عن العلاقات العامة أتحدث (3) – بناء أعضاء جهاز العلاقات العامة في الإسلام

آخر تحديث 2015-12-23 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

إن المتابع للسيرة النبوية يلمح بوضوح الشكل الذي بنيت به الدولة الإسلامية وجهاز العلاقات العامة بها ممثلا في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وإليكم كيف كان يتم بناء أفراده من خلال الخطوات التالية:

  1. الاختيار والتوظيف: في بادئ الأمر، لم يكن كل الناس مقبولين في الدين الإسلامي، يعني ليس كل من أراد الانضمام إليه والعمل في أجهزته يتم قبوله، فقد كانت تقتضي المصلحة أحيانا أن يظل الشخص مع أهله ويأمره النبي بالرجوع إليهم نظرًا لأن الفائدة العائدة على الرسالة من بقائه مع أهله أفضل من الفائدة العائدة على الرسالة بلحاقه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويؤكد ذلك ما ذكرته كتب السيرة من أن نُعيم بن مسعود ذهب للنبي يريد اتباعه وإعلان إسلامه، فقال له النبي أما الآن فلا، ولكن ستلحق بنا العام القادم.
  2. الانصهار: ويظهر ذلك جليا في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وسيتم التحدث بالتفصيل عن الانصهار في موضوع الطاقة الذي سيأتي كآخر فقرة في هذا المقال.
  3. توثيق الصلة: ويظهر ذلك في الزيارات المتبادلة فيما بينهم.
  4. الالتقاء على طاعة: لابد للجانب الروحاني أن يكون حشو العلاقة بين فريق العمل الواحد، وذلك كفيل بإزالة الران من على قلوب أعضاء الفريق الذي قد يطرأ على العلاقة بسبب ابتعاد القلوب.
  5. قوة اليقين: بأن الدنيا ستأتي لا محالة ولكن الآخرة هي التي تحتاج للتفكير، وأدى ذلك لغياب التنازع فيما بينهم على أمور الدنيا، والتنافس على أمور الآخرة مما أدى وساهم في قلة الخلافات لأن نفوسهم ارتقت وترفعت عن صغائر الدنيا.

وطبقا لأحدث الدراسات العلمية، فإن بداخل كل إنسان خمسة أنواع من الطاقات، ويجب على من يبني فريق العلاقات العامة أن يراعي هذه الطاقات الخمس، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يقله صراحة ولكن مواقف السيرة التي دونتها المراجع تؤكد حقيقة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مزج شخصيات الصحابة في إناء واحد، وهو ما أدى إلى قوة ووحدة البناء الداخلي لجهاز العلاقات العامة إن صح القول في الدولة الإسلامية الأولى.

وهذه الطاقات هي:

1- الطاقة العضلية:

الطاقة العضلية ويمكن تفريغ شحناتها حتى يتم مزج الفريق من خلال جعلهم يمارسون نشاطا عضليا وهم في أماكنهم، وهل كان اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة على الطعام إلا أحد أوجه مزج الطباع المختلفة للصحابة حوله من خلال مزج طاقاتهم العضلية وذلك بجمعهم على طعام واحد.

2- الطاقة الحركية:

ويتم مزج الطاقات الحركية لفريق العلاقات العامة وكذلك أي فريق آخر أو جمهور بجعل الأشخاص يجتمعون على نشاط حركي، كلعبة رياضية مثل كرة القدم أو العدو.. إلخ، وحملت لنا كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مسابقات مصارعة في أكثر من واقعة، وعمر بن الخطاب كان يتميز بطول النفس تحت الماء.

ومن مقامي هذا أوجه رسالة إلى الأسر العائلية، وهي أنه من الأهمية بمكان مراعاة مزج الطاقات المختلفة إذا أردنا أن نرفع مستوى التفاهم والتقارب بين أعضاء الأسرة وتقليل الفجوة وحجم المشكلات التي هي ناتج طبيعي لأي تفاعل إنساني.

3- الطاقة الفكرية:

ويتم تفريغ شحناتها السالبة من خلال جمع الفريق على مسابقات ثقافية أو جمعهم على جلسات تدبر وتأمل ولو ساعة أسبوعية في مكان مفتوح مليء بالخضرة، فإن له عظيم الأثر إن شاء الله.

4- الطاقة العاطفية:

ويتم صهر الفريق في بوتقة الطاقة العاطفية من خلال إعلاء قيمة الهدية والإيثار لدى أعضاء فريق العلاقات العامة، ومن أجمل صور الإيثار وظهور الرباط العاطفي بين فريق العلاقات العامة الأول في الإسلام ما حدث في معركة اليرموك، انظر كيف صهر النبي صلى الله عليه وسلم الفريق الأول…

جاء في السيرة أن عكرمة بن أبي جهل كان جرح جراحًا خطيرة وكان بجواره عشرة من الجرحى أيضًا ويقول ابن عمه، كنت في السقيا (شخص يخصص في المعركة لتوزيع مياه الشرب على الجنود والجرحى)، فوجدت عكرمة يئن من شدة الجراح ويقول أريد أن أشرب، فذهبت إليه، فما أن وضع الإناء على فمه، حتى سمع رجلا بجواره يريد أن يشرب فقال، والله لا أشرب حتى يشرب أخي، فذهبت للآخر، فسمع من بجواره يريد أن يشرب، فرفض أن يشرب قبل أخيه، وهكذا حتى وصلت للعاشر، فلما جئته، قال لي والله لا أشرب حتى يشرب عكرمة، فلما ذهبت لعكرمة وجدته قد مات، رضي الله عنهم أجمعين.

5- الطاقة الروحية:

وهي تعتبر الطاقة المغذية لكل الطاقات السابقة بل هي روحها، التي تدعم عملية استمرار مزج الفريق من خلال الطاقات السابقة كلها.

وتم مزج فريق العلاقات العامة الأول في عهد النبوة من خلال جلسات المسجد التي كان يجمع فيها النبي الصحابة على غير موعد صلاة، يتحدث فيها معهم كما يقوي علاقاتهم جميعا بالله، والطاقة الروحية تتلخص في قول ابن عباس (من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل عرى الإيمان في قلبه)…

إن الطاقة الروحية باختصار هي الطاقة التي كانت تسيطر على كل طاقات الفريق السابقة، وذلك من خلال جعل تفريغ الطاقات السابقة يكون خالصا وابتغاء مرضاة الله، وليس لأي غرض دنيوي آخر.

وتعالوا بنا نأخذ بعض اللمحات من الواقع المر الذي تغيب فيه الطاقة الروحية عن السيطرة على باقي طاقاتنا، عندما تغيب الطاقة الروحية وتفقد السيطرة على الطاقة العضلية، تجد الإنسان يمكن أن يجتمع على أكل لحم أخيه الإنسان، ولا أقصد الغيبة والنميمة، وإنما أقصد الأكل الحقيقي الذي يتم من قبل آكلي لحوم البشر سابقًا.

ويمكنك أن ترى الإنسان يأكل الكلاب والخنازير وأشياء أخرى لا يمكن ذكرها، وأيضا عندما تفقد الطاقة الروحية وتغيب عن الطاقة الحركية، تجد الفريق يصرف الطاقة الحركية في الرقص أو الشجار أو الأمور التي لا طائل من ورائها.

وعندما تغييب الطاقة الروحية عن الطاقة الفكرية، تجد الفريق يجتمع ليخطط لعمل إجرامي كسرقة أو خلافه، وعندما تغيب الطاقة الروحية عن العاطفية، تجد العاطفة تخرج في غير محلها، وما صور الزواج المثلي إلا إحدى صور اضطراب الطاقة العاطفية بسبب غياب الطاقة الروحية عنها.

وتعالوا بنا ننظر إلى الصور التي دمج فيها الإسلام فريق العلاقات العامة الأول في أكثر من موقف، فانظر إلى الصلاة؛ يتم فيها دمج الطاقة الحركية بالفكرية بالعاطفية بالروحية، انظر إلى الإفطار في رمضان؛ يتم فيه دمج الطاقة العضلية بالفكرية بالعاطفية بالروحية… فما العبادات إلا معامل دمج الطاقات المختلفة التي صهرت فريق العلاقات العامة الأول…

وبعد أن عرفنا كيف تم بناء فريق العلاقات العامة الأول، جاء الدور على معرفة الجمهور الذي تعامل معه هذا الفريق الأول وآليات التعامل معه، والتي رسخ لها الكتاب والسنة، وهذا ما سنعرفه في المقال القادم إن شاء الله تعالى فانتظرونا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست