سالم الظاهري
يواصل «الخليج الجديد» الكشف عن سلسلة من التفاصيل الدقيقة حول الانتهاكات الطبية في السجون السرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تواترت الأنباء أنها تشمل ثلاثة سجون موزعة في مختلف مناطق ومدن أبوظبي الحضرية والنائية بحسب ما يرويها لنا «سعد البلوشي» الذي قضى فيها بضع شهور متنقلا بين زنازينها الانفرادية. (لمطالعة الجزء الأول)
حفلات التعذيب وتداعياتها الصحية
يحكي لنا «البلوشي» أن الزنازين الانفرادية ذات مقاسات مختلفة، وأبوابها الحديدية بعضها باللون الأبيض والبعض الآخر باللون الأسود. يتعرض القابعون فيها إلى حفلات التعذيب بداخلها أو بإحدى الغرف المخصصة بنهاية الممر المؤدي إلى مخرج عنبر السجن، ويشمل التعذيب الضرب بالكرابيج ووضع العصا في الدبر ونزع الأظافر والكي بالكهرباء والضرب المبرح على القدمين بعصي سوداء غليظة كالتي تحملها قوات مكافحة الشغب في دول العالم، ووضع المعتقل في أوضاع أخرى شديدة البؤس سيجري الحديث عنها تباعا. حيث يصدر المعتقلون أصواتا عالية يسمعها كل من يجاورهم في الزنازين الأخرى، وفي حال تعرضه للإغماء يقوم العسكر النيباليين أوالكولومبيين بنقله إلى الحمامات لتعريضه إلى حمام الماء البارد في الشتاء ليرجع مرة أخرى لمواصلة حفلة التعذيب.
ويضيف «سعد» وهو يبكي عند سرد هذه الحالة قائلا: «كنا نبكي من شدة تأثرنا بما نسمعه ويستعد الجميع لدوره في الحفلة، وبعضنا كان يصرخ عندما تفتح عليه الزنزانة ليدخل كلاب العسكر ليعصبوا عين المعتقل قبل أن يدخل فريق التعذيب والتحقيق لجمع معلومات معينة تحت وطأة التعذيب بما لديهم من أدوات تعذيب متنوعة، وتتكرر هذه الحفلات في اليوم عدة مرات، ويعرف المعتقلون موعدها عندما تتناهى إلى مسامعهم حركة غير طبيعية خلف الأبواب ولا يستجيب العسكر المكلفون بخدمة المعتقلين حينها لأي نداء إلكتروني من أجراس التنبيه الموجودة في كل الزنازين لطلبهم عند الضرورة.
التعذيب بالتبريد ونزع الملابس والنوم على البلاط
ويذكر «سعد البلوشي» أن المعتقلين في السجون الفردية كانوا ينامون على دوشك أرضي «مراتب أسفنجية». وفي أوقات البرد الشديد، كانوا يتعرضون للتعذيب بنزع الأغطية والملابس الخارجية وإبقاء المعتقلين بملابسهم الداخلية والنوم على البلاط أياما متتالية أثناء التحقيقات. وتكون حفلات التعذيب هذه مصحوبة بتخفيض درجة التبريد لدرجة التجمد فيصاب الكثيرين بالتهابات في المفاصل وآلام شديدة في العظام فضلا عن صعوبة النوم بسبب القلق والإضاءة الشديدة على مدار الساعة. وبعد أن تهدأ حفلات التعذيب ويكون المعتقل قد أعطى لهم ما يرغبون فيه من معلومات، يتركونه عدة أيام بدون تحقيق للتأكد والتثبت من غيره لما استقصوه واستدلوا عليه من معلومات بوسائلهم الخاصة، وتتكرر بعدها هذه الانتهاكات حتى إنهاء ملف التحريات تمهيدا لرفعه إلى نيابة أمن الدولة.
