على الرغم من اختفائه منذ 70 عاما، لا يزال أدولف هتلر يحظى بالكثير من الاهتمام بعد أن تكرس رمزا للشر والعنصرية والإبادة، وباتت جميع مساوئ البشرية تختصر في اسمه.
يمكن قول الكثير عن هتلر وعن التاريخ المعاصر الذي كان هو أحد صانعي أحداثه الكبرى، إلا أن الصورة الماثلة، كما هي العادة غير مكتملة، لأن التاريخ يصنعه المنتصرون، فيما يطوي النسيان المهزومين وتختفي شهادتهم من المشهد.
من جهة أخرى، من الصعب التعاطف مع هتلر، ليس فقط لأن التاريخ كتبه أعداؤه، بل لأن الدماء الغزيرة التي سُفكت في غزواته الكبرى لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف أو علة.
لقد تسببت ألمانيا النازية في مآس لا حصر لها، وأزهقت بسياساتها الرعناء وقوتها الغاشمة أرواح الملايين، ووجود أمثلة مشابهة لها في العالم لا يقلل من بشاعتها وانحطاطها.
ومع كل ذلك، لا تزال أفكار هتلر العنصرية البغيضة عن رفعة الجنس الآري ووضاعة الأمم الأخرى، تجد إقبالا في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية فيما يعرف بظاهرة “النازية الجديدة”، ولولا القوانين الصارمة لانبعثت من جديد.
ويبدو ضمنيا كما لو أن أوروبا تحاول التملص نهائيا من أي علاقة بهتلر من خلال الإصرار على رفض انتمائه والتشكيك في أصوله، ومحاولة إرجاع جيناته الفانية إلى بقاع بعيدة!.
يتجلى ذلك في تحليل جينات أقارب لزعيم النازية والذي أشرف عليه الصحفي البلجيكي جان بول مولدرز والمؤرخ مارك فيرميرين ونتائجه التي أكدت أن جينات هتلر لها صلة قرابة بالأجناس التي صنفها بأنها دونية، وتحديدا بأصول يهودية وإفريقية!
تحليل الحمض النووي شمل 39 من أقارب هتلر، تعقبهم الصحفي البلجيكي جان بول مولدرز والمؤرخ مارك فيرميرين في دأب للحصول على عينات من لعابهم!
ونتيجة التحاليل التي توصل إليها خبراء جامعة “لوفان” الكاثوليكية في بلجيكا، لم تكن مفاجأة مدوية لأن الشكوك حول أصول هتلر قديمة، لكنها في كل حال ما كانت لتفرح هتلر ولا أنصاره، إذ دلت على أن حمض هذه العائلة النووي يحتوي على الكروموسوم “E1b1b1″، وهو نادر الوجود في ألمانيا، بل وفي سائر غرب أوروبا، لكنه في المقابل شائع في منطقة المغرب العربي!.
ويقول المؤرخ فيرميرين بهذا الشأن: “هذا الكروموسوم شائع بين البربر، سكان شمال إفريقيا الأصليون، الذين يعيشون في المغرب والجزائر وليبيا وتونس، وأيضا بين اليهود الأشكيناز والسفارديم “.
بالمقابل التحليل يؤكد أن الكروموسوم المشترك المكتشف بين هتلر واليهود تصل نسبته لدى الأشكيناز الذين تعود أصولهم إلى أوروبا الشرقية ما بين 18 – 20%، فيما نسبته بين يهود السفارديم الذين تعود أصولهم إلى شبه جزيرة أيبيريا التي تشمل إسبانيا والبرتغال قبل أن يطردوا منها في القرن الخامس عشر بين 8.6 – 30%.
ويقول الصحفي جان بول مولدرز في معرض تعليقه على هذه النتائج المعملية: “إنه استنادا إلى هذه المعطيات، يمكن تأكيد أن أصول هتلر تعود إلى أولئك الذين احتقرهم”، مشددا على أن جمع العينات وإجراء تحليل الحمض النووي أنجزا في ظروف معملية صارمة”.
بطبيعة الحال لن يغير “اكتشاف” أصل جينات هتلر شيئا، ولن يعيد عجلات الزمن إلى الوراء، لكن هذا الأمر مفيد جدا في نسف فكرة وجود أجناس رفيعة وأخرى وضيعة فطريا بين البشر، ما قد يسهم في تعزيز قيم المساواة والتعايش السلمي على الأرض.
محمد الطاهر