الاتفاق بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي.. الشروط والمحاذير

آخر تحديث 2015-12-20 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

ميرفت عوف

11

Follow @MervatMahammed

خمس سنوات من القطيعة، ترنحت خلالها العلاقات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وتركيا مع جهد أمريكي تواصل للتوفيق بين الغريمين ينجح بإجبار الاحتلال على الاعتذار لتركيا عام 2013.

اليوم طرأت ظروف سياسية على المنطقة، أخذت تدفع كلا الطرفين للتقارب من جديد، وفق مقاربة أمنية، إضافة إلى دوافع اقتصادية أيضًا دفعت في اتجاه تعجيل المصالحة والاتفاق، وهو الغاز الطبيعي الذي تحتاجه تركيا بعد التهديد الروسي بوقف إمداد الغاز لها، وتحتاج دولة الاحتلال لإخراجه لتركيا وعبرها لدول أخرى.

ورغم الحاجة الماسة لكل من دولة الاحتلال وتركيا من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي وعاجل، إلا أن هذا الأمر ليس بالسهولة لأسباب عدة؛ منها اشتراط تركيا فك الحصار عن غزة، ووجود معارضة إسرائيلية لهذا الشرط، كونه سيأتي على حساب علاقات أخرى أهمها العلاقة مع مصر وروسيا.

ولكن ما هي ظروف الاتفاق المبدئي الأخير الذي أعلن عنه أول أمس بين الطرفين، هذا ما يجيب عليه تقرير “ساسة بوست” التالي:

بنود الاتفاق

توصلت كل من تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي إلى اتفاق مبدئي يقضي بتطبيع العلاقات بين البلدين بعد خمس سنوات من الانقطاع، ويقضي الاتفاق بإنهاء الأزمة الدبلوماسية بينهما في أعقاب مهاجمة البحرية الإسرائيلية لأسطول الحرية، في العام 2010، وكان هذا الاتفاق قد تم في سويسرا بين مبعوث رئيس حكومة الاحتلال يوسف تشيخانوفر، ورئيس الموساد يوسي كوهين، ونائب وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلولو.

أول شروط الاتفاق المبدئي لتطبيع العلاقات، هو الاعتذار العلني عن حادث مرمرة وهو ما تم بالفعل عام 2013، والشرط الثاني هو التعويض المالي من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي لقتلها عشرة أتراك على يد البحرية الإسرائيلية على متن سفينة حاولت كسر حصار قطاع غزة عام 2010، وقد وافقت دولة الاحتلال على إنشاء صندوق تعويضات تضع فيه 20 مليون دولار، ويقابل هذا الشرط التركي شرطٌ من قبل دولة الاحتلال وهو أن “يسن البرلمان التركي قانونًا يلغي كافة الدعاوى القضائية ضد جنود وضباط إسرائيليين شاركوا في مهاجمة “مافي مرمرة” وأن يُمنع تقديم دعاوى في المستقبل”.

أما فيما يتعلق بالشرط الثالث فهو اشتراط تركيا رفع الحصار عن غزة، مقابل اشتراط دولة الاحتلال منع نشاطات حركة حماس في تركيا، وإبعاد أشخاص مثل صالح العاروري.

وبعد التوقيع النهائي على الاتفاق ستبحث تركيا مع دولة الاحتلال سبل التعاون في مجال الغاز الطبيعي، وآلية مد أنبوب غاز يمر بالأراضي التركية، ويصدر الاحتلالُ الغازَ عبره إلى أوروبا.

وقد أكد وزير الخارجية التركي “جاويش أوغلو”، على استمرار المباحثات مع الجانب الإسرائيلي، وعدم وجود خطوط ملموسة حتى الآن، وقال: “وسنرى معًا في الفترة المقبلة كيف ستكون نتائجها، وأن الحديث عن التفاصيل دون إجراء مباحثات غير ممكن. ينبغي تواصل هذه المباحثات”.

وكانت سرت تقديرات بأن تعيين يوسي كوهين رئيسًا لـ«الموساد» سيعزز مساعي تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، خصوصًا بعد دوره في هذا السياق عندما كان مستشارًا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي. وكان نتنياهو أعلن عند تعيين كوهين أن بين مهماته تعزيز وتطوير العلاقات السياسية مع الدول العربية، ومع دول «ساءت العلاقات الإسرائيلية معها».

الغاز الإسرائيلي بديل للروسي

في وقت تشن فيه روسيا حصارًا اقتصاديًا على تركيا بعد أزمة تدهور العلاقات بين البلدين عقب إسقاط القوات التركية طائرة حربية روسية الشهر الماضي، ولتهديد روسيا بقطع الغاز عن تركيا، تكثف تركيا جهودها لإيجاد مصادر جديدة للغاز الطبيعي وتخفيض اعتمادها على الغاز الروسي.

