معلومات جديدة عن العلاقات الأميركية السورية -

آخر تحديث 2015-12-24 00:00:00 - المصدر: ايلاف

كشف تقرير نشرته مجلة لندن رفيو اوف بوكس عن تفاصيل العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا وعن أدوار دول اخرى في المنطقة وعن خلافات داخل الولايات المتحدة نفسها ازاء الصراع في سوريا وتنظيم داعش والحكومة السورية وتركيا. كتب التقرير الصحافي اللامع والكاتب السياسي سيمور هيرش اعتمادا على معلومات حصل عليها من مستشار سابق رفيع المستوى في هيئة الاركان الأميركية المشتركة لم يكشف عن اسمه. 


يذكر التقرير أن اصرار الرئيس باراك اوباما المتكرر على رحيل بشار الاسد أثار في السنوات المنصرمة نوعا من المعارضة من جانب مسؤولين بارزين في هيئة الأركان الاميركية المشتركة في البنتاغون إذ انتقد هؤلاء ما اعتبروا انه تركيز من جانب الإدارة الاميركية على حليف الأسد الرئيسي، فلاديمير بوتين وعزوا ذلك الى كون اوباما ما يزال اسير ذهنية الحرب الباردة في علاقاته مع روسيا والصين ولم يأبه الى انهما هما ايضا يشعران بالقلق من انتشار الإرهاب داخل سوريا وخارجها وأنهما يريدان مثله ايقاف تنظيم الدولة الاسلامية عند حده.

بدأت هذه المعارضة في صيف 2013 بعد ان اشار تقرير سري للغاية وضعته وكالة المخابرات التابعة لوزارة الدفاع (DIA) وهيئة الأركان الأميركية المشتركة التي كانت في ذلك الوقت تحت قيادة الجنرال مارتن ديمبسي، إلى أن سقوط نظام الأسد سيؤدي إلى إنتشار الفوضى وإلى احتمال سيطرة المتطرفين "الجهاديين" على سوريا، كما حصل في ليبيا. 

ونقل الكاتب عن مستشار سابق رفيع المستوى في هيئة الأركان الاميركية المشتركة قوله إن الوثيقة التي اعتمدت مصادر معلومات مختلفة رسمت صورة داكنة لاصرار ادارة اوباما على الاستمرار في تمويل وتسليح ما يدعى بمجموعات متمردة معتدلة. 

تركيا عائق 

كانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية تعمل في ذلك الوقت على نقل اسلحة بالتعاون مع بريطانيا والسعودية وقطر من ليبيا إلى تركيا ومنها إلى سوريا لمساعدة المعارضة على دحر نظام الأسد، غير ان تقرير وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع رسم صورة اخرى واعتبر تركيا عائقا امام تطبيق سياسة اوباما في سوريا. 

ونقل الكاتب عن المستشار السابق قوله إن ما بدأ كبرنامج أميركي سري لتسليح المعارضين المعتدلين لنظام الأسد، تحول الى برنامج تنفذه تركيا ليشمل كل الفصائل بما في ذلك جبهة النصرة وداعش. وقال المستشار ايضا إن تقرير وكالة المخابرات رسم صورة قاتمة ولاحظ عدم وجود معارضة معتدلة للاسد قادرة على البقاء كما لاحظ أن الولايات المتحدة اصبحت تسلح المتطرفين في النهاية.

حذرنا مرارا 

ونقل الكاتب عن الليفتننت جنرال مايكل فلين الذي كان مدير وكالة المخابرات التابعة لوزارة الدفاع بين 2012 و 2014 قوله إن وكالته ارسلت تحذيرات سرية ومتواصلة الى القيادة المدنية الأميركية بشأن النتائج الوخيمة لإسقاط الأسد ونبهت الى إن المتطرفين يسيطرون على المعارضة وإن تركيا لم تكن تفعل ما يكفي لوقف تدفق مقاتلين اجانب واسلحة عبر الحدود. ونقل الكاتب عن الجنرال فلين قوله: "رفضت الادارة كل المعلومات  وكانها لا تريد سماع الحقيقة". 

