جبهات وتحالفات لقتال الارهاب....! من سيقاتل من؟
يبدو ان مبدأ عدو عدوي صديقي قد انتهى في وقتنا الحاضر، ليحل محله مبدأ عدو عدوي عدوي, وهو التفسير للمواقف المتناقضة والجبهات المختلفة لقتال العدو الخطير "داعش"، فإن كان "داعش" عدوا لاحد الأطراف، فمن المفترض ان يكون صديقا للطرف الاخر، ولكن يبدو ان كافة الاطراف المختلفة بالمواقف والاهداف، اتفقت على ان تستخدم قتال داعش طريقا لتحقيق استراتيجياتها في الشرق الاوسط.
تتناقض تصريحات ومواقف الدول، وتتشكل تحالفات جديدة كل يوم دون التنسيق مع التحالف السابق، في ليلة وضحاها يتم اعلان تحالف دولي مكون من ٣٤ دولة، دون وجود مؤتمرات تحضيرية او اعلان مسبق لهذا التحالف، عصا سحرية شكلت التحالف الذي يحيطه الغموض المطبق وهو متهم بالعنصرية، وغير واضح المعالم حتى بالنسبة للدول التي ذكرت على انها جزء منه.
السؤال لماذا تشكل هذا التحالف وما الفرق بينه وبين التحالفات الاخرى، وماهي أهدافه، وما هي الأسباب التي دفعت كل دولة للمشاركة فيه، ومن هو العدو الذي سيتم قتاله!!
الولايات المتحدة تصرح انها ستعلن استراتيجيتها الجديدة في العراق وسوريا، روسيا تؤكد ان الاسد سيبقى في السلطة، تركيا ترسل قواتها لقتال داعش في العراق!! ويقول السيناتور جون بولتون وهو من المحافظين الجدد في مقال له نشر في نيويورك تايمز "ان دولة العراق وسورية التي كنّا نعرفها انتهت، وسيتم اعادة ترسيمها الى عدد من الدويلات من بينها دولة سنية تكون بديلا عن الدولة الاسلامية، يسيطر عليها حزب البعث..!".
ماذا يجري؟ من اتفق مع من؟ وماذا كان مقابل هذا الاتفاق؟ وأين ارادة الشعب في العراق وسوريا من كل ذلك؟
ربما نجد مفتاح هذا التشابك وجواب التساؤلات السابقة في تحليل دقيق للأحداث السياسية التي شهدتها المنطقة مؤخراً، ومحاولة ربطها ببعضها.
استراتيجية جديدة للولايات المتحدة الاميركية، اجتماعات معلنة واُخرى غير معلنة، مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض وتشكيل لجنة مفاوضين تمثل المعارضة السورية، وزيارة مبهمة لبارزاني الى السعودية، ويليه لقاء بين بارزاني وأردوغان، وبعد كل ذلك اعلان التحالف الدولي الذي يضم ٣٤ دولة لمواجهة الاٍرهاب، وزيارات وزير الدفاع الاميركي المكوكية، وتصريحات بوتين عن شبه توافق مع اميركا على استرتيجيتها الجديدة.
تبدأ الفكرة اولا من محاولات السعودية لاعادة مكانتها التي فقدتها في اواخر حكم الملك عبدالله، حيث تسعى الدبلوماسية السعودية ومن خلال ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان، الى فرض نفسها كقائد متمكن من حلحلة التازم الحاصل في المنطقة. وبدأ الموضوع اولا باعادة ترتيب البيت الخليجي وايقاف الاجندات الخليجية المختلفة التي ظهرت في سوريا، ومن ثم البدأ بلم شمل المعارضة السورية بعد ان تشرذمت بسبب التدخلات الخارجية المختلفة من قطر، تركيا، الإمارات، والسعودية طبعا. ولم الشمل هذا يبدأ اولا بتوحيد الاجندات المختلفة في سوريا، وإعادة تشكيل المعارضة السورية وفق المعايير التي اعلنتها الولايات المتحدة للمعارضة المعتدلة التي تضم كافة الاطياف. المهمة لم تكن سهلة ولكن بدأ لم الشمل اولا باقصاء قطر والإمارات من التعامل المباشر مع المعارضة السورية، وفرض اجندة السعودية على الجميع، الا ان المشكلة لم تنته حيث أن هناك ايضا اجندة تركيا التي كادت ان تصبح المرجعية الاولى للمعارضة السورية، ولكن لا شيء يصعب على السعودية التي بدأت عهدا جديدا بعد حكم الملك سلمان "ولي ولي العهد" الذي اجتهد في اعادة الثقة المتبادلة بين السعودية والولايات المتحدة بعد ان اصابها شرخ كبير خلال الفترة الماضية، ومن ثم وضع الاستراتيجية الجديدة لتعود السعودية كرأس للعالم السني وإجهاض خطة تركيا التي كادت ان تسحب البساط من تحت السعودية. وبعد هذه العملية الجراحية الكبرى والتي تخللتها أزمات عدة، استعادت السعودية في النهاية السيطرة على الساحة "السنية".
خطة لم شمل المعارضة السورية كانت دقيقة للغاية، حيث تم رسم النموذج الجديد للمعارضة، ومن ثم وقع استدعاء الفصائل حسب النموذج الذي يجب ان يكون مقبولا اولا من قبل الولايات المتحدة، وبعدها من قبل الدول التي يفترض انها ستكون ضمن المعادلة المبيتة. نموذج "المعارضة السورية الجديدة" يجب ان يجمع ايضا كافة اطياف الشعب السوري: آشوريين، ارمن، وعلمانيين الذين اصبحو أقلية، ويتضمن قوة قتالية على الارض متمثلة في "الجيش الحر"، على ان تستبعد منه الفصائل المتطرفة او غير المرغوب بها مثل الاخوان الذين غرقوا في اجندة تركيا دون مقابل غير العقيدة المشتركة. والخطوة الاخيرة هي جمعهم وتشكيل لجنة مفاوضين، وسحب مقرها الى الرياض لضمان خضوعها التام.
بعد لم شمل المعارضة السورية، كان لابد من إيجاد ممثل لسنة العراق يشارك كلاعب اساسي في المعادلة، بعيدا عن الانقسامات التي اصابتهم، بسبب سياسة التفرقة التي اتبعها المالكي ضدهم خلال فترة حكمه. ولم تكن هذه العملية بالتعقيد الذي كان في سوريا، إنما اعتمدت على جمع الخاسرين والمقصيين وإعطائهم الفرصة التي يحلمون بها، ولكن الصعوبة كانت في تشكيل قوة قتالية على الارض، فجاءت فكرة الاستعانة بتركيا التي تبحث عن اي دور حتى لو كان بسيطا في المعادلة الجديدة.
هكذا أدت السعودية مهمتها الاساسية بجمع أطراف السنة، وبقي ان تبحث عن مساندة من أطراف قوية تعتبر أساسية في معادلة العراق وسورية مثل "الكرد" الذين انهار تحالفهم مع الشيعة بشكل عام ومع حزب الدعوة بشكل خاص، بسبب سياسات نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، ويضاف الى ذلك تطلعات الأكراد للحصول على دولة كردية مستقلة، او على الاقل حصول إقليمهم على صلاحيات تشبه صلاحيات الدولة المستقلة للخروج من سيطرة حكومة بغداد. فكان اجتماع رئيس الإقليم مسعود بارزاني في الرياض مع الملك سلمان كبروتوكول، ومع "ولي ولي العهد" الامير محمد بن سلمان الذي يفترض انه وضع نقاط الاتفاق الاساسية، للحصول على دعم ومساندة بارزاني لسنة العراق، ويفترض قيام بارزاني بتنسيق وترتيب البيت الكردي على أساس هذا الاتفاق.
هكذا تجمعت كافة الأطراف الرئيسية في الاستراتيجية الجديدة، ومن ثم تم اعلان تحالف الرياض لقتال الاٍرهاب، والذي لم يكن سوى جمع آراء دولية متوحدة شكلا وليس مضمونا، حيث تم وضع مصالح جميع من ذكر في التحالف بسلة واحدة، وكل طرف يجد ضالته في هذا التحالف الذي لم يحدد العدو بشكل واضح وبإمكان اضافة وحذف اي فئة لارضاء المتحالفين.
وبعد ذلك جاء خطاب اوباما الذي أعلن فيه استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في العراق وسوريا، وأقل ما يقال عنه انه كان مبهما وغير واضح المعالم، لان الاستراتيجية المذكورة لا تعتمد على سلطة الحزب الديمقراطي الذي اثبت فشله خلال الولايتين السابقتين، إنما تعتمد على شخصيات من المحافظين الجدد وبعض صقور الحزب الجمهوري المتغلغلين في وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (CIA) والبنتاغون، وعلى هذا الأساس بدأت زيارة وزير الدفاع الامريكي آشتون كارتر للرياض ومنها الى بغداد ومن ثم الى اربيل، لتوضيح مفاصل العمل للشركاء، وعلى اساس ذلك تم تقديم استرتيجية اميركا لحل الازمة السورية الى مجلس الامن.
ولكن ما هو مضمون هذه الاستراتيجة؟ وماذا يريد اطرافها من كل هذا التجمع والتحالف؟ وكيف سيتم تنفيذها؟
من المؤكد ان اي استراتيجية تتكون من خط رئيسي ومجموعة من الخطوط الفرعية تتغير بحسب التغيرات التي تحدث على الارض، وهذه الاستراتيجية خطها الرئيسي، طبعا كأساس معلن، هو إنهاء داعش وحماية العرب السنة من المد "الشيعي الإيراني" بأقل خسائر ممكنة. فشل خطة إسقاط بشار الأسد، اثر دخول روسيا "بوتين" الى المعادلة بقوة، افسد مشروع اعادة رسم سوريا كاملة، لذا ذهبت الاستراتيجية الجديدة الى رسم سوريا باستثناء مناطق تواجد العلويين ومؤيدي الأسد في الساحل، ما يعني ان هذه الاستراتيجية تستهدف سنة سوريا يُضاف اليها سنة العراق بعد سقوط معظم مناطق تواجدهم بيد داعش.
وتقوم الخطة الجديدة على فرضيتين، الاولى تعتمد على مدى قدرة الولايات المتحدة على اخراج تيار من شيعة العراق خارج العباءة الايرانية، وهذا يفسر الصراع الحالي بين جبهة المالكي مسنودا من ايران من جهة، وجبهة العبادي مسنودا من المرجعية من جهة اخرى. تأمل الولايات المتحدة ان يتمكن العبادي او جبهته من اخراج شيعة العراق من معادلة ايران، بمقابل احتضان العراق من قبل الدول العربية وخاصة الخليجية، في مقدمتها السعودية التي لن تبخل على العراق بالدعم اللازم لقتال داعش والخروج من الأزمة المالية التي يمر بها. وبهذه الفرضية سيتم تحويل العراق الى فيدرالية مكونة من أربعة اقاليم: اقليم كردستان، اقليم للشيعة، اقليم للسنة واقليم العاصمة التي ستحيد، وسيكون لكل اقليم صلاحيات تشبه صلاحيات الدولة، ويجتمعون في اقليم العاصمة باسم العراق.
اما الفرضية الثانية اذا ما فشلت الولايات المتحدة، وهنا اعني "الرئيس القادم والذي على الأغلب لن يكون من الديمقراطيين"، في تحييد تيار من شيعة العراق، ستذهب الاستراتيجية الى تقسيم العراق وسوريا الى ثلاث او اربع دويلات: دولة العلويين بقيادة آل الأسد والتي ستكون في دمشق ومناطق الساحل، ما يضمن تواجد الروس بأسطولهم في البحر المتوسط، وبالتالي مباركة بوتين للخطة.
ودولة للأكراد تجمع كرد العراق وكرد سوريا، حيث تعمل أميركا على خلق تفاهمات مع جناح حزب العمال الكردستاني في سوريا "PYD"، للحصول على مباركة تركيا التي ستعتبر هذه الدويلة الكردية حديقتها الخلفية.
ودولة لسنة العراق وسوريا تمتد من الموصل وحلب وصولا الى أطراف دمشق وبغداد، وستعاني هذه الدولة من صراعات وقتال لفترة طويلة حتى يتم تصفية داعش وتسليم مناطقهم الحالية الى بقايا قيادات حزب البعث وقيادات سياسية من العشائر السنية في الموصل والانبار. ويتوقع ان تكون الغلبة في ادارة الدولة السنية للبعثيين الذين ستقع على عاتقهم مهمة نخر داعش من الداخل من خلال قياداتهم المنخرطة في هذا التنظيم. ويتوقع ان تعاني دولة السنة من صراعات وحروب لفترة طويلة، حتى يتم تصفية كافة الجماعات المسلحة او دمجها في كيانات سياسية، وذلك بدعم مستمر من السعودية والخليج، وتجري التفاهمات مع الكرد في العراق وكذلك سوريا لابقاء ما يقارب ٢١ بئرا نفطيا لدولة السنة لتكون اساسها الاقتصادي وتمكنها من الوقوف على اقدامها حتى لو بعد حين.
اما دولة شيعة العراق المرتقبة، فستكون جغرافيتها اكثر من نصف جغرافية العراق الحالي، ويتوقع استمرار أزماتها الاقتصادية والسياسية، ما سيتسبب بانهيار التيار الوسطي، وخروج تيار يدعو الى تشكيل النظام السياسي على نموذج الجمهورية الاسلامية في ايران، بدعم ومساندة من ايران التي ستعتبر هذه الدولة امتدادها في المنطقة.
هذا هو السيناريو المتوقع، ويبقى تطبيقه بحسب التغيرات على الارض.
خاص بـ "واي نيوز"