لذلك، سيجد الأتراك بديلًا جيدًا عن الغاز الروسي وهو شراء الغاز من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبالفعل توجهت عدة شركات تركية نحو شركات وقود إسرائيلية، بهدف تزويد تركيا بالغاز الإسرائيلي، وقالت المصادر التركية إن “”زورلو إنرجي” واتحادات أخرى للشركات التركية تتفاوض مع إسرائيل على السعر والمسار المحتمل لخط الأنابيب وهيكل المشاركة وكيفية بيع الغاز”.

وذكرت “يديعوت أحرونوت” أنه: “منذ الأزمة بين أنقرة وموسكو حول إسقاط المقاتلة بواسطة الجيش التركي، بدا وأن أنقرة تريد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتحرص بوجه خاص على التوقيع مع إسرائيل على صفقة لاستيراد الغاز الطبيعي، وعرضت مد خط أنابيب يربط بين حقول الغاز الإسرائيلية حتى تركيا، ومنها إلى دول أخرى في أوروبا”.

وبذلك جاء الخلاف التركي الروسي لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي كما تقول الباحثة في “معهد دراسات الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، غالية ليندينستاروز، وأضافت: “الأزمة بين تركيا وروسيا، هي جزء من مجموعة عوامل تعمل في صالح إسرائيل.”
فالتفاهم الذي يشير إلى ذوبان الثلج بين الاحتلال وتركيا بعد خمس سنوات، يعني أن فرصة كبيرة كان يتطلع إليها الاحتلال ستتحقق بعد توفر إمكانيات تصدير الغاز إلى تركيا، إذ ستعمل على إحداث تقدم سريع في محادثات استيراد الغاز الطبيعي في صفقة قد تصل قيمتها إلى عدة مليارات من الدولارات، كما تقول المصادر الإسرائيلية.

فعلى سبيل المثال، يكلف تطوير حقل لوثيان الذي تقدر احتياطياته بما يصل إلى 622 مليار متر مكعب ما لا يقل عن ستة مليارات دولار، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج الحقل في 2018-2020، يقول وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز إن “تطبيع العلاقات مع تركيا له أهمية كبيرة سواء لتطوير حقل لوثيان أو إعادة شركات الطاقة العالمية إلى إسرائيل للبحث عن حقول غاز جديدة”، وأضاف في حديث لراديو تل أبيب 102 “إف.إم”: “أعتقد أن هناك فرصة جادة ومفيدة لتحسين وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، أعتقد أيضًا أن هذا دليل على القيمة الدبلوماسية للغاز ومشروع الغاز.”

ومؤخرًا وافقت دولة الاحتلال الإسرائيلي على تنمية الشراكة الإسرائيلية-الأميركية في حقل الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وستسمح لدولة الاحتلال بتصدير الغاز إلى بلدان أخرى في المنطقة، بما فيها تركيا.

يشار إلى أن الأزمة الدبلوماسية بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي لم تنعكس على التعاون الاقتصادي بين البلدين، فقد ارتفع الاستيراد التركي من دولة الاحتلال من 1.4 مليار دولار عام 2010 إلى ذروة غير مسبوقة، بلغت مليارين في عام 2012، كما ازداد التصدير التركي لدولة الاحتلال من ملياري دولار عام 2010 إلى 2.4 مليار عام 2013.

عقبة حصار غزة

أحد الشروط الثلاثة التي وضعها الرئيس التركي طيب أردوغان لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي هو رفع الحصار عن غزة، وهو شرط اعتبره المحللون السياسيون “غير مرجح قبوله” في ظل التعنت الإسرائيلي ضد قطاع غزة وحركة حماس فيها.

ونفت دولة الاحتلال الإسرائيلي قبولها هذا الشرط أسوة بالشرطين الاعتذار لتركيا وإنشاء صندوق تعويضات لضحايا مرمرة، ولعل أبرز ما استغله المعارضون الإسرائيليون في رفضهم لتوقيع الاتفاق مع تركيا هو شرط فك الحصار عن غزة مقابل التطبيع.

ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادر سياسية في دولة الاحتلال قالت: “إسرائيل لن ترفع بأي شكل من الأشكال الطوق الأمني المفروض على قطاع غزة”، كما حاول الاحتلال وضع اشتراطات مقابل شرط رفع الحصار وهو منع نشاطات حركة حماس وأعضائها في تركيا، وإبعاد قادتها مثل صالح العاروري المتهم بالعمل ضد دولة الاحتلال من تركيا، لذلك يعتبر المحللون أن شرط رفع الحصار عن غزة يمثل العقبة في طريق الإعلان رسميًا عن الاتفاق. لذلك عقب الإسرائيليون: “الكرة في الملعب التركي. فنحن اعتذرنا ونحن مستعدون لدفع الأموال. وينبغي عدم إزعاجنا بالحديث عن رفع الحصار عن غزة”، وقال ليبرمان: “لا أعتقد أن أردوغان سيتنازل عن طلبه بشأن غزة (رفع الحصار)، وكل دعم تركي لغزة يأتي على حساب مصر”.

