أن تاريخ مفهوم المجتمع المدني يمتد منذ عهد "أرسطو طاليس" الذي دعا إلى تكوين مجتمع سياسي برلماني تسود فيه حرية التعبير عن الرأي وتشريع القوانين وحماية العدالة والمساواة. عندما كانت المشاركة في المجتمع السياسي تقتصر على النخبة في المجتمع دون السماح المرأة و العمال والعبيد حق المشاركة والمواطنة.
وقد حاول هوبز ولوك وروسو وهيكل وغرامشي الاقتراب أكثر من مفهوم المجتمع المدني من خلال طرح نظريات ومفاهيم جديدة, وقد دعا غرامشي إلى ضرورة تكوين منظمات اجتماعية ونقابات وأحزاب لهدف اجتماعي يضع فيه البناء الفوقي مع البناء التحتي وإيجاد طريقة للانسجام والتفاعل المستمر بينهما.
وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي مُنح مفهوم المجتمع المدني بعدا تنمويا من خلال المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. باعتبار "المجتمع المدني" الحيز الذي يتيح من خلاله إشراك المواطن في التنمية البشرية المستدامة بعد أن فشلت التنمية في معظم دول العالم الثالث. وكان الهدف وراء ذلك هو اشراك القطاع الخاص باعتباره وسيطاً بين الفرد والدولة, وقد منح المجتمع المدني وظيفة الحماية للفرد من تعسف الدولة وسطوتها.
وبذلك دخل المجتمع المدني في وحدة الخطاب السياسي والفكري وفي مواجهة الدولة لضرورة وحاجة المجتمع للديمقراطية وحقوق الانسان, مما خلق هذا التدخل أشكالية في تنظيم العلاقة بين المجتمع المدني والدول النامية. وهذه الاشكالية قيدت حركة المنظمات والنقابات في ممارسة حرية الرأي وتنظيم التظاهرات على أسس دستورية تضمن الحريات المدنية وترسخ مفهوم المواطنة من خلال الحقوق والواجبات, والسبب يعود الى أشكالية تنظيم العلاقة على اساس الفصل بين السلطات.
وتوسيع دور المجتمع المدني من خلال الدفاع عن حرية المواطن هو مدخل أساسي ومهم لتكريس مفهوم الديمقراطية في المجتمع. مما يتيح للقوى السياسية المختلفة آيديولوجياً بالتنافس السلمي على السلطة من أجل التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البلد. ولمؤسسات المجتمع دور كبير في التنشئة والتثقيف السياسي والتحشيد الجماهيري بأعتباره كائناً سياسياً مؤثراً في المجتمع ضمن معطى سياسي معين, ولكونها تمتلك القدرة على التفاعل الايجابي في التعاطي مع الاحداث والمؤثرات والقرارات السياسية, من خلال دورها داخل أطار المجتمع وعلاقتها بالدولة. ويأتي ذلك نتيجة التطور والتحول السياسي للمجتمع وطبيعة نظامه السياسي السائد ومعاييره الايديولوجية ومرونته الديمقراطية والانفتاح محلياً وإقليمياً وعالميا.
ومؤسسات المجتمع المدني في المجتمعات الديمقراطية المتحضرة تقوم بعملية تثقيف وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصيرهم السياسي. ومواجهة الازمات والتحولات السياسية التي تؤثر في مستوى حياتهم ومعيشتهم باعتبارها من أهم قنوات المشاركة الجماهيرية. كما تقوم مؤسسات المجتمع المدني في تأهيل وتدريب قيادات سياسية جديدة من خلال دورها الذي تضطلع به تلك المؤسسات, وهذا يأتي من خلال الايمان المطلق لتلك المؤسسات بالتجربة الديمقراطية وتعميق مفهومها وممارستها والتأكيد على قيمها الاساسية. وهناك تطلع واسع من قبل المجتمعات النامية الى المجتمع المدني وتنامي تجربته وبلورة مفهومه لدى المواطن ستخلق تكوينات وتنظيمات مجتمعية تسعى بدورها الى تطوير وتوسيع المشاركة في صناعة القرار, وهذا يحتاج الى المزيد من الوعي والتثقيف السياسي.