وقال المستشار السابق في القيادة الأميركية المشتركة إن الادارة كان تريد رحيل الأسد دون ان تهتم بمن سيحل محله ومن هنا ظهر الخلاف بين سياسة أوباما وهيئة الاركان الأميركية المشتركة. 

إيصال معلومات

وكشف تقرير الصحيفة عن أن هيئة الاركان الاميركية المشتركة قررت في خريف 2013 التصرف من خلال توفير معلومات استخبارية اميركية لعسكريين في دول أخرى مع تفاهم ضمني على ايصال هذه المعلومات الى الجيش السوري لاستخدامها ضد عدو مشترك يمثله جبهة النصرة وتنظيم داعش. 

وكانت المانيا وإسرائيل وروسيا على اتصال بالجيش السوري وكان لكل منها اسبابها للتعاون مع الأسد: فالمانيا تخشى ما قد يحدث بين مواطنيها المسلمين وعددهم ستة ملايين إذا ما توسعت "الدولة الاسلامية"، وإسرائيل تخاف على أمن حدودها، وروسيا في تحالف قديم وطويل الأمد مع سوريا وتخشى على قاعدتها البحرية الوحيدة في البحر المتوسط في طرطوس. 

ونقل الكاتب عن المستشار قوله: "لم نكن ننوي الخروج عن سياسات اوباما المعلنة، ولكن اردنا ايصال معلومات عن طريق العلاقات مع عسكريين في دول أخرى. كان واضحا أن الأسد يحتاج إلى معلومات تكتيكية افضل وإلى نصائح عملية. ولذا توصلت هيئة الأركان المشتركة الى أن تلبية هذه الحاجة ستدعم القتال ضد الإرهاب. أما اوباما فلم يكن يعرف، ولكن اوباما لا يعرف ما تفعله هيئة الأركان المشتركة في أي ظرف كان، وهذا ينطبق على كل الرؤساء". 

لا اتصال مباشرا

مقابل المعلومات التي حصلت عليه الجيش السوري عن طريق المانيا وإسرائيل وروسيا كشفت سوريا معلومات عن قدراتها الخاصة وعن خططها غير انه لم يكن هناك أي اتصال مباشر بين الولايات المتحدة والجيش السوري، حسب قول المستشار الذي أكد مرة أخرى ان عملية ايصال المعلومات كانت ضمن العلاقات بين العسكريين وليس مؤامرة خططت لها هيئة الأركان الأميركية المشتركة للالتفاف على اوباما ودعم الأسد. ونقل الكاتب عن المستشار قوله: "كان الامر اذكى من ذلك بكثير. وإن ظل الاسد في السلطة، فليس لاننا كنا وراء ذلك، بل لانه كان ذكيا بما يكفي لاستخدام المعلومات والنصائح التكتيكية المهمة التي وفرناها للأطراف الأخرى".  

عداء وتعاون 

من المعروف ان العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا قامت خلال العقود الماضية على العداوة. فالأسد ادان هجمات 9/11، ولكنه عارض الحرب في العراق. وربط جورج دبليو بوش سوريا بشكل مستمر بمحاور الشر الثلاثة التي كان يتحدث عنها وهي العراق وإيران وكوريا الشمالية على طول فترة رئاسته. وأظهرت برقيات وزارة الخارجية التي نشرتها ويكيليكس ان ادارة بوش حاولت زعزعة الاستقرار في سوريا وفي اطار ذلك انفقت السفارة الاميركية في دمشق خمسة ملايين دولار لتمويل منشقين رشحوا انفسهم كمستقلين لمجلس الشعب السوري، وقد استمر دفع المبالغ حتى بعد ان بدا واضحا ان المخابرات السورية كانت على علم بما يحدث.

غير ان هناك تاريخا آخر جمع بين سوريا والولايات المتحدة خلال الفترة نفسها، إذ تعاون البلدان ضد تنظيم القاعدة. ونقل الكاتب عن المستشار السابق في هيئة الاركان الاميركية المشتركة قوله: "بعد  9/11 كان بشار ولسنوات مصدر عون لنا في حين أننا كنا جافين معه في المقابل. وفي 2002 اعطى الأسد الضوء الاخضر للمخابرات السورية لتسليم مئات الملفات الداخلية عن نشاطات الإخوان المسلمين في سوريا وفي المانيا".  

