مترجم: القيصر ضد السلطان – الأسباب الحقيقية للصراع الروسي التركي

آخر تحديث 2015-12-26 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

يرى بوتين وأردوغان نفسيهما كوريثين لإمبراطوريتين عظيمتين، ولكن مجرد استعراض الطائرات المقاتلة، وتبادل الحديث الخشن لا يُمكن أن يُخفي تدهور هاتين الإمبراطوريتين.

تاريخ الصراع الروسي التركي

قبل أن تكون شبه جزيرة القرم روسية أو أوكرانية او حتى سوفيتية كانت تركية. حسناً، للدقة كانت عثمانية. وكما احتلت روسيا القرم مؤخراً عام 2014 كانت قد احتلتها من قبل منذ فترة طويلة، عام 1783 على وجه الدقة. كان هذا بعد حرب استمرت لمدة لستة أعوام مع الأتراك، وقامت البحرية الروسية فيها بسحق البحرية العثمانية. وانتهى هذا الصراع بمعاهدة كيتشوك كاينارجي، والتي تم توقيعها عام 1774.

يرى الكثير من المؤرخين بأن تلك المعاهدة كانت أول خطوات الانهيار الطويل والبطيء جداً للإمبراطورية العثمانية. كانت تلك هي أول مرة على الإطلاق تخسر فيها الدولة العثمانية أراضي مسلمة أمام قوة مسيحية، وحدث هذا حين خسرت القرم إثر تلك المعاهدة. (عارض تتار القرم – المسلمون – بشدة استيلاء روسيا على شبه الجزيرة مؤخراً، حيث كان أسلافهم من رعايا الدولة العثمانية الذين تخلت عنهم بعد المعاهدة، وقد وقعوا مرة أخرى أمام الروس، والذين ضيقوا عليهم بدورهم) وكما كتب برنارد لويس عن هذه المعركة والاتفاقية بعد ما يقارب 200 عام: “كانت بمثابة نقطة التحول في العلاقات بين أوروبا والشرق الأوسط.”

بالطبع لم تكن هذه هي آخر مرة يتصادم فيها الروس مع الأتراك. فخلال القرنين الذين أعقبوا المعاهدة تصادموا مرات عديدة، وتوغلت الإمبراطورية الروسية أكثر وأكثر في قلب أراضي الإمبراطورية العثمانية: البلقان والقوقاز والبحر الأسود والدندريل.

وقد كتب أحد صغار الضباط الروس عن تجربته في قتال الأتراك والفرنسيين والإنجليز في القرم، عام 1854، في كتاب بعنوان: “قصص سيفاستوبول”، وكان هذا هو العمل الثاني للشاب ليو تولستوي.

ما سبق يُفسر لنا ما حدث بالأمس القريب، عندما تصادم الروس والأتراك حول ما كان، أين ومتى؟ في الأجواء فوق بقعة صغيرة من الأرض. وأن هذا ليس بالجديد على هاتين الإمبراطوريتين السابقتين.

روسيا وتركيا والإرث الإمبراطوري

هذا هو ما يُشكل هويتهم. فكلٌ من تركيا وروسيا تمتلك قلب وروح ونفسية إمبراطورية ضخمة متعددة الأعراق، تلك القلوب لا تزال تنبض بداخل الصدور المحرومة من أطرافها التي قُطعت عنها، وماتزال تلك الإمبراطوريات تشتاق وتسعى لضم تلك الأطراف مرة أخرى. تتواجد كلتاهما الآن، وقد تقلصت قوتهما إلى حد كبير، وأصبحتا مجرد قوى إقليمية تتصارع لتُعيد تأثيرها مرة أخرى بما يتناسب مع تاريخها كإمبراطورية. وفي سبيلهم لفعل ذلك يُعيدون مواقفهم القديمة كأنها ذاكرة خاصة.

الحادثة في الإعلام الروسي

ويمكننا أن نرى هذا الأمر فيما كتب المدون البارز المؤيد للكرملين ماكسيم كونونينكو “عندما تسافر إلى تركيا، هل تثق ولو بتركي واحد؟”، وأضاف: ” ونفس الأمر مع كل من يتحدثون باسم تركيا اليوم. كلهم أتراك ولا يمكنك أن تثق بهم.”

وصف بعض الروس إسقاط الطائرة بعبارات ضخمة فقالوا: “هذه أول مرة -على الإطلاق-يحدث اشتباك عسكري حقيقي بين روسيا والناتو” كما كتب موقع Slon.ru. وعلى العكس، صورت الرواية الرسمية الروسية الأمر بخلاف ذلك، ووصفوه بأنه صراع بين روسيا وبين الأتراك المتهورين سريعي الغضب. وخُصصت ليلتها جميع وسائل الإعلام هناك لتغطية الحادث فقط، وعملت على تضخيم خبر أن واشنطن وأوروبا وحتى الناتو قضوا طوال يوم الثلاثاء في معاتبة تركيا، ومحاولة تهدئة الأوضاع وتجنب فكرة أن توغلا إقليميا واحدا قامت به طائرة واحدة من الممكن أن يؤدي لصراع أكبر.

وإن دل هذا على أي شيء فإنما يدل على أن الناتو وأوروبا كانوا الأشخاص الصالحين في هذا التفسير للأحداث. وهي أول مرة في التاريخ الحديث. لماذا؟ لأن تركيا -وهي الشرير في هذه الرؤية للقصة-تحاول إفشال تحالف كبير وتاريخي في الحرب ضد على الإرهاب، والذي تُمثل روسيا أهم محاوره.

كما أدت التهدئة التي قادتها القوى الغربية لأن تقول وسائل الإعلام هناك بأن هذا التدخل كان واجباً حتى لا يضر هذا الصدام الحرب على الإرهاب بشكل عام، وعلى داعش بشكل خاص.” هذا هو لب الموضوع، فروسيا ترى نفسها تقوم بالدور الضروري لحماية العالم المتحضر ضد تهديد الإرهاب، وهو الأمر الذي يُفيد فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بنفس القدر الذي يفيد روسيا. (ولم يُذكر في التقارير أنه لا يُفيد تركيا أو أنها حكومة متعاطفة مع الإسلاميين) ويُشبه هذا الدور الذي ترسمه وسائل الإعلام الروسية لروسيا، الصورة التي رسموها عن دورهم في الحرب العالمية الثانية، وخاصة مؤخراً. فهم يرون أن روسيا حاربت الخطر الفاشي لمصلحة الغرب ناكر الجميل، والذي كان ليغرق لولا مساعدة موسكو.

العداء الغربي الروسي

ولهذا السبب خلف الدعاية والمناورات الجيوسياسية الساخرة، ترى موسكو الانتقادات الغربية تجاه دورها في سوريا مُحبطا للغاية، بل مهينا أيضا. بالنسبة لروