نشر “داعش” مقاتليه الأجانب، وأغلبهم من الانتحاريين، في الرمادي لكسب بعض الوقت لفسح المجال أمام ما تبقى من قادته للفرار باتجاه الأجزاء الشرقية بعد خسارة مركز المدينة المحاصرة منذ أشهر.
وباغتت قوات محلية ونظامية مسلحي التنظيم بهجوم شنته فجر الثلاثاء، من المحور الجنوبي، فيما كانت كل التوقعات تشير الى أن التقدم سيكون من الشمال نظراً لحجم التحشيد المتواصل منذ إسبوعين.
واستعان الجيش بجسور مؤقتة لعبور “نهر الورار” ليفاجئ داعش في مركز المدينة، كما ظهرت لأول مرة طائرات الاباتشي الأميركية وهي تستهدف كل حركة في المدينة.
ونصحت القوات المشتركة السكان بالتزام المنازل، فيما يصف مسؤول محلي عبور المدنيين الى جانب الجيش خلال اليومين الماضيين بـ”المجازفة” لشدة المعارك.
وأظهرت مقاطع فيديو بثها ناشطون، أمس، على مواقع التواصل الاجتماعي، تجمع اهالي بعض الأحياء المحررة من حول القوات العراقية للترحيب بهم وسط هتافات بوحدة “السنة والشيعة”.
كيف خدعت داعش؟
ويكشف ابراهيم العوسج، عضو مجلس قضاء الرمادي، عن خسارة داعش لأغلب احياء المدينة باستثناء “6 شوارع ينتشر فيها بقايا التنظيم”.
ويقول العوسج لـ(المدى)، إن “القوات العراقية خدعت المسلحين عبر بث شائعات عن صعوبة اقتحام المدينة، كما حشدت قوات وآليات جديدة في شمال الرمادي بينما هاجمت من الجنوب”.
وتوغلت القوات المشتركة في مركز الرمادي مستخدمة جسوراً مؤقتة مجتازة نهر الورار، بعد أن فجر التنظيم أغلب الجسور المؤدية الى مركز المدينة.
وأضاف المسؤول المحلي “لم تكن هناك مفاجآت أثناء الاقتحام، والقوات العراقية عالجت أغلب السيارات الملغمة المركونة في الشوارع”.
ويقدر العوسج وجود اكثر من 100 عجلة مفخخة كان قد وضعها داعش بشكل لا يثير الريبة قرب المتاجر، وبعضها تحت الأشجار. ويؤكد أن “مصادر من داخل الرمادي أعطت معلومات للقوات الأمنية عن مواقع السيارات وعن أنفاق ملغمة ومعامل التفخيخ التي قامت بتفجيرها عبر الطائرات خلال الأسابيع الماضية”.
الاباتشي تقاتل في الرمادي
واشترك حشد الأنبار، من المقاتلين القبليين، الى جانب قوات الشرطة من القوات الاتحادية بالهجوم من مناطق التأميم والجامعة والحميرة في جنوب المدينة، مما تسبب بإرباك تنظيم داعش الذي أرسل معظم مقاتليه الى الشمال تحسباً لبدء التقدم من تلك المناطق.
ويتابع العوسج حديث لـ(المدى) بالقول إن “شرطة طوارئ الأنبار وحشد المدينة كانوا رأس الحربة في معارك الثلاثاء في مناطق الملعب وحي البكر وشارع 20 وتساندهم الفرقة الذهبية”.
ويؤكد المسؤول المحلي “قيام طائرات الاباتشي الأميركية، لأول مرة، منذ فجر الثلاثاء وحتى الآن، بضرب أي شيء يتحرك في المدينة بعد أن آلقت الطائرات منشورات تحث السكان على البقاء في منازلهم”.
وحتى وقت قريب كانت الإدارة الأميركية تنفي موافقة رئيس الحكومة حيدر العبادي استخدام “الاباتشي” في معركة الرمادي، على الرغم من أن تلك الطائرات موجودة منذ شهرين في قاعدة التقدم شرق الرمادي.
وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب يوم الثلاثاء، عن دخوله إلى مركز الرمادي من محاور عدة وبدأ بتطهير الأحياء السكنية.
