مشرق عباس: "إخوة" العبادي!

آخر تحديث 2015-11-26 00:00:00 - المصدر: واي نيوز

لم ينتظر "الإخوة" طويلاً، قبل ان يقرروا الهجوم على أخيهم، عضو كتلتهم، القيادي في حزبهم، وممثلهم في اعلى كرسي سلطة في العراق، بل انهم لم ينتظروا اساساً، فقائمة الانتقادات والاتهامات، وحملة التشويه والتسقيط والطعن انطلقت فعلياً في اليوم الاول لتسلم حيدر العبادي منصبه، ومازالت مستمرة، تتنوع شعاراتها من "الانبطاح" الى "عدو الحشد" و"صديق اميركا"، وهي مفتوحة للمزيد.

 

بالطبع، لن يجيب أحد في كتلة "دولة القانون" ولا في "حزب الدعوة" ولا حتى العبادي نفسه، عن المفارقة التي لاتحصل إلا في بلد كالعراق، بأن يجد رئيس الحكومة نفسه عضواً في حزبه بدل ان يكون رئيساً له، وان يكون معارضوه الاشداء من داخل حزبه، بدل ان يكونوا من خارجه، وان تنطلق حملات التشهير والتسقيط من "الاخوة" لا من ابناء العم والجيران والخصوم.

 

عندما تتم مطالبتنا، بوصفنا محللين وكتابا وصحفيين عراقيين، ان نلقي الضوء على خريطة القوى السياسية، نحتار كيف يمكن ان يفهم قاريء اجنبي، ان "حزب الدعوة" الذي يتم وصفه اكاديمياً بأنه الحزب الحاكم في العراق، باعتباره يقود الحكومة منذ قرابة عشر سنوات، يعد اليوم ايضاً كتلة المعارضة الرئيسية في الحكومة التي يقودها!.

 

من الصعب ان نقول مثلاً ان حيدر العبادي رئيس حكومتنا شكل وزارته بدعم من احزاب من خارج حزبه، لكنه اختير للمنصب لأن حزبه فاز في الانتخابات، وانه يختلف مع معظم كوادر حزبه في حزم الاصلاح، وفي ادارة المعركة مع "داعش" وفي السياسة الخارجية للبلاد!. وعندما يسأل احدهم مستنداً الى كل هذا الارتباك: لماذا لايستقيل العبادي من حزبه الذي يعارضه، ليشكل حلفاً جديداً مع شركائه في الحكومة وداعميه في الاصلاح، ومؤيديه في سياساته الخارجية؟ فاننا نضحك من سذاجة السؤال، ونعيد شرح خريطة الكلمات المتقاطعة العراقية من جديد: فأن يستقيل العبادي من حزبه، ذلك يعني انه سيستقيل من الحكومة ايضاً، كما ان شركاء العبادي غير مستعدين في الاساس لمثل هذا الخيار.

 

واقع الحال، ان "إخوة العبادي" ينتظرون قبل سواهم خطوته للانشقاق من الحزب الذي سبق وشهد في تاريخه العديد من الانشقاقات المماثلة، ولهذا لن يقدموا على انتخابات داخلية فات موعدها وانقضى.

 

في جدل الحياة الحزبية، يمكن تصنيف الاحزاب العراقية عموماً بأنها احزاب غير ديموقراطية، في انظمتها الداخلية، وفي سياق ممارساتها السياسية، والازمات العراقية المتعاقبة، سمحت لكل الاحزاب بتجاوز التزاماتها أمام جمهورها، واكبر تلك الالتزامات ان يكون هناك حراك ديموقراطي مستمر داخل الحزب نفسه، وان تتشكل آليات لتداول زعامة الحزب، وان تنتج الانتخابات الداخلية هيئات سياسية وفرق عمل، وتقاسم للادوار.

 

اهدر العراقيون كثيراً من الجهد، بانتظار ان يولد قانون رصين للاحزاب، يضعها امام مسؤوليات تطبيق الممارسات الديموقراطية في صلب انظمتها الداخلية، لكن التجربة اثبتت ان مثل هذا القانون لن يكون مؤثراً قبل سنوات، وستجد الاحزاب دائماً مبررات لخرقه والتلاعب بمبادئه، وسيكون قادة الاحزاب دائمون وثابتون وابديون، كما انهم يمكن ان ينشقوا من احزابهم مع كل تجربة ديموقراطية، على غرار تجارب "حزب الدعوة" نفسه.

 

المشكلة في قضية العبادي واخوة حزبه، ان عليهم مواجهة المأزق المفاهيمي الذي وضعوا العراق فيه، وأن يحسم كل منهم خياراته، وذلك إصلاح يجب ان يسبق "حزم الاصلاح" ويتصدرها.

 

في هذه اللحظة العراقية الملتبسة امنياً واقتصادياً وسياسياً، يزيدنا الوسط السياسي العراقي التباساً بإسلوب تعامله مع الحكومة ورئيسها، فالعبادي بلا حلفاء راسخين وبلا اعداء واضحين ايضاً، بدليل ان مناصريه وخصومه ايدوا بـ"الاجماع" حزم الاصلاح التي اطلقها، لكنهم كادوا قبل اسابيع ان ينقلبوا عليه بـ"الاجماع" ايضاً، بسبب تعيينه عماد الخرسان اميناً عاماً لمجلس الوزراء!.

 

قبل العبادي في النهاية منصبه، وهو يدرك مقدماً ان الجميع سيزرع في طريقه الالغام، ويتوقع ان يضع قدمه على احدها في اية لحظة، لكن الرجل يعتمد على هدوئه، وربما يثق اكثر من المطلوب في حدسه على سبر الارض الحرام.

 

أضاع العبادي، فرصة تحويل الغضب الشعبي الذي صاحب التظاهرات، الى فعل اصلاح حقيقي وعميق وحاسم وجريء. امتلك النية والرغبة بفعل ذلك، ولكن ربما لم يمتلك الوقت ولم تساعده الظروف، فسارع "اخوته" قبل خصومه، الى تقويض هذا الغضب، وتحويله ضده شخصياً، عندما وضع قدمه على لغم مرتبات الموظفين. حاول العبادي استثمار دعم مرجعية النجف، لكنه بالغ في تفسير هذا الدعم، ولم يحافظ كما يجب على تلك المسافة التي ارادها السيد السيستاني، بين الحكومة و"البراني". تصرف العبادي بارتباك احياناً في آلية ادارة العلاقة مع الاميركيين والتحالف الدولي، ومع ايران وروسيا، ومع الجيش والعشائر والحشد الشعبي واقليم كردستان والازمة الاقتصادية الطاحنة.

 

كل تلك اخطاء، وليست جرائم، ومازالت أمام العبادي فرص للتصحيح وتعديل المسارات، والاصرار على التغيير، لكنه يحتاج أولاً وقبل كل شيء، ان يصحح وضعه الحزبي، وان يوضح الجبهة التي ينتمي اليها بالضبط، وبدقة تساعد على استقطاب الداعمين والمؤيدين والانصار، فليس من ضرر قد يطيح بكل نياته الصادقة للاصلاح، اكثر من الإبقاء طويلاً على نظرية "إخوة العبادي".

 

 

خاص بـ "واي نيوز"