حلق الدبور فوق هدفه طويلاً... الفريسة المفترضة رصدتها القرون الاستشعارية منذ سبعة أعوام. الآن أصبحت وجبته جاهزة للالتهام. أرسل إشارات إلى الكتائب العاملة. وأتى القرار "هيا بنا نلدغ هدفنا الهارب منا إلينا". أراد تامير باردو، إنهاء خدمته رئيساً للموساد بوضع اسم سمير القنطار، في سيرته الذاتية. أول القرار بيده، وآخره في مكتب بنيامين نتنياهو. لم تكن المهمة مستحيلة، فالدبور يستطلع جيداً قبل أي هجوم، ومكان التنفيذ مُباح حالياً لكل أسراب الطائرات والحشرات. معظم أنواع الدبابير (أكثر من مئة ألف نوع ) طفيلية، أهمها الدبور الآسيوي العملاق، يبلغ طوله في بعض الأحيان حوالى 5 سنتميترات، وطول إبرته 5 مليميترات. الدبور من الطفيليات الخبيثة. طعامه المفضل خلايا النحل. وهذه المرة خلية المقاومة كانت لذيذة بحجمها ومؤثرة بعملها. هي تهدد عش الدبابير من الجهة الشرقية الهادئة منذ 48 عاماً. كيف يمكن للمقاومة أن تهدد الدبور في منطقة حساسة توجعه لاحقاً. الدبور عسكري بفطرته. الافتراس لديه منظم بطريقة خطيرة. اليرقات تضرب رأسها بجدران الخلية بقوة للتعبير عن حاجتها للطعام واستفزاز العاملات. تخرج الدبابير في مجموعات، كل منها تشمل 25 - 30 دبور. عند العثور على خلية نحل، تفرز مواد ذات رائحة قوية تنتشر مع الهواء لتبلغ الكتائب الأخرى بأنها وجدت الفريسة المطلوبة، ولتدلها على مكانها عن طريق استتباع الرائحة. وهكذا اليرقات الإسرائيلية أطرقت رأسها في اجتماع الحكومة المصغرة (الكابنيت): إنه الجولان. تعالوا ننشئ إقليماً جديداً هناك. هو الخوف من تمدد الجبهات. العاملات في الأجهزة الأمنية في كيان الدبابير قدرت الموقف: عمليات الدعس والطعن موجعة في القدس والضفة، صواريخ وأنفاق غزة مؤلمة، 130 ألف صاروخ عند حزب الله وأمينه العام يعد بمفاجأت كبيرة. ماذا لو كان الجولان مجهزاً لتقاطع النيران في الحرب المقبلة؟ ما هي توصياتكم أيها العاملات؟ هل يكفي إنشاء مركز اعتراض موحّد لمنظومات "القبة الحديدية" و"العصا السحرية" و"حيتس 2" ولاحقاً "حيتس 3"؟ كيف نحمي المطارات ومحطات الغاز؟ كيف نوقف انتفاضة الأفراد في الضفة؟ كانت تقديرات العاملات مقتضبة، المهم هو إطعام اليرقات وحمايتهم. إذاً، لنلدغ قادة خلايا النحل القريبة والبعيدة. يقول مسؤول فلسطيني رفيع، إن "إسرائيل أعطت أوامرها باغتيال قادة المقاومة في أي مكان، ولو في أوروبا". حان وقت إسرائيل لتعود إلى نهج غولدا مائير، إنها حرب الاغتيالات المقبلة. يظن الدبور أنه لو قتل قادة النحل يقضي على الخلايا. لكن "الدم يجدد الدم" كما يقول فتحي الشقاقي (مؤسس حركة الجهاد الإسلامي واغتالته إسرائيل عام 1995). يستند الدبور إلى إمكانياته القتالية والاستخباراتية. يحتاج للافتراس دائماً لتلبية متطلباته، خصوصاً وأنه ليس منتجاً للعسل أو أي نوع من الطعام، فهو كائن مستهلك طفيلي متطفل. لذلك تلجأ مجموعات الدبابير إلى افتعال هجوم منفرد أو شامل لضمان البقاء. إسرائيل هنا تنفذ هجوماً منفرداً. ليس لاغتيال قائد فقط، إنما لقتل مشروع كامل في الجولان. في أحيان كثيرة يرتبط مشروع بشخص، جيش بقائد، شعب برمز. قرأ نتنياهو، جيداً كتاب "الأمير" للإيطالي نيكولو ميكافيلي، وكتاب "فن الحرب" للصيني سون وو. هما أفضل من أوصى بالاعتقالات والاغتيالات العسكرية. النظرية: "أن تقضي على الرأس فينتهي الجسم". وكي تطبق، لا بد من رئيس جديد للموساد. لذلك رحبت العاملات بـ"عارض الأزياء" يوسي كوهين. لديه إنجازات كبيرة غير معروفة، إلا لنتنياهو. فهو من عينه مستشاراً له للأمن القومي. وما يعرفه عنه الإسرائيليون أنه أنيق جداً، وحسب. خاطبهم قبل تسلمه مهامه مطلع العام المقبل "انتظروا مني عمليات أكثر من رائعة ومعلومات استخباراتية ستفيد إسرائيل جداً". يثق نتنياهو، بكوهين جداً. وزير شؤون الإستخبارات الإسرائيلي السابق دان مريدور، يؤكد أن "فترة كوهين ستكون جيدة، وتمثل تغييراً كبيراً فى حروب المعلومات والمواجهات"، موضحاً أن "الحروب بين الدول لا تعتمد على الدبابات أو المظلات وإنما على الحرب الاستخباراتية"... هي حرب الاغتيالات المعتمدة على المعلومات.