وتحاصر القوات العراقية الرمادي من جميع الجهات منذ أسابيع عدة مما سمح لها بقطع الإمدادات عن عناصر التنظيم واستعادة السيطرة على حي التأميم غرب المدينة، وقيادة عمليات الأنبار السابقة شمال المدينة.
وكان وزير الدفاع خالد العبيدي، قد توقع السبت، أن تتمكن القوات العراقية، بمساندة من الضربات الجوية لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، من استعادة مدينة الرمادي بنهاية هذه السنة.
عمليات نوعية
وفي شمال الرمادي، تمكنت الفرقتان التاسعة والعاشرة، التابعتان للجيش العراقي، بالقيام بـ”عمليات نوعية”، وفق وصف أحد قادة المقاتلين القبليين هناك، وتحرير قيادة عمليات الأنبار والتقدم نحو منطقة الجرايشي والبو ذياب.
وظهر رئيس لجنة الأمن والدفاع النائب حاكم الزاملي في مبنى قيادة العمليات بعد ساعات من تحريرها.
وقال الزاملي، في بيان صادر عن مكتبه، إنه “تمت محاصرة مركز مدينة الرمادي من جميع الجهات، ولا تصل الى داعش أي إمدادات، وعناصر داعش أما أن يتم قتلهم أو يسلمون أنفسهم”.
ودعا رئيس لجنة الأمن البرلمانية الأسر الى “الخروج من مركز المدينة لكي تتمكن القطعات الأمنية من الدخول للمناطق”.
وأضاف الزاملي “لا نريد أن نخسر أي مواطن عراقي، ونوصي قائد عمليات الأنبار اللواء الركن اسماعيل المحلاوي والقادة الأمنيين بالمحافظة على أرواح الأبرياء”.
وفي السياق ذاته يؤكد غسان العيثاوي، القائد الميداني لمقاتلي عشائر الرمادي، “لم يعد التنظيم يسيطر على مركز الرمادي، وقريباً سيقف المحور الشمالي الأهم بالنسبة للمسلحين بعد اكتمال تطهيره من المفخخات وبقايا المسلحين”.
وأوضح العيثاوي، في تصريح لـ(المدى)، أن “الأجزاء الشمالية للرمادي ترتبط عبر مناطق صحراوية بالموصل وصولاً الى سوريا، وإن خسارتها تعد نهاية لممر مهم يتدفق من خلاله السلاح والمقاتلين لـ”داعش”.
ويكشف القيادي العشائري عن “هروب معظم قادة التنظيم عبر جزيرة الخالدية الى الفلوجة”، لافتاً الى أن “المسلحين نشروا مقاتلين أجانب من الانتحاريين لتعطيل القوات المشتركة بينما يهرب باقي القادة من المدينة”.
وكان مسؤول محلي في الرمادي كشف الاسبوع الماضي، عن أن القوات المشتركة تركت مسلكاً وحيداً لمغادرة المسلحين باتجاه الفلوجة لتسريع تحرير المدينة، وانهاء مقاومة التنظيم.
حماية الأهالي
في هذه الاثناء، تدفق أهالي الأحياء التي تم تحريرها الى مواقع تواجد القوات المشتركة للاحتفال بالنصر.
ويقول عيد عماش الكربولي، المتحدث باسم مجلس محافظة الأنبار، إن “أغلب المناطق التي تم تحريرها كانت خالية من السكان بعد أن استطاع الأهالي الإفلات من قبضة المسلحين والتوجه الى المناطق التي أعلن عنها الجيش كمسلك آمن للخروج”، مشيراً الى أن “داعش سحب باقي السكان الى مناطق مازالت تحت نفوذه لاستخدامهم دروعاً بشرية”.
وأشار الكربولي، في حديث مع (المدى)، الى أن “مناطق الملعب والحوز والجمعية تعد من أكثر الأحياء كثافة سكانية وهي مازالت تعد مناطق قتال”. وأضاف أن “القوات المشتركة لايمكن أن تميز المدنيين عن المسلحين اثناء المعارك”، عاداً “خروج المدنيين الآن مجازفة”.
ويصعب على أهالي تلك المناطق الخروج بسبب شدة المعارك، كما لايسمح داعش لهم برفع “رايات بيض” لتمييزهم عن المسلحين.
من …وائل نعمة