تستمر السلطات السعودية بتحرير بعض الأراضي الحكومية التي استولى عليها اللصوص، عبر ظاهرة مزمنة باتت تستنزف إقتصاد البلاد، وتساهم في حرمان المواطنين من حق الحصول على مسكن.
زايد السريع: لا تزال أخبار تحرير مئات الأراضي الحكومية تتصدر اهتمامات المواطنين السعوديين بعد سلسلة من الأخبار عن "تحريرها" ممن استولوا عليها بطرق متعددة، حيث تقوم لجان إزالة التعديات بشكل دوري بالإعلان عن تحرير أراضي بمدن مختلفة من أيدي ممن يسميهم السعوديون "لصوص الأراضي"، والذين تعدوا على الآلاف الأمتار مستغلين ضعف الرقابة وبعض الثغرات القانونية، أو علاقاتهم ببعض الموظفين الحكوميين، حيث تستنزف هذه الظاهرة الاقتصاد السعودي وتعمل على حرمان الكثير من المواطنين من حق الحصول على مسكن.
أحدث الاخبار جاءت من منطقة عسير بجنوب السعودية، حيث أعلنت أمانة منطقة عسير اليوم الخميس إنها نجحت في تحرير 80 مليون متر مربع من لصوص الأراضي، وأعادتها إلى أملاك الدولة استعدادا لتخصيصها لجهات ومرافق حكومية، وذكر صالح القاضي أمين المنطقة في تصريحات إعلامية، إن الهدف من استعادة الأراضي الاستفادة منها في الخطط التنموية، مشيرا إلى أن الأمانة شكلت فريقا متخصصا لمراقبة التعديات وإزالتها حال وجودها.
لصوص الأراضي
خبر تحرير أراضي من منطقة عسير لم يكن الأول و لن يكون الأخير، حيث تشهد السعودية حاليا حراك إداري محموم وتواجد ميداني رقابي في عملية استنفار واسعة لتضييق الخناق على لصوص الأراضي، بهدف استعادة ملايين الأمتار من الأراضي المسروقة من الحكومة، والتي قدرها اقتصاديون بنحو ملياري متر مربع، وهو ما يعادل مساحة 3 دول مجتمعة هي سنغافورة والمالديف والبحرين، بحسب خبراء.
تقرير إحصائي صدر في نوفمبر الماضي، ذكر إن إجمالي المساحات التي أبطلت وزارة العدل صكوكها، أو أزيلت التعديات عنها خلال خمس سنوات، قد بلغت أكثر من 15 مليار متر مربع ، موزعة على 12 مدينة ومحافظة ، وبحسب التقرير فقد تصدرت مدينة جدة جميع المدن في حجم الأراضي المسروقة بأكثر من 822 مليون متر مربع، تلاها الرياض بنحو 502 مليون، ثم مكة المكرمة بـ100 مليون، وصولا إلى 30 ألف متر مربع في المدينة المنورة.
سعود على الغامدي، الباحث الاقتصادي ، أوضح إن لصوص الأراضي ينتقون سرقاتهم بعناية ، حيث يبحثون عن الأراضي الموجودة خارج النطاق العمراني أو التي تقع ضمن مشاريع حكومية منسية أو قديمة ، أو من خلال استغلال أسماء شخصيات اعتبارية، آواستصدار صكوك مزورة بالتواطؤ مع موظفين حكوميين ، مشيرا في حديثه لـ "ايلاف" إن عملية السرقة غالبا ما تتم ليلا أو في أوقات الإجازات الرسمية حيث غياب موظفي الرقابة، ليقوم اللص بتسوير الأرض بالحجارة أو بالطوب أو بالشبك الحديدي او التشجير، فارضًا بذلك امراً واقعا .
الغامدي، أكد أن لصوص الأراضي لم يكن بمقدورهم إنجاز هذه السرقات، ما لم تكن هناك أسباب مهدت لهذا الأمر ، من أبرزها ضعف في أنظمة المعلومات عن حجم الأراضي الحكومية، وعم وجود عقوبات واضحة لهذه السرقات سواء غرامة تبلغ 10 الآلاف ريال، إضافة إلى وجود فراغات تشريعية وإدارية في بعض الجهات الحكومية استغله ابعض الموظفين، مبينا إن خلف هؤلاء اللصوص موظفين فاسدين يعينونهم ويسهلون لهم الحصول على الصكوك والأوراق المزورة.
إشكاليات
الكثير من لصوص الأراضي لا يكتفون بالسرقة، وإنما يبيعون الأراضي إلى المواطنين، مستغلين حاجتهم للسكن ، وبعد أن تنتهي مرحلة بيع الوهم ويقوم المواطن ببناء مسكنه ، يكتشف لاحقا بأن الأراضي حكومية , ويواجه مصيره أمام قرارات إزالة التعديات ، وهو ما يخلق إشكاليات معقده ومتشابكة حول من يتحمل المسؤولية ، حيث تقضي لائحة حماية الأراضي الحكومية استخدام القوة الجبرية لإزالة التعديات على الأراضي الحكومية وتحميل المعتدي نفقات الإزالة.
أعضاء بمجلس الشورى السعودي، سبق و أن طالبوا بتعديل لائحة "حماية الأراضي الحكومية" بحيث تتضمن تمليك المواطن الذي أقام منزلًا للسكن في أرض حكومية وفق شروط معينه ، كان لا يكون له منزل، وليس في بقائه ضرر على أحد ، بحيث يصحح وضعه بتمليكه للأرض بعد أخذ قيمتها، لكن حتى يتم إقرار هذه التعديلات بشكل نهائي، يقول سعود الغامدي إن الحل الوحيد يتمثل في تحذير المواطنين من الشراء من المخططات العشوائية والتأكد من سلامة صكوك الأراضي وعدم التجاوب مع إغراءات الأسعار.