إبراهيم الهواري
40
Follow @AtiqDzيصنع مشروع قانون المالية المصادق عليه بالبرلمان مؤخرًا الحدث، ولم يسبق بالجزائر أن صنع قانونًا للمالية حديث الرأي العام المحلي والوطني كمثل هذا القانون الذي تصفه المعارضة بمشروع تجويعي للشعب، وتربطه الحكومة بمسار إصلاحات اقتصادية أقرها رئيس الجمهورية لتنويع مداخيل الجزائر خارج المحروقات.
وما حدث ليلة 30 نوفمبر في قبة البرلمان الجزائري بين قوى الموالاة والمعارضة، من مناوشات جسدية للفظية حول المشروع، جعل جزءًا من الشعب الجزائري يثمن دور القلة القليلة من المعارضة، والبعض الآخر يطالبهم بالاستقالة والخروج النهائي من البرلمان بعد مهزلة تصويت الأغلبية الحاكمة، أما آخرون فاعتبروا الأمر عبارة عن مسرحية تستعملها المعارضة مع السلطة للتمثيل والضحك على ذقون الشعب والاستفادة من الرواتب الضخمة والامتيازات المغرية التي يوفرها المنصب البرلماني.
وفي قراءة لهذه الأحداث، سنحاول أن نبرز للقارئ أهم المواد الخطيرة التي جاء بها هذا القانون، وما الذي سيتضرر منه الجزائري؟ وباتفاق العديد من الخبراء على أنه تهديد للاقتصاد الجزائري وخضوع للقوى الأجنبية، ولعل الفيديو الذي نشره مدونون حول ضخ الجزائر لـ 260 مليار دولار خلال هذه الأيام، من أجل إنقاذ مدينة “ديترويت” الأمريكية من الإفلاس دليل على التمهيد لتجسيد بنود هذا القانون.
ودفع هذا الفيديو نواب معارضة بالبرلمان لمساءلة الوزير الأول “عبد المالك سلال” حول صحة هذه الزيارة للولايات المتحدة الأمريكية وبوفد رسمي قاده وزير الصناعة “عبد السلام بوشوارب” رفقة وفد من رجال الأعمال يقوده رئيس المنتدى “علي حداد” المتهم رقم واحد بهندسة هذا القانون والضغط على الحكومة لتمريره.
ماهي الأخطار التي يحملها هذا المشروع؟
قامت قوى المعارضة منذ فترة بحملة إعلامية مركزة لرفض تمرير القانون، فكتلة “الجزائر الخضراء” أعدت مقاطع فيديو توعوية عبر شبكات التواصل الاجتماعي قادها البرلماني “ناصر حمدادوش”، وتحاول خلال هذه الأيام المعارضة عقد ندوات صحفية مشتركة بالتنسيق بين كتلها (الجزائر الخضراء، الأفافاس، العمال، البناء والعدالة والتنمية) عقد ندوات صحفية مشتركة للضغط أكثر على رئيس البلاد “عبد العزيز بوتفليقة” والمجلس الدستوري بضرورة عدم اعتماد المشروع، أو على الأقل إسقاط المواد الخطيرة والمتحفظ عليها من قبل الخبراء الاقتصاديين، والتي نستعرض أهمها:
إن المادة 53 من المشروع تنص بالتنازل عن العقار السياحي للخواص الذين يستغلونه حاليًا، ويقول بعض النواب إن مثل هذه المواد تمهد للتنازل على العقار الفلاحي والصناعي ورهن الدولة وممتلكاتها لمافيا الخاصة، كما أن المادة لا تميز بين المستثمر المحلي والأجنبي وهو ما من شأنه أن يدفع الدولة للتخلي عن العقار بالدينار الرمزي.
وتساءل العديد من النواب حول رغبة الحكومة في التخلي عن العقار السياحي، وتمييز القانون بين المستثمرين بين السياحة وبقية القطاعات كالصناعة والفلاحة، وهو تمهيد ليشمل لاحقا كل هذه القطاعات الحيوية، وتنازل الدولة عن كل ملكياتها لصالح الخاصة.
أما المادة 66 فقد أحدثت لغطًا إعلاميًّا ونقاشًا حادًّا بالبرلمان، وبلغ صداها إلى الشارع حيث نظمت مكونات من المجتمع المدني بولاية “ورقلة” (الجنوب الشرقي للجزائر) وقفات واحتجاجات لإسقاطها من القانون، وتشير هذه المادة إلى تخلي الدولة عن المؤسسات العمومية واحتفاظها بحق 43% من الأسهم فقط، وهذه المادة تعني بيع المؤسسات الكبرى للدولة الجزائرية إلى الخاصة من رجال الأعمال والمال. وهو تحول في السياسة الاستثمارية التي كانت تعتمدها الدولة وما يسمى بحق الشفعة وتخلٍّ عن قاعدة 51/49 التي كانت تضبط استثمار الأجانب بالجزائر.
ويتخوف قطاع واسع من الشعب الجزائري، حول مصير مؤسسات كبرى مثل سوناطراك التي تعتبر منذ مدة مفخرة الجزائر اقتصاديًّا (تعرضت إلى ملفات فساد كبيرة مع الوزير “شكيب خليل” في السنوات الأخيرة)، و”سونلغاز” وبقية المؤسسات التي تعتبر من منجزات التأميم التي أقرها الراحل “هواري بومدين” في سبعينيات القرن الماضي.
وتشير المادة 71 من قانون المالية إلى منح صلاحيات مطلقة لوزير المالية، كعضو في الحكومة، لتحويل ميزانية من قطاع لآخر دون العودة إلى المؤسسات التشريعية ممثلة في البرلمان، وهو ما جعل النواب يعتبرون هذه المادة اعتداء دستوريًّا على مؤسسات الدولة، وقالت مصادر من داخل البرلمان أن لجنة المالية أسقطت هذه المادة من المشروع، لكن تدخل الحكومة يوم التصويت أعادها إلى القانون، وتم التصويت عليها والانقلاب على اللجنة المخولة قانونا بطرح التعديلات.
يخشى النواب من هذه المادة، على أنها تكريس لمبدأ الأحادية والعودة إلى عصر الحزب الواحد والمؤسسة الواحدة، فما يعيشه البرلمان هذه الأيام من خلال منع الندوات الصحفية للمعارضة به، والتضييق على حريات الكتل المعارضة، وغياب ممثلي الحكومة (الوزراء) عن حضور أشغال المجلس والإجابة على تساؤلات النواب الشفوية والمكتوبة، لهو انعكاس لسياسة تحجيم دور البرلمان الجزائري.
وهذا ما دفع الكثير من المدونين بمطالبة نواب المعارضة للاستقالة من البرلمان، والتوجه نحو الشعب والتخندق مع المجتمع، ورافقت الحملة انتشار هاشتاغ #هؤلاء_خونة بنشر صور وأسماء نواب الموالاة الذين صوتوا بـ “نعم” للمشروع، عبر مختلف الوسائط الاعلامية في محاولة لتقريب الحقيقة إلى المواطن، حسب القائمين على الحملة.
ما الذي سيتضرر منه الجزائري في 2016؟
الدينار الجزائري يواصل الانهيار.
يتزامن الانخفاض الكبير لأسعار البترول بالسوق العالمية، مع انهيار حر لقيمة الدينار الجزائري في السوق الدولية للعملات، فمشروع قانون المالية خفض من قيمة الدينار 20% أخرى مقارنة بقانون المالية التكميلي 2015، وحدد القانون سعر الدولار الواحد بـ 98 دينارًا جزائريًّا.
وتحاول الحكومة دومًا تغطية عجزها في الميزانية وميزان المدفوعات، إلى تخفيض سعر صرف الدينار، فقد كان سابقًا يقدر الدولار الواحد بـ 79 دينارًا جزائريًّا. وهذا ما يرهن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ويصبح الفرد الذي يدخر مثلا 100 ألف دينار جزائري شهريا، كقيمة حقيقية للدينار وقدرته، يدخر فقط 70 أو 60 ألف دينار جزائري فقط، وهو ما يجعل المواطن أمام تحدٍّ آخر وهو ارتفاع الأسعار للمواد الأساسية خاصة مثل البنزين والمواد الغذائية الاستهلاكية من قطاعات الفلاحة والصناعة.
التخلي عن مشاريع البنية التحتية
تتجه الحكومة اضطراريًّا إلى سياسة التقشف التي تلمس من خلال أرقام ميزانيتي التجهيز والتسيير، حيث انخفضت الأولى بـ16% والثانية بـ3,3%، كما تلجأ الحكومة إلى التخلي عن عدد من مشاريع البنى التحتية، كالترامواي والمستشفيات، وفرض رخص استيراد على السيارات والإسمنت، وقررت تعليمة صادرة من الوزير الأول “عبد المالك سلال” إيقاف التوظيف العمومي عبر كل قطاعات الدولة، مع ضرورة تفعيل الإحالة على التقاعد بعد 60 سنة. مع العلم أن كتلة أجور التوظيف العمومي تقدر بحوالي 35 مليار دولار في الجزائر.
الأسعار نحو الارتفاع.. والسلم الاجتماعي في خطر!
تسجل الأسعار بمختلف المواد ارتفاعًا ملحوظًا ابتداء من دخول العام الجديد (2016)، فالحكومة من خلال قانون المالية ترغب في أن يشاركها المواطن الأزمة التي تمر بها البلاد، فالتدابير الجبائية على بعض المواد ستجعل من أسعارها تتضاعف بالنسبة للموطن الجزائري، ومع انهيار قيمة الدينار الجزائري فالقدرة الشرائية مؤكد انهيارها في هذه الحالة.
وسيمس هذا الإجراء المرعب للمواطن الجزائري، أسعار المواد الاساسية كالسيارات والوقود وأجهزة الإعلام الآلي، والنقل العمومي والكهرباء والإنترنت وحتى أسعار الهواتف النقالة. وتتخوف الحكومة من هذه الإجراءات التي قد تثير غضب الشارع وتدفع بالمواطنين للاحتجاج، مع العلم أن الجزائر تشهد أكثر من خمسة عشر آلاف احتجاج سنوي.
