلك ضروريا.
المسؤولون عن الشأن السياسي والامني في العراق، وفي مقدمتهم القائد العام للقوات المسلحة، اتخذوا القرار السليم بالشروع في عمليات تحرير الانبار من مدينة الفلوجة.
والى جانب صحة القرار، فان البداية القوية يمكن لها ان تفرز نتائج ايجابية سريعة، فضلا عن النتائج الايجابية اللاحقة على نطاق جغرافي اوسع.
خلال يومين او ثلاثة ايام نجحت قوات الجيش والحشد الشعبي بقطع خطوط الامداد لاراض تسيطر عليها عصابات داعش في شمال الفلوجة، ما يمهد الطريق لضربها في شرق وغرب وجنوب المدينة، وخلال الايام القلائل الماضية تم تطهير منطقتي السجر والشيحة في ناحية الصقلاوية شمال الفلوجة، وتم وضع اليد على عدد لايستهان به من مخابئ الاسلحة وورش تفخيخ السيارات وتصنيع العبوات الناسفة.
كذلك ادت عمليات تحرير الفلوجة في مرحلتها الاولى الى قتل اعداد غير قليلة من الارهابيين وتفكيك شبكاتهم وخلاياهم ووضع اليد على اسلحتهم وتجهيزاتهم واختراق منظومات اتصالهم الالكترونية، وهذه مؤشرات مشجعة جدا، تعززها مواقف ابناء العشائر هناك، التي يؤكد الكثير من شيوخها ووجهائها ان بقاء داعش في مدنهم ومناطقهم يعني توقف وانعدام الحياة الطبيعية، ويقطن الفلوجة عشائر لها ثقلها وتأثيرها وحضورها الاجتماعي، مثل زوبع والبوعيسي وشمر والمحامدة والجميلات واللهيب والعبادلة وعنزة والجبور والبوفهد والحلابسة والبو علوان والدليم، وابناء معظم هذه العشائر تعرضوا لابشع الجرائم والانتهاكات من عصابات داعش، ناهيك عن عمليات النزوح الجماعي الى مدن ومناطق اكثر امنا وامانا.
ويشير نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهدي الى "ان عمليات تحرير الفلوجة والرمادي تهدف الى تأمين الحدود الغربية للعاصمة بغداد"، في حين يشير قائد عمليات الانبار اللواء الركن قاسم المحمدي الى "ان تحرير الفلوجة يعد بمثابة المفتاح لتحرير باقي مناطق الانبار من عصابات داعش".
وحينما يصف قائد عمليات الانبار، الفلوجة بمفتاح تحرير الانبار، فأنه بلا شك يعني انها ذات موقع استراتيجي مهم، ويعني ان داعش يمتلك فيها وجودا قويا، ويعني ايضا ان استعادتها من قبضة التنظيم الارهابي سيعطي زخما معنويا كبيرا لقوات الجيش وابناء المدينة، سواء الذين مازالوا متواجدين فيها او النازحين منها.
ومن الناحية الامنية فان النظرة الى الفلوجة تماثل او تشابه النظرة الى ناحية جرف النصر الواقعة على بعد ثمانين كيلومترا جنوب العاصمة بغداد، وتقع على مرمى حجر من محافظتي كربلاء المقدسة وبابل اللتين تحتضنان الكثير من مراقد الائمة الاطهار الى جانب مرقدي الامامين الحسين والعباس عليهما السلام.
ومنذ وقت مبكر بعد سيطرة تنظيم داعش على محافظة نينوى ومناطق اخرى من صلاح الدين وديالى و كركوك تبلورت رؤية لدى كبار القادة الامنيين والعسكريين، مفادها ان تطهير جرف النصر يمثل اولوية اساسية وملحة، وبالفعل نجحت تشكيلات الحشد الشعبي وباسناد قوات الجيش في انجاز مهمة تحرير جرف النصر، والمناطق المحيطة بها، ليزول خطر التهديد الارهابي الداعشي عن كربلاء ومناطق شمال بابل وجنوب بغداد.
واليوم حينما تعطى الاولوية لمدينة الفلوجة، فان ذلك يعكس قراءة واقعية وعملية صائبة لمعطيات الميدان، فتحرير تلك المدينة من الدواعش يعني من جانب تأمين مناطق غرب بغداد، وتفكيك الكثير من الخلايا الارهابية النشطة والنائمة، وتهيئة الظروف لعودة الاف النازحين لبيوتهم، ومن جانب اخر يسّهل ويسرّع عملية تحرير مدينة الرمادي، مركز محافظة الانبار والمناطق الاخرى التي تتواجد فيها عصابات داعش.
ولان تشكيلات الحشد الشعبي سيكون لها دور محوري وفاعل في استعادة الفلوجة، فان ذلك من شأنه ان يساهم في تعميق وترسيخ الثقة بين الحشد وجمهور المدينة، لكن ما ينبغي التحسب له هو ان وسائل الاعلام التي شنت حملات تسقيط واسعة ضد الحشد الشعبي بعد تحرير مدينة تكريت من عصابات داعش، على الارجح ستقوم بنفس الشيء بعد تحرير الفلوجة. لان اجندات اضعاف الحشد الشعبي وتشويه صورته، ومعه الجيش وابناء العشائر الرافضين لداعش ومن يدعمهم ويساندهم، مازالت وستبقى قائمة ومتواصلة، ولعلها ستزداد ضراوة مع كل انتصار يتحقق على داعش.