وذكر المسؤول أيضا أن المخابرات السورية كشفت في وقت لاحق من ذلك العام نفسه عن مخطط لتنظيم القاعدة للهجوم على مقر الاسطول الخامس للبحرية الأميركية في البحرين. 

تقرير الصحيفة ذكر إيضًا ان سوريا قامت بأمور اخرى مثل تسليمها مؤخرًا اقرباء لصدام حسين احتموا بها إلى الولايات المتحدة كما إنها، حالها في ذلك حال حلفاء أميركا في الأردن وفي مصر وفي تايلندا وأماكن أخرى، قامت بتعذيب ارهابيين مشبوهين في سجن في دمشق لصالح وكالة المخابرات المركزية، حسب كاتب المقال. 

شروط

مقابل ايصال المعلومات الى الجيش السوري عرفَّت الولايات المتحدة بمطالبها، وهي اربعة: على الأسد منع حزب الله من مهاجمة إسرائيل، عليه ان يجدد المفاوضات المتوقفة مع إسرائيل للاتفاق على تسوية بشأن مرتفعات الجولان وعليه ان يوافق على قبول مستشارين عسكريين روس وغيرهم من الخارج، وعليه التعهد بتنظيم انتخابات مفتوحة بعد الحرب بمشاركة تشكيلة واسعة من الفصائل. 

غير ان الأسد، وحسب قول الكاتب، اراد ان يتأكد من حسن نية الاميركيين فأرسل يطلب إثباتا. ورأت هيئة الاركان المشتركة ان تتخذ الخطوة التالية، وهي ان تستبدل الاسلحة التي يتم نقلها من ليبيا الى المعارضين السوريين عن طريق تركيا بأسلحة مأخوذة من الترسانة التركية، وهي قديمة بعضها لم يستخدم منذ حرب كوريا ما يعني ان هذه الاسلحة ذات النوعية الرديئة ستؤثر على اداء المقاتلين. واكد المستشار ان الأسد فهم الرسالة. 

مرحلة مهمة

وكانت تلك فترة مهمة لان جيش الاسد كان قد تكبد خسائر كبيرة في ربيع عام 2013 فيما سيطر تنظيم داعش على الرقة. 

وذكر تقرير الصحيفة أن هذا الدعم الاستخباري الذي حصل عليه الاسد قابله تصعيد من جانب السعودية وقطر وتركيا على صعيد تمويل وتسليح جبهة النصرة والدولة الاسلامية.  

رافق ذلك فشل جهود وكالة المخابرات المركزية لتدريب معارضة معتدلة سواء في الاردن أم في تركيا.

وفي كانون الثاني (يناير) 2014، وبسبب عدم تحقيق تقدم، دعا جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية كبار مسؤولي المخابرات الاميركية ومسؤولي مخابرات الدول العربية السنة من كل انحاء الشرق الاوسط إلى اجتماع سري في واشنطن بهدف اقناع السعودية بوقف دعم مقاتلين متطرفين في سوريا. 

ونقلت الصحيفة عن المستشار السابق في هيئة الأركان الأميركية المشتركة قوله إن برينان اكد على ضرورة التواصل مع المعتدلين، وقال إنه اذا توقف الجميع في المنطقة عن دعم النصرة وداعش فستنضب اسلحتهم وذخيرتهم وسيكسب المعتدلون.

وقال المستشار السابق: "تجاهل السعوديون رسالة برينان وعادوا الى بلدهم ليزيدوا جهودهم مع المتطرفين بل طلبوا منا دعما تقنيا اكبر. ونحن قلنا، حسنا، وبالنتيجة ظهر اننا ندعم المتطرفين".

وتقول الصحيفة: "غير ان السعوديين لم يكونوا المشكلة الوحيدة إذ أظهرت معلومات الاستخبارات الاميركية ان حكومة اردوغان كانت تدعم جبهة النصرة لسنوات وانها تفعل الشيء نفسه الان مع داعش". 

ونقل التقرير عن المستشار السابق قوله " اخبرنا اوردغان بان عليه أن يغلق خط تهريب الجهاديين الاجانب عبر تركيا. ولكن لدى اوردغان حلم كبير جدا، وهو اعادة بناء الامبراطورية العثمانية".