قبل أشهر وبعد جدل حاد في الأوساط الأكاديمية والمعمارية اليابانية حول مشروع الستاد الأولمبي في طوكيو، المزمع تشيده لدورة عام 2020، تمخضت النقاشات عن انتقادات لاذعة للتصميم المعتمد، والمقدم من قبل المهندسة المعمارية العراقية الشهيرة زها حديد، إذ انصبت الإنتقادات أولا على شكلانية الشكل وتنافره مع المحيط الحضري القريب، لدرجة أن وصف، بأنه دميم ونافر، غير مبدع، كما شبهها لاحقا المعمار ارتا ايزوكي بأنه خطأ جسيم وسيكون الستاديوم وصمة عار للأجيال القادمة. ونالت السخرية ووسمت "إنها تشبه السلحفاة التي تنتظر أن تغرق اليابان لكي تسير"، ونعتها آخرون بأنها تشبه المركبة الفضائية في أفلام الخيال العلمي، ...الخ. في الواقع تصميم الستاديوم المنجز من قبل زها وفريقها مأخوذ بطريقة فجة من شكل الخوذة التي يلبسها راكبوا الدراجات، إضافة إلى تشابه وتحاكي مع شكل السلحفاة، دقق في (الشكل رقم 1) المرفق.
وعلى الرغم من صحة كل ما قيل في تصميم المعمارية زها، وصحة الانتقادات، لكن العقد كان قد وقع معها، ونال الموافقة وتم التفاوض للانتقال إلى مرحلة إنجاز التفاصيل، وربما الاضبارة التنفيذية للمشروع، الا أن حدة الانتقادات، وقدرة حركة النقد المعماري في اليابان في إقناع المسؤولين في مركز القرار بمدينة طوكيو لرفض تصميم زها، والبحث عن بديل قد نجح، إذ أقر مؤخرا تصميم جديد يهدف إلى الحفاظ على الهارموني والتناغم البصري في محيط الستاد بمدينة طوكيو، التي تعد أحد أكبر المدن العالمية، إن لم تكن الأولى من حيث عدد السكان والنظافة.
إن رفض تنفيذ المشروع المقترح الذي عملت فيه زها حديد واستبداله بتصميم ياباني له أكثر من دلالة، ففي البدء كان تتعالى الأصوات وتستنكر قبول تصميم هندسي لمهندسة عراقية كونها إهانة للهندسة اليابانية، وبالتالي لمعماريي اليابان الذين أثبتوا للعالم قدرتهم على الإبداع ووضع بصماتهم على خارطة أيقونات الهندسة المعمارية في كل القارات، ومن جهة أخرى تعد استخفافا بالتقنية والعلوم اليابانية، وبالتالي جاء إعتماد التصميم الجديد للمهندسين اليابانيين، لأسباب عدة رجحتها عملية تخفيض الكلفة. من جهة أخرى يبدو أن شكل التصميم الياباني البديل لم ولن يسلم من النقد النسبي والسخرية كعادة أغلب التصاميم الأيوقونية، حيث كتب بهذا الصدد الناقد المعماري Oliver Wainwright في الغارديان يوم 16 ديسمبر الجاري مقال نقدي بعنوان (باباي زها أهلا بالبيضة المقلية)، وذلك كناية عن شكل الستاد الجديد الذي يشبه البيض المقلي داخل الصحن أو المقلاية (الشكل رقم 2).
لقد تم نال موضوع جمالية وفنية ستاد طوكيو الكثير من الإهتمام، وعبر عن ذلك العديد من الصحف وشبكات الاعلام العلمي CNN في 15 ديسمبر، كما أكدت نيويورك تايم بتاريخ 22 ديسمبر خبر إستبعاد تصميم زها، واستفاضت في اشكالية وملابسات بناء هذا المعلم الرياضي في صيغته الجديدة، متعاطفة مع زها حديد، عند نقلها لمخاوفها "بأنها أصبحت ضحية كراهية الأجانب".
تم اقتراح تصميمين آخرين، كبديلين ومقترحين(ِA,B) يعتمدان على المواد الخفيفة كالخشب بصفة أساسية، عكس مقترح زها المعتمد على الحديد، مع تخفيض الكلفة إلى حوالي النصف، أي من ملياري دولار لتصميم زها، في حين أن الحل البديل والذي يعتقد أنه للمعماريان اليابانيان كينجو كوما وتويو ايتو (Kengo Kuma، Toyo Ito)، تمكن من توفير أماكن ومساحات داخلية 80 ألف مقعد، وخارجية أوسع للسيارات، كما تم ربطها ودمجها بالبيئة عبر فلسفة معمارية جديدة، إذا سعى المعماريان اليابانيان بمنهجية جديدة إلى جعل الستاديوم يرتبط بالغابة، مع لمسات طبيعة خضراء.
المعطيات الأولية المتسربة تشير إلى أن اليابان ستشيد أول ستاد عملاق ورشيق من الخشب والأغصان، لاستضافة أولمبياد عام 2020 على الرغم من ضيق الوقت الناتج عن رفض التصاميم السابقة، وكذلك بسبب نسبة المجازفة في استخدام مواد جديدة وخفيفة.
أخيرا هل سيشكل رفض تصميم زها حديد بهذه الطريقة النقدية المعيارية عاملا في أفول نجمها؟ وهل ستكون نهاية لخط مميز وريادي في عمارة ما بعد الحداثة المستقبلية؟ قبل أن يستفيد بلدها العراق من تجربتها وإمكاناتها؟ جدير ذكره أن المعمارية الأشهر زها حديد قد تالقت خلال العشرين السنة الماضية كمعمارية مستقبلية رائدة تعتمد الأشكال والخطوط الإنسيابية غير المألوفة، وقد حالفها الحظ بسبب تقدم علوم الرسم بالكومبيوتر، وكذلك الثورة في صناعة وانتاج مواد البناء الحديثة وتقنيات التشييد المتقدمة. لكن فشلها في انجاز مشروع ستاد طوكيو المذكور أعلاه، أوقعتها في شباك النقاد والمتخصصين الأكاديميين، لدرجة أن جعلوا من تصميمها نكتة ومزحة، ليؤثر هذا الفشل على كل مستقبلها المهني والخصوصية التي خطتها وأسست لها بنجاح طوال ربع قرن.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية
الشكل رقم 1 الستاد المقترح حسب تصميم زها حديد
الشكل رقم 2 التصميم البديل للمعمار كينجو كوما
السيناريو A
السيناريو B لتشيد الستاد من الخشب
التسقيف الخشبي لستاديوم طوكيو
الستاديوم كجزء من الغابة