كشف تحليل أعدته المخابرات الأميركية عن الاعتقاد بحتمية انهيار نظام الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، إنطلاقًا من إنقسام ونزاع طائفي ومذهبي يؤدي إلى عزله، لكن الأسد توفي وهو رئيس لسوريا، فيما يبدو وكأن التحليل الذي أطلق قبل 35 عامًا بات ينطبق على مصير نجله بشار الأسد، لا سيّما بعد إندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011.
إعداد عبد الإله مجيد: أكد تحليل لوكالة المخابرات المركزية الاميركية أن الأسد يلعب ورقته الرئيسة لابقاء نظامه في الحكم، وانه سيكثف جهوده لكي يثبت "أن قوى خارجية تحرك" اعداءه في الداخل، ورجح التحليل أن يحدث انقسام داخل النخبة الحاكمة يؤدي إلى عزل الأسد، لكنه يعترف بعدم وجود بديل واضح له.
التدهور
يتسم تحليل وكالة المخابرات المركزية، الذي يندرج تحت عنوان "سوريا: آفاق الأسد"، بقوة الاقناع وثقته العالية بأن أيام الأسد معدودة، ويتضح مدى المغالاة في هذه الثقة من نظرة خاطفة على تاريخ الوثيقة، التي تحمل تاريخ 17 آذار (مارس) 1980، أي قبل 35 عامًا، والرئيس الأسد الذي بات سقوطه وشيكا هو ليس بشار الأسد بل والده حافظ الأسد الذي توفي عام 2000، وقد نشرت وكالة المخابرات المركزية تحليلها هذا الآن بموجب قانون حرية المعلومات.
وافترض كاتب الوثيقة عام 1980 أن السياسة السورية تدور اساسًا حول النزاعات الطائفية بين العلويين والأغلبية السنية، وأُعد التحليل بلغة متفائلة تتوقع حدوث انقسامات بين الطائفتين يمكن أن تسفر عن اسقاط الأسد.
وكانت وكالة المخابرات المركزية تريد رحيل الأسد بكل تأكيد، ولديها أفكار عن الطريقة التي يمكن أن يحدث بها ذلك، إذ جاء في تحليلها: "الانضباط العسكري قد ينهار في مواجهة اضطرابات واسعة الانتشار، وهذا يمكن أن يؤدي إلى حرب دموية بين الوحدات السنية والعلوية، لكن العلويين قد يختارون تنحية الأسد قبل تفاقم مثل هذا الغليان من اجل إبقاء موقعهم مؤمَّنا".
معاناة مريرة
كان من الممكن كتابة العبارة الأخيرة لهذا المقتطف في أي وقت منذ عام 2011 لتلخيص ما كانت الولايات المتحدة تتمنى أن يحدث في سوريا، فهي كانت دائمًا تريد التخلص من الأسد، ولكنها لا تعتزم تدمير الدولة السورية أو حتى اضعافها، لأن ذلك يعني فتح الباب امام تنظيم داعش وتنظيم القاعدة.
لذا، تأمل الولايات المتحدة والدول الغربية المتحالفة معها في أن تتفادى تكرار ما حدث في العراق من تفكك كارثي لمؤسسات الدولة عام 2003 بعد اسقاط صدام حسين، كما لاحظ الصحافي باتريك كوكبرن في صحيفة الاندبندنت، مشيرًا إلى أن الحرب الطائفية التي كان محلل وكالة المخابرات المركزية يراهن عليها اندلعت بالفعل، لكن الأسد ما يزال في السلطة والشعب السوري دفع ثمن ذلك معاناةً مريرة.
ويتسم رؤساء أجهزة الاستخبارات الاميركية بصراحة كبيرة بعكس نظرائهم البريطانيين عند الحديث عن النتائج الكارثية للتدخلات الاميركية، ولا أحد يتفوق في صراحته على الجنرال مايكل فلين، رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية حتى الآونة الأخيرة، الذي قال بلا مواربة في مقابلة مع مجلة شبيغل الالمانية إن حرب العراق "كانت خطأ هائلًا"، واضاف: "الدرس التاريخي يتمثل في أن دخول العراق كان فشلًا استراتيجيًا، وان التاريخ لن يرحم ويجب ألا يرحم صاحب ذلك القرار".