كما تحاول الحكومة التخلي بشكل تدريجي على الدعم الخاص للمواد الاستهلاكية والأساسية، مثل الحليب والزيت والسكر والكهرباء، كما تسعى الدولة إلى رفع الرسم على القيمة المضافة لبيع البنزين، وتقليص الفارق بين السعر الدولي والمحلي لهذه المادة الحيوية، حيث سيرتفع السعر لكل أنواع البنزين بقيمة 1 دينار جزائري.
وارتفاع قيمة البنزين سيؤثر بشكل مباشر على قطاعات حيوية كالنقل والفلاحة وغير ذلك، وهو ما يعني ارتفاع أسعار كل ما تعلق بهذه القطاعات.
جزء من الموالاة مع المعارضة، والدفاع الأعلى منذ الاستقلال.
أعلن نواب المعارضة عن إعداد عريضة إسقاط مشروع قانون المالية 2016، وحملت العريضة توقيع حوالي 120 نائبًا، منهم نواب ينتمون إلى أحزاب الموالاة مثل الافلان (جبهة التحرير الوطني) وتاج (تجمع أمل الجزائر)، ويحاول هؤلاء النواب الاستمرار في التصعيد لأجل إسقاط المشروع، وتوجيه نداء إلى أعضاء مجلس الامة (الغرفة الثانية بالبرلمان الجزائري) من أجل عدم التصويت عليه، مع أن المتابع للشؤون السياسية يدرك أن مجلس الأمة سيصوت بالإجماع على القانون.
كما سبق وأن جمد مجلس الأمة قانون العقوبات الخاص بالمرأة مؤخرًا والذي أثار جدلًا كبيرًا بين الإسلاميين والحكومة، بعد تصويت بالأغلبية عليه في وقت سابق، ويأمل نواب المعارضة أن يجمد رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة المشروع مثلما فعل ذلك مع إعفاء أبناء الشهداء والأرامل من الرسوم الجمركية لدى اقتناء السيارات الجديدة في قانون المالية 2011.
وتعتبر ميزانية وزارة الدفاع الأضخم في تاريخ الجزائر الحديث، حيث تقدر بأكثر من 11 مليار دولار، بعدما كانت سابقا لا تتجاوز 9,9 مليار دولار، كما يفند البرلماني “ناصر حمدادوش” خطاب الحكومة في ترويجها للاستثمار وتنويع المداخيل خارج المحروقات، حيث يكشف قانون المالية أن ميزانية التجهيز تقدر بأكثر من 31 مليار دولار، وميزانية التسيير بأكثر من 48 مليار دولار وهي أكبر من مجموع الإيرادات العامة للدولة التي تقدر بحوالي 47 مليار دولار. وقد ارتفعت بنسب معتبرة مثلما هو موضح بالتقرير.
ويتعجب الجزائريون من الميزانية الضخمة التي تستهلكلها وزارة المجاهدين والتي قدرت في هذا المشروع بـ 2,5 مليار دولار، ويتساءل “حمدادوش” حول ملف المجاهدين المزيفين والذي يئن تحت وطأة الفضيحة ويقدر عددهم بالآلاف. بالرغم من أنه في الجزائر يزداد عدد المجاهدين كل عام وهو ما يعوض تناقص العدد بسبب الوفيات وتقدم أعمارهم بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال.
وهذه أهم الأرقام المالية المتعلقة بمشروع قانون المالية 2016
- السعر المرجعي: 37 دولار للبرميل
- السعر المتوسط للنفط لإعداد الميزانية: 45 دولارا للبرميل
- سعر صرف الدينار: 98 دينارا لكل دولار واحد
- صادرات المحروقات: 26.4 مليار دولار
- واردات السلع والبضائع: 54.7 مليار دولار
- التضخم: 4%
- الناتج المحلي الخام: 18743.5 مليار دينار (177,355 مليار دولار)
- نمو الناتج المحلي الخام: 4.6%
- إيرادات الميزانية: 4747.4 مليار دينار (44,969 مليار دولار)
- نفقات الميزانية: 7984.2 مليار دينار (75,641 مليار دولار)
- ميزانية التسيير: 4807.3 مليار دينار (45,544 مليار دولار)
- ميزانية التجهيز: 3176.8 مليار دينار (30,096 مليار دولار)
- رصيد صندوق ضبط الإيرادات نهاية 2016: 1797.4 مليار دينار (17,028 مليار دولار)
- قيمة التحويلات الاجتماعية والدعم الضمني نهاية 2014: 4552.1 مليار دينار (42,957 مليار دولار)
- قيمة التحويلات الاجتماعية 2016: 1840.5 مليار دينار (17,423 مليار دولار)
- عجز الميزانية: 3236.8 مليار دينار (30.64 مليار دولار)
- عجز الخزينة العمومية: 2451.7 مليار دينار (23.20 مليار دولار)
- ناتج احتياطي الصرف نهاية 2016: 121.2 مليار دولار (23 شهر واردات)