ورغم ذلك تؤكد مصادر تركية أنَّ هناك تقدمًا ملموسًا في مسألة رفع الحصار عن غزة، وأكد مسؤول تركي أن: “هناك تقدمًا كبيرًا فيما يتعلق بالحصار. نقترب من اتفاق نهائي في المحادثات مع إسرائيل. لا نعتقد أن ذلك سيستغرق وقتًا طويلًا”. ويستشهد الأتراك بما حدث عام 2013 عندما تعرقلت التفاهمات حول الاقتراب من المصالحة مع الاحتلال بسبب قضية التعويضات ووصلت لطريق مسدود، ثم تحرك الأمر مؤخرًا.

المعارضة الإسرائيلية

على الساحة الداخلية في دولة الاحتلال الإسرائيلي تعالت الأصوات التي انتقدت الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بسبب السعي للتصالح مع تركيا، معتبرين أن  نتنياهو خضع لإملاءات تركيا، وقبل باشتراطاتها خاصة الشرط الثالث المتعلق بشأن رفع الحصار المفروض على قطاع غزة.

وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، أفيغدور ليبرمان، قال أن: “أردوغان إسلامي متطرف لا يمكن الوثوق به، ولا يمكن أن يكون طرفًا في أي تفاهم مع دولة إسرائيل”، وتابع القول: “تطبيع العلاقات مع تركيا سيأتي على حساب العلاقات مع اليونان وقبرص ومصر”. وتخوف ليبرمان على مصير العلاقة مع مصر بشكل كبير إذ قال: “كل دعم تركي لغزة يأتي على حساب مصر، الاتفاق مع تركيا لم يتم بعد، لكن الضرر السياسي حصل”. واعتبر أن: “السماح للأتراك بموطئ قدم في غزة سيكون على حساب مصر وهو ما يمثل تهديدًا للتعاون مع نظام السيسي”.

أما زعيم حزب “المعسكر اليهودي” يتسحاق هرتسوغ، فذكر أنه: “كان بإمكان إسرائيل التوصل إلى اتفاق أفضل مع تركيا في الماضي، لو توصلنا إلى اتفاق مع تركيا قبل سنتين أو ثلاث، لكان الاتفاق أفضل وأكثر راحة لإسرائيل”، مضيفًا “نتنياهو خاف من ليبرمان وتراجع، واليوم هو يدفع ثمنًا أغلى”.

ويبدو أن التركيز من قبل المعارضين في دولة الاحتلال كان على مصير العلاقة مع مصر، إذ اعتبر معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة الثانية روني دانئيل أنه: “بخلاف الانطباع الذي حاول ديوان نتنياهو تكريسه وكأن تركيا قد جاءت راكعة على ركبتيها بعد صراعها مع روسيا، فقد تبين أن الأتراك يصرون على شرط، تنفيذه يمثل مصدر تهديد أمني كبير على إسرائيل”.
وشدد دانئيل على أن: “محاولات التصالح مع تركيا يمكن أن تضر بالعلاقة الإستراتيجية مع نظام السيسي، ذاك الشريك الحقيقي في الحرب على حركات الإسلام المتطرف”.

موقف أمريكا

عقب الأزمة السياسية بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وتركيا، بذلت الولايات المتحدة الأمريكية جهودًا واضحة للإصلاح بين الطرفين، فهي تدرك أهمية استمرار التقارب بين الطرفين اللذين يتشاركان في العديد من المصالح الإستراتيجية التي تعنيها في المقام الأول كالتصدي لأطماع إيران واحتوائها، لذلك شهد عام 2013 محاولة توسط بين الطرفين من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

وتؤكد مصادر سياسية أن اعتذار نتنياهو للرئيس التركي أردوغان عن مهاجمة جيشه لأسطول الحرية، ناجم عن ضغوط مارسها عليه أوباما خلال زيارته لدولة الاحتلال الإسرائيلي في آذار من العام 2013.

ويرى محللون أن الولايات المتحدة تهدف من جراء التوافق بين تركيا ودولة الاحتلال، إلى استعادة علاقات إستراتيجية بين حليفين لها يعملان من أجل تأمين الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وأيضًا “كي تتمكن من التفرغ لتنفيذ مهام إستراتيجية أخرى، ترتبط بسياستها الخارجية التي تصطدم بالصين وروسيا، إضافة إلى المواجهة مع إيران وكوريا الشمالية”.

من أجل ذلك أشاد “البيت الأبيض” بالاتفاق والتقارب الأخير بين تركيا ودولة الاحتلال، وقال مسؤول في إدارة أوباما: “سنرحب بهذه الخطوة في تطوير العلاقات بين حلفائنا الرئيسيين في المنطقة، والتي تلاقي تحديدًا مصالحنا المشتركة والأخطار التي نواجهها”.