التعذيب بالضرب على القدمين والأرادف
ويستطرد «البلوشي» قائلا: «تترك حفلات التعذيب والضرب على القدمين والأرادف وخلف الأكتاف أثارا سلبية كاحتباس الدماء في أطراف ووسط القدمين وتهتك الأنسجة الأمامية والخلفية أحيانا كثيرة»، فإذا اشتكى المعتقل للطبيب في عيادة السجن، فإنه لا يستطيع أن يقدم له سوى البروفين والمراهم المسكنة والتي سرعان ما تتلاشى فعاليتها. وقد يطلب بعض المعتقلين من الطبيب أن يمنحهم حبوب فيتامين ب المساعد على التغلب على آلام العظام وعدم التعرض لأشعة الشمس فيرفض بحجة أن الأمر يقتضي إجراء فحوصات مخبرية وتحاليل، وبعد إلحاح شديد فإنه يمنح حبة واحدة كل شهر والتي تعرف بـ«حبوب الزيت».
التعذيب بالمشي المقيد والمبتسر
ويشير «البلوشي» إلى أن هناك ممشى بين عنابر السجون السرية محكم الغلق بشبابيك حديدية وأعمدة خرسانية متقاربة من أعلاه وتحت المراقبة الشديدة بالكاميرات الأمامية والخلفية ومن كل الزوايا. وتمنح هذه الميزة لمن ترضى عنه إدارة السجون المؤتمرة من جهاز التحقيقات، فالمعتقلون ليسوا سواسية في الحصول على هذا الحق الضئيل والنادر والمبتسر. بل أحيانا يفاجئهم الحرس بفتح زنزانتهم فرادى ووضع الأساور الحديدية بأيديهم، ثم تعصب أعينهم بشارة سوداء تربط بمعرفة العسكري النيبالي من الخلف ويقتاده إلى المكان المخصص للمشي ويخلع العسكري عنه الغمامة ويتركه يمشي بمفرده وهو مقيد اليدين بالأساور الحديدية تارة من أمامه وتارة أخرى من خلفه لمدة عشر دقائق في المكان المخصص لذلك، والذي عادة ما يكون مجهزا بمادة الترتان الأزرق أو بلاط الأنترلوك.
التعذيب بتأخير الدواء والحقن المخدرة
وحول آلام الأسنان التي يشتكي منها المعتقلون بالسجون السرية، يخبرنا «البلوشي» أن أي شكوى بهذا الخصوص تكون في العيادة الطبية، وإذا قرر الطبيب حاجة المريض للكشف يجري تسجيله في كشف عيادة الأسنان المكتظ بأسماء المعتقلين إلى حين وصول طبيب الأسنان حاملا معه حقيبته العلاجية. وخلال هذه الفترة يتعاطى البروفين أو حبة القرنفل كما ذكرنا من قبل. وإذا كانت حالته تقتضي الذهاب لعيادة الأسنان للخلع وما يسبقه من فحص إشعاعي، فإن الحالة تتطلب المزيد من الوقت.
ويذكر «البلوشي» أن كثيرا من الحالات التي كانت تجاوره في الزنازين الأخرى كانوا يتعرضون لحالات الصرع وتشنج وصراخ من آن لآخر إذا تذكروا ما يتعرضون له في حفلات التعذيب، فتتدخل إدارة السجن وتأتي بالعسكر والممرض ليحقنوه حقنة مخدرة ينام على إثرها حتى مساء اليوم التالي. ويقوم العسكر بفتح نافذة بابه الصغيرة للاطمئنان عليه بين الحين والآخر.
التعذيب بنزع النظارة الطبية
ويختتم «البلوشي» شهادته الخاصة لـ«الخليج الجديد» حول ما يجري من انتهاكات طبية تتعلق بالمعتقل داخل السجون السرية في الإمارات فيقول: «أنظمة السجن تقتضي أن تنزع إدارة السجن النظارة الطبية من المعتقل سواء كانت معدنية أو حتى من البلاستيك أو المطعمة بكليهما بحجج أمنية واهية».
ويناشد «البلوشي» عبر «الخليج الجديد» المنظمات الحقوقية العالمية سرعة التدخل لرفع المظالم التي ترتكب في أقبية السجون السرية بالإمارات ضد النشطاء والحقوقيين وذوي الرؤى المخالفة للتوجه السياسي للسلطات الحاكمة.
يذكر أن تقريرا دوليا لمبعوثة الأمم المتحدة لشؤون القضاء والمحاماة أكدت وقوع انتهاكات بحق المعتقلين، وكان رد الإمارات على تقريرها إلقاء القبض على من التقتهم المقررة الخاصة وإلى يومنا هذا يقبع كثيرون منهم داخل السجون سيئة السمعة دون حراك دولي جاد.
المصدر | الخليج الجديد