في مقابل هذا النقد الذاتي، قال دبلوماسي سابق في وزارة الخارجية البريطانية انه طيلة السنوات التي اعقبت غزو العراق عام 2003 لم يسمع "احدًا تقريبًا في وزارة الخارجية يتحدث عن قرار حرب العراق أو أين وقع الخلل"، ولعل السبب أن أغلبية المسؤولين كانوا في مجالسهم الخاصة ضد الحرب من البداية ولكنهم لم يجاهروا بمعارضتهم أمام الرأي العام ولا حتى في مكاتبهم.
صدى!
والغريب أن الحكومة البريطانية بعد اربع حروب فاشلة ترفض التعامل مع معلومات اجهزتها الاستخباراتية بمزيد من التمحيص والتدقيق، ومن الدلائل الأخيرة على ذلك أن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون برر اعلانه عن وجود 70 الف مقاتل ينتمون إلى فصائل سورية معتدلة بالقول ان هذا الرقم جاء من لجنة الاستخبارات المشتركة، وكأن هذا المصدر يضع دقة الرقم فوق الشبهات، على حد تعبير الصحافي باتريك كوكبرن.
وكثيرًا ما ينظر القادة السياسيون غير البريطانيين إلى ما تعرفه حقا اجهزة بلدانهم الاستخباراتية بعين الريبة. وعلى سبيل المثال، الرئيس الفرنسي جاك شيراك قال لأحد الزوار قبل حرب العراق 2003 انه لا يعتقد أن صدام حسين يملك اسلحة دمار شامل. وقال له الزائر إن الاستخبارات الفرنسية نفسها تقول انه يمتلكها، فرد شيراك قائلا "انهم يخدرون بعضهم البعض"، اي أن الأجهزة الاستخباراتية تصبح في احيان كثيرة صدى يردد معتقدات واهمة لا تمت بصلة إلى الواقع.
وتكون السرية التي تحيط اجهزة الاستخبارات نفسها بها مفيدة حين تنكر مسؤوليتها عن الفشل، ولكنها تصبح في موقف ضعيف عندما تريد حكوماتها أو مسؤولوها الكبار إخماد نصيحة غير مريحة سياسيا أو تحريفها.
تعاظم داعش
وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما استهان اوائل العام الماضي بتنظيم داعش حين بدأ يحقق تقدمًا مذهلًا، قائلًا إنه أشبه بفريق من الدرجة الثانية يريد أن يلعب في الدوري الممتاز.
بعد ذلك بفترة قصيرة اجتاح داعش شمال العراق وشرق سوريا، وانكشف احد الأسباب التي تقف وراء سوء تقدير اوباما عندما وقع 50 محللا استخباراتيا رسالة مفتوحة احتجوا فيها قائلين ان رؤساءهم كانوا يقعمون أو يحرفون تقييماتهم بأن داعش يزداد قوة وليس العكس، كما يدعي البيت الأبيض. ويؤكد هذا الأهمية القصوى لمعرفة ما يجري على الأرض.
في هذه الاثناء انجرت قوى دولية واقليمية مثل روسيا وتركيا إلى النزاع وقامرت بالكثير من سمعتها ومصداقيتها، حتى انها لم تعد قادرة على الانسحاب، أو تحمل الهزيمة .واصبحت مصالحها الحيوية مرتبطة بتناحرات محلية ضبابية لكنها دموية مثل النزاع بين كرد مدعومين من روسيا وتركمان مدعومين من تركيا. وهكذا اصبح نزاع سوريا والعراق في القرن الحادي والعشرين ما كانته حرب البلقان في القرن العشرين. وبمفردات انفجار العنف على صعيد دولي فان عام 2016 قد يكون عام 1914 في وقتنا الحالي، بحسب تعبير الصحافي باتريك كوكبرن.