يعد مفهوم المجتمع المدني من المفاهيم الحديثة نسبيًّا والتي برزت بصورة واضحة على الساحة السياسية والاجتماعية لا سيما في أوروبا، وهو من الوسائل والآليات الحديثة التي تنظم العلاقة بين الدولة والمجتمع على وفق الصيغ الديمقراطية التي تقوم على الاحترام والتعاون والتسامح.
إن التطور الديمقراطي وعملية بناء المجتمع المدني وتفعيل دوره هما عملية موحدة مترابطة، ولا يمكن لأي منهما أن ينجح دون الآخر إذ لا وجود لديمقراطية حقيقية من دون مجتمع مدني قوي وفاعل.
إن المهام الأساسية الملقاة على عاتق المجتمع المدني أو ما يطلق عليه حديثًا (رأس المال الاجتماعي) هو أخذ زمام المبادرة في أن يكون هو الرقيب والراصد لأعمال الحكومات وخاصة في الحكومات الديمقراطية التي تؤمن بالشفافية في تعاملاتها، والتي تعد أي (الشفافية) واحدة من ركائز أو مقومات النزاهة في هذا البلد أو ذاك، فضلا عن المهمة الرئيسية وهي الشراكة الحقيقة مع الدولة في رسم السياسات العامة.
بالإضافة إلى أعمال طوعية أخرى تكون في مقدمتها تقديم الإغاثة والمساعدات عندما تكون الدول أو الحكومات عاجزة عن توفير ذلك إلى مواطنيها، فيتبنى المجتمع المدني هذا الدور المحوري وهذا ما حصل فعلا في فلسطين ولبنان والعراق حيث اخذ المجتمع المدني دورا اساسيا في عملية البناء.
لكن من المشاكل الحقيقة التي تواجه منظمات المجتمع المدني هو حضور الولاءات الاجتماعية والمذهبية والعرقية والطائفية، وهذا يكون في المرحلة الانتقالية في حكم الدولة كونها كانت خاضعة لنظام قائم على هذا الاساس من الطائفية والعرقية والمذهبية، وبالتالي تحتاج إلى وقت كبير بعد هذه الفترة لتأخذ نسقا معينا قائما على أساس المدنية والمواطنة.
كذلك الانقسامات الحادة داخل المجتمع المدني حيث يبدو المجتمع المدني منقسما في العمق حول خطوط عدة منها إسلامية وعلمانية ومدنية وريفية.
بالإضافة إلى ذلك ضعف التفكير الإستراتيجي، فيؤثر نقص التفكير الإستراتيجي في منظمات المجتمع المدني المرتبطة بالمانحين فبدلا من تصميم إستراتيجيتها وفق الحاجات المحلية تميل إلى التفكير وفق متطلبات المانحين.
أيضا نقص العمل الجماعي، حيث أعاق التعبير عن الاحترام المتبادل بين مختلف المجموعات العمل الجماعي نتيجة لذلك لم يتم تطوير إستراتيجيات مشتركة لإرساء آليات أكثر شمولية مرتبطة بعملية اتخاذ القرار.
فضلا عن تأثير الأحزاب السياسية، منذ أن دخلت المراحل الانتقالية في مرحلة جديدة ترتكز بشكل أكبر على العمليات الدستورية، حيث انتقل تركيز النقاش من المجتمع المدني إلى الأحزاب السياسية، حيث تبدو بعض منظمات المجتمع المدني مرتبطة بشكل وثيق بالأطياف السياسية إلى حد أن البعض منها خسر استقلاليته.
وأخيرا الانخراط الضعيف في آليات المراحل الانتقالية القائمة، حيث أبدى الفاعلون في المجتمع المدني نقصا في إدراك مختلف الأدوار التي يمكنهم تأديتها في العملية الانتقالية، حيث اتجهوا إلى تفضيل بعض المهمات مثل المراقبة وتقديم الخدمات، فضلا عن تقديم المشورة وتقديم الخبرات والتربية المدنية.
لذلك بات من الضروري أن يأخذ المجتمع المدني دوره الفاعل في كافة المجالات ووضع آلية حقيقة لتجاوز هذه العقبات التي من شأنها عرقلة تقدم المجتمع المدني، والذي يعد ركنا أساسيا في عملية البناء الديمقراطي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست