يحدث الآن توقيع الاتفاق بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، كثير من كلمات الوطنية والأمل. الخطاب بدأ بأيها السيدات والسادة شركاء الوطن! استخدمت كلمات مثل: الوطن والوطنية، كل الأطياف والأطراف، كل الشعب والليبيين، تحقيق الاستقرار وبناء المؤسسات، إنقاذ ليبيا من الانهيار والحفاظ على وحدتها، المصالحة واختتمت بجمله عاشت ليبيا حرة أبية.
هذه الكلمات استخدمت سابقا كثيرا في العراق أثناء تشكيل حكومة المحاصصة الطائفية. الحكومات التوافقيه لماذا؟ أليست لأن لا أحد منهم يريد التنازل عن حصته؟ أليست هذه هي محاصصة؟ ربما ليست طائفية هذه المرة، وإنما قبلية أو أيديولوجية. وكم فريقا أجبر على الموافقة على الاتفاق لأنه لا يريد أن يخسر حصته؟ وكم فريقا لم يحضر ولم يوافق ولكنه لم يذكر اليوم وهمش بطريقة مشابهة لما حصل في لبنان وبعدها العراق؟ هل تم حل الخلافات في ليبيا، أم توزيع الحصص للأرضاء؟
السؤال هو: هل يوجد دولة ناجحة في العالم تحكم بمجلس حكم أو مجلس محاصصة لرئاسة؟ هل نجحت هذه التجربة من قبل في أي زمان ومكان في بناء دولة؟ هل يمكن أن تحكم دولة ويتم بناء مؤسستها من قبل مجموعة من الفرق المتناحرة والمختلفة في كل شيء إلا رغبتها في الوصول للحكم وفرض السيطرة وصولا إلى الكعكة؟
الخطة واضحة والكل يعرفها. وتطبق علينا في كل مرة بالأسلوب نفسه ونحن صاغرون. عجيب أمر الشعوب العربية، لا تتعلم من مرة أو اثنتين ولا عشرة. والسبب هو الطمع وحب السيطرة وعدم الشعور بالانتماء إلى أوطاننا. الحديث الشريف يقول: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”. فإذا بنا نلدغ من الجحر نفسه عشرات المرات؛ هل لأننا لسنا مؤمنين؟ أم هنالك سر في تربيتنا أو جينات نسلنا؟ هل ليبيا متجهة إلى أن تستنسخ التجربة العراقية؟ هل يوجد مواطن واحد يحب أن يصل بلده إلى ما وصل إليه العراق؟ أم ربما سيلتزم الموقعون بما اتفقوا عليه وسيعملون كفريق عمل واحد، يقدم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والفئوية؟ لا أعتقد.
هل نحتاج إلى عبقرية لندرك أن بناء دولة يحتاج إلى عمل موحد، بخط عريض وأيديولوجية موحدة؟ هل من الصعب علينا إيجاد أحزاب سياسية تمثل الحل الوسط للفرقاء؟ الحزب الواحد يكون لديه خط عمل وأديولوجية فكرية موحدة، وإستراتيجية واضحة وموحدة. كل ما نحتاج هو تشكيل حزب يكون أعضاءه من كل الفرقاء وبدون نسبية أو توزيع للحصص. يكون خط سيره هو الذي يتم التوافق عليه، وليس منتسبيه وأعضاءه، فهذه يجب أن تكون مفتوحه للجميع شرط تبني نفس الأفكار والأيديولوجية العامة للحزب.
ثم يترك هذا الحزب ليحكم، وينتخب من داخله رئيسه ووزرائه، وهل من الصعب أدراك الحاجة إلى الأحزاب المعارضة؟ التي يجب أن تكون ممثلة لجميع الفرقاء والأيديولوجيات المختلفة، يكون هذا الحزب أو الأحزاب بمثابة المراقب للحزب الحاكم، ويسعى للحصول على أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة. سيكون التنافس ليس على الحصص وتوزيعها، بل التنافس على وضع الخطط وشرحها للناخبين، تكون الكفاءة في تطبيقها الحكم الفاصل بمن سيصل إلى دفة الحكم، ومن يستطيع المحافظه عليها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست