أفرزت السنوات القليلة الماضية وبالتزامن مع استمرار حالة التشرذم السياسي التي تعيشها المنطقة العربية والإقليمية خاصة مع بدء ما سمي بـ” ثورات الربيع العربي” في ديسمبر 2010م، العديد من التكتلات والتحالفات بين دول مختلفة.
اتخذت بعض هذه التحلفات صبغة طائفية ، نظرا لحالة الانقسام التي تعيشها الشعوب العربية، وسقوط بعض الأنظمة الاستبدادية، وتغير موازين القوى في ظل تسارع المتغيرات الإقليمية.
“ساسة بوست “تستعرض أهم التحالفات التي تشكلت في منطقة الشرق الأوسط، والأسباب الكامنة وراء ظهورها.
أسباب ظهور التحالفات في منطقة الشرق الأوسط:
العديد من القراءات السياسية توحي أن ظهور التحالفات الدولية بين الفينة والأخرى جاء بفعل التحولات الإقليمية التي رافقت ما سمي بـ”الربيع العربي”، حيث تم حصر الصراع في منطقة الشرق الأوسط بين قطبين اثنين، يحمل كلك منهما مصالح وأجندات مختلفة عن الآخر، ووفقا لما تقتضيه المصالح الشخصية لكل بلد.
القطب الأول بقيادة مصر والسعودية ودول الخليج مثل الكويت والإمارات والأردن، والتي تمثل حائط صد ضد الاختراقات التي تعاني منها دول تعيش حالة من التشرذم مثل العراق ولبنان وسوريا.
بينما القطب الثاني بقيادة القوى الإسلامية وتتمثل في إيران وقطر وتركيا، التي تساند الجماعات السياسية العربية الإسلامية الكبيرة مثل جماعة الإخوان المسلمين، وتهدف إلى توجيه طاقة الانتفاضات العربية نحو أسلمة تدريجية للمنطقة.
ومن بين الأسباب أيضا تراجع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط، من خلال تغير أولويات الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، بعد أن رأت المنطقة العربية تعاني اضطرابات كبيرة، ومُقبلة على حروب متوقعة يمكن أن تؤدي إلى تورطها بشكل يكون مُكلفًا في ظل حالة الركود النسبية لاقتصادها.
وقد يكون التمدد والتغلغل الإيراني في العديد من الدول العربية “العراق، سوريا، اليمن” من ضمن الأسباب التي أدت إلى نشوء تحالفات، في ظل ما تعانيه هذه الدول من انهيارات وحروب أهلية طاحنة واضطراب أمني حتى اللحظة.
مؤخرا برزت التحالفات لمواجهة خطر تصاعد تنظيم الدولة الإسلامية” داعش” وغيره من التنظيمات التي ينظر إليها على أنها” إرهابية” من وجهة نظر القائمين على التحالفات، فبدأ التنسيق والتعاون في أعلى مستوياته بين دول عدة.
أربع تحالفات دولية وإقليمية كانت نتاج السنوات القليلة الماضية، أثرت تأثيرا مباشرا في تغيير خريطة منطقة الشرق الأوسط، وبروز قوى دولية لها وزنها وثقلها السياسي، وهي:
أولا : التحالف الإيراني العراقي الروسي
يستهدف هذا التحالف سوريا والعراق، لكنه برز بقوة حينما بدأ الصراع يدب داخل الأراضي السورية بقوة في مارس عام 2011، حيث تحالفت كل من روسيا وإيران مدعمة بقوات عراقية و” حزب الله” اللبناني مؤيدة للنظام السوري للقضاء على ما أسموه” الجماعات الإرهابية” عبر دعم الرئيس السوري” بشار الأسد” بالمال والسلاح والخبراء العسكريين والمقاتلين.
قابل هذا الدعم دعم آخر من دول مناوئة للنظام السوري مثل قطر وتركيا والسعودية حينما تحالفوا مع بعضهما البعض وأصدروا موقفا موحدا بضرورة وقف التمدد الإيراني في المنطقة بعدما وصل الأراضي السورية قادما من العراق لبنان.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قدمت هذه الدول دعما سياسيا وعسكريا لفصائل المعارضة المقاتلة في الساحة السورية ضد إيران والعراق و”حزب الله” اللبناني، وروسيا مؤخرا، فيما بقي الموقف الغربي الأممي تحديدا محذرا من تداعيات ذلك.
نتج هذا التدخل عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد السوريين، والطائرات الحربية المقاتلة الإيرانية منها والروسية، فكانت الحصيلة مئات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلا عن ملايين المهجرين إلى دول عربية وأوروبية مختلفة.
وبالتالي، اتسعت رقعة العمليات المشتركة بين إيران وروسيا والقوات الموالية لإيران من العراق ولبنان ممثلة بـ” حزب الله”، فكان الرد خلال الأيام القليلة الماضية هو إنشاء تحالف عسكري إسلامي لمواجهة” الإرهاب”.
وقبل التغول في سوريا من قبل إيران و”حزب الله” والقوات العراقية الموالية لـ” الأسد” برز نشاط هذا التحالف بقوة داخل الأراضي العراقية بقيادة إيران التي سيطرت على العديد من المناطق العراقية بالتنسيق مع الحكومة العراقية ذات الصبغة الشيعية.
ثانيا: التحالف الدولي للقضاء على «داعش»:
هو تحالف دولي أنشيء في سبتمبر من العام 2013 بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ويضم أكثر من عشرين دولة، لمحاربة ” داعش”، ووقف تقدمه في العراق وسوريا بعد سيطرته على مساحات شاسعة في البلدين، حيث بدء شن الغارات في سوريا والعراق من الشهر نفسه.
واتفقت أمريكا والسعودية ومصر والعراق والأردن ولبنان وقطر والكويت والبحرين والإمارات وسلطنة عُمان على محاربة التنظيم، والعمل على وقف تدفق الأموال والمقاتلين إلى التنظيم، وإعادة بناء المجتمعات التي روعها التنظيم بأعماله “الوحشية”.
وثمة من يرى أن هذا التحالف مشابه للذي تشكل في حرب الخليج الثانية “حرب تحرير الكويت” في بداية التسعينيات، إذ بلغ عدد الدول المشاركة في حرب الخليج الثانية 32 دولة بقيادة أمريكا لتحرير الكويت من الغزو العراقي سنة 1990، بينما التحالف الحالي بلغ عدد الدول الأوروبية والعربية والشرق أوسطية ما يقرب من خمسين دولة.
والجدير ذكره أنه يختلف أدوار الدولة المشاركة في التحالف، فمنهم من يشارك بالدعم المالي وآخرون في العمليات العسكرية الميدانية والعمليات اللوجستية، فأمريكا وكندا وبريطانيا وفرنسا وأستراليا وألمانيا وإيطاليا وألبانيا وبولندا والدنمارك وأستونيا كان دعمها عسكريا.
فيما السعودية استعدت لمنح 500 مليون دولار للمفوضية العليا للاجئين، والكويت عشرة ملايين دولار من المساعدات الإنسانية، بينما استقبلت أستراليا: 4400 لاجئ عراقي وسوريا وإلقاء الكثير من المساعدات الإنسانية من الطائرات.
وبما أن السبب المعلن لهذا التحالف هو القضاء على” داعش”، فإن ثمة أسباب تقف وراء قيادة أمريكا له وهي تأمين موارد النفط التي تؤثر في الاقتصاد العالمي، خاصة بعد سيطرة” داعش” على منطقة” نينوى” وما تحويه من مصافي النفط في حزيران العام الجاري. إضافة إلى تأمين الحلفاء الرئيسيين الذين شعروا بتهديد حقيقي من تمدد “داعش”، وفي مقدمتها إسرائيل التي اعتبرت أن تقدم التنظيم صوب الحدود العراقية الأردنية تهديد مباشر لأمنها، فضلا عن الضغوط الخليجية على”أوباما” خشية تهديد الجماعات الجهادية من ناحية، وتوسع نفوذ إيران في العراق وسوريا من ناحية أخرى.
ثالثا: التحالف العربي «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين:
وهو عبارة عن عملية عسكرية سعودية، بمشاركة تحالف دولي مكون من عشر دول ضد جماعة” أنصار الله” “الحوثيون” والقوات الموالية لهم ولعلي عبد الله صالح، حيث قصفت القوات الجوية الملكية السعودية المواقع التابعة لمسلحي جماعة أنصار الله والقوات التابعة لصالح في اليمن ليلة السادس والعشرين من مارس 2015 .
وتعتبر عملية” عاصفة الحزم” إعلان بداية العمليات العسكرية بقيادة السعودية في اليمن، حيث تم فيها السيطرة على أجواء اليمن وتدمير الدفاعات الجوية ونظم الاتصالات العسكرية خلال الساعة الأولى من العملية.
وتأتي الضربات الجوية لمعاقل الحوثيين في اليمن والقوات الموالية للرئيس المخلوع “علي عبد الله صالح” بعد تلبية طلب من الرئيس اليمني” عبد ربه منصور” بضرورة حماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي المستمر وردع الهجوم المتوقع حدوثه في أي ساعة على مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب، ومساعدة بلاده أيضا في مواجهة القاعدة و”داعش”.
وشاركت في التحالف دول الخليج العربي باستثناء سلطنة عمان التي وقفت على الحياد ودعت إلى ضرورة الحوار بين الأطراف المتصارعة، فيما أيدته دول أخرى مثل مصر والأردن والسودان والمغرب. بينما اكتفت أمريكا بالدعم اللوجستي والاستخباراتي للتحرك العسكري الخليجي باليمن.
وفي إبريل من العام نفسه أعلنت قيادة العملية عن توقف العملية وبدأ عملية إعادة الأمل بعد أن أعلنت وزارة الدفاع السعودية إزالة جميع التهديدات التي تشكل تهديدا لأمن السعودية والدول المجاورة. ولا تزال عمليات التحالف العربي في اليمن مستمرة إلى الآن.
رابعا: التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة «الإرهاب»
هو حلف عسكري تم إنشاؤه منتصف ديسمبر الماضي بقيادة السعودية، لمحاربة” الإرهاب” بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبها وتسميتها، عبر انضمام 35 دولة إسلامية، سيجري التنسيق فيما بينها من خلال غرفة عمليات مشتركة مقرها الرياض.
ويضم التحالف مجموعة من الدول الاسلامية التي تشكل أغلبية العالم الاسلامي، خاصة التي تعاني من “إرهاب” مستمر مثل سوريا والعراق وسيناء واليمن وليبيا ومالي ونيجيريا وباكستان وأفغانستان.
فضلا عن تأييد 10 دول إسلامية للتحالف من غير انضمامها إليه مثل أندونيسيا، حيث سيجري محاربة” الإرهاب” وفق النظرة السعودية عسكريا وفكريا وإعلاميا بالإضافة إلى الجهد الأمني، بينما الدول العربية المشاركة هي الأردن والإمارات والبحرين وتونس والسودان والصومال وفلسطين وقطر والكويت ولبنان وليبيا ومصر والمغرب وموريتانيا واليمن وجمهورية القمر.
أما الدول غير العربية، فهي باكستان وبنغلاديش وبنين وتركيا وتشاد وتوغو وجيبوتي والسنغال وسيراليون والغابون وغينيا وكوت دي فوار والمالديف ومالي وماليزيا والنيجر ونيجيريا.