عبد الرحمن طه
48
Follow @ARahman_Tahaاستضاف مركز بروكنجز بالدوحة ندوة في الثامن من ديسمبر 2015 حول الوضع الحالي للصراع السوري، واحتمالية نجاح مفاوضات السلام في فيينا العام القادم. شارك في الندوة مروان كابلان، رئيس قسم تحليلات السياسات في المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، ونوح بونزي، المحلل المتخصص بالشأن السوري بمجموعة الأزمات الدولية، وتشارلز لستر، الزميل الوافد بمركز بروكنجز بالدوحة.
افتتح بركات المناقشة بتذكير الحضور أن الحرب الأهلية في سوريا ستدخل عامها الخامس قريبًا، وأن ضحاياها بلغ عددهم قرابة 250 ألف قتيل، وما يقارب نصف الشعب السوري تم تهجيره. صحيحٌ أنه تم عقد اجتماعات متعددة الأطراف في فيينا مؤخرًا في إصرار دبلوماسي للتفاوض على السلام في سوريا، لكن خلافات عميقة ما زالت موجودة بين أطراف الصراع. بدأ بركات بسؤال المناقشين عن كيفية اختلاف اجتماع الرياض مع فصائل المعارضة السورية عن الجهود السابقة.
أشار كابلان إلى أن الاجتماع حظي بدعم واسع من الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، وأغلب اللاعبين الرئيسيين في الصراع، فيما عدا إيران، التي تخشى كراهية المعارضة السورية لكل ما هو إيراني. ضمّ الاجتماع فصائل المعارضة والفصائل المسلّحة أيضًا، وهو ما يجعلها المرة الأولى التي تجلس فيها الجماعات المسلحة، أمثال جيش الإسلام وأحرار الشام، على مائدة المفاوضات. يأمل كابلان في أن المعارضة ستوافق على حل سياسي واسع، وستجد طريقة لتوحيد رسالتها.
أضاف لستر أن اجتماع الرياض يمثل تحولًا في السياسة الغربية تجاه العديد من الفصائل السورية المسلحة. يعترف الغرب الآن أن هذه الفصائل لها من الشعبية والقوة ما يجعل إقصاءها عن هذه المفاوضات مستحيلًا، بالرغم من أيديولوجيتها. أضاف أيضًا أن محادثات فيينا ستكون أكثر جدية من المفاوضات السابقة، وسيتوافق أطرافها حول وقف لإطلاق النار. ومن المستحيل لوجستيًّا أن تفرض وقفًا لإطلاق النار عن طريق مفاوضات لا تنضوي تحت جناحها الفصائل المسلحة. من هذا المنطلق جاء حث لستر على ضم مزيد من الجماعات المسلحة وممثليها في المفاوضات.
لفت بونزي النظر إلى الفارق الذي يراه بين الفصائل الإسلامية الثورية المسلحة، مثل جيش الإسلام وأحرار الشام، والجماعات السلفية الجهادية، مثل الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. على العكس من السلفيين الجهاديين، يعترف جيش الإسلام مثلًا بحق السوريين في اختيار حكومتهم، وأنها ستنتهج احتواء الأقليات غير المسلمة، ولن تتبع أي أجندات خارجية.
ولكن ماذا عن التدخل الروسي؟ قال بونزي إن تدخل روسيا جدد الاهتمام بتحريك العملية السياسة إلى الأمام. لكن، مثلها مثل جنيف الأولى والثانية، ستضعف محادثات فيينا نتيجة للاختلاف حول مستقبل الأسد في سوريا. في الوقت الحالي، تؤمن جميع الأطراف المتحاربة في سوريا بإمكانية الحل العسكري، جاعلة احتمالات استمرار الحرب على الأرض لا متناهية. لذا لا بد أن يأتي الزخم الذي سينهي المعضلة الحالية من اللاعبين الإقليميين والدوليين.
على النقيض، قال كابلان إنه بخلاف الدولة الإسلامية والأسد، فإن معظم اللاعبين في سوريا لا يؤمنون بأن النزاع سيُحلّ حلًّا عسكريًّا، لأن الخصم فيها ليس الأسد فقط، وإنما القوى الإقليمية أيضًا. يؤمن اللاعبون السوريون أن الأمر يحتاج إلى حل سياسي لتحقيق النصر، وربما يخرج هذا الحل من رحم فيينا.
لاحظ لستر أن دور روسيا في الصراع غالبًا ما يتم الاستهانة به. ولكن مداه الآن واضح. على سبيل المثال، أقنعت روسيا الأسد بتدمير أسلحته الكيماوية في أكتوبر 2013، وتدخلت موسكو لإنقاذ الأسد -وليس مساعدته- بعدة ضربات جوية الأشهر القليلة الماضية. المعارضة في سوريا بدأت تدريجيًّا في توحيد رسالتها استعدادًا للمفاوضات مع الأسد، ولكن التدخل أنهى هذه الاحتمالية. دفع لستر بأن روسيا ستظل في سوريا، وأفعاله سيكون لها تأثير أكبر على الأسد من إيران. وبونزي أضاف أن روسيا، على الرغم من كل شيء، أقل وضوحًا بشأن مصير الأسد من إيران، التي تعتبر خسارته تهديدًا وجوديًّا لها. لذا فإن الروسيين يبدون على استعداد للتنازل أكثر من إيران.
وعرض بونزي ملخصًا سريعًا عن المشهد الكردي، قائلًا إن القوات الكردية استولت على أجزاء كبيرة من شمالي سوريا. قال بونزي إن هذا وقت التحرك الكردي، فالأكراد يعتبرون أنفسهم محايدين، يعارضون الأسد والإسلاميين، ويحالفون إيران وروسيا والولايات المتحدة، ولديهم علاقات سيئة مع العرب وتركيا.
محولًا دفة النقاش تجاه أزمة اللاجئين، قال بركات إن أربعين بالمائة فقط من اللاجئين المتدفقين إلى أوروبا هم من السوريين. سأل كابلان ما إذا كانت أوروبا ستبدأ في التركيز على الصورة الكبيرة لانعدام الاستقرار في المنطقة. لاحظ كابلان أن أوروبا تنتهج نهجًا ضيق الرؤية، مهملة جذور المشاكل التي تدفع اللاجئين إلى الهرب. جادل أيضًا بأن الأسد يستخدم اللاجئين لعقاب أوروبا ودفعها تجاه قرار آخر على نفس النهج: مساعدته على الاحتفاظ بالسلطة. ولقد نجح الأمر بفعالية، فالخطاب تجاه سوريا تحول ببطء من الهجوم على الأسد إلى التنديد باللاجئين والإرهاب، جاعلًا الدعم الأوروبي لاحتفاظه بالرئاسة احتمالية قوية.
وافقه لستر على ذلك، قائلًا إن أزمة اللاجئين بدأت في دفع الغرب إلى التفكير في تقسيم سوريا: قرار آخر من ذات المنظور الضيق سيبقي الأسد في السلطة. في الواقع، تشير تطورات أخرى إلى أن الأسد يمهد لتقسيم سوري في حال آلت الأمور إلى أسوأ حال. فعلى سبيل المثال، سهّل الأسد اتفاقًا تم بموجبه استبدال مواطنين معارضين بزبداني موالين للنظام من إدلب، لتصبح المنطقة بطول الشريط الحدودي اللبناني السوري خالية من المعارضة.
في ملاحظة أخيرة، أضاف بونزي أن روسيا تعتنق هذه الإستراتيجيات، وأكد على أنها تستهدف الجماعات المعارضة بهدف تهجير المزيد من أفراد الشعب وزيادة حدة أزمة اللاجئين. صحيحٌ أن روسيا هي العضو الأكثر احتمالًا للتنازل عن الأسد من بين داعميه، وأقلهم خسارة في حال حدوث ذلك، لكن دعمها العنيد للأسد وسياساته يجعل من شبه المستحيل تصور أي دور إيجابي لها في المفاوضات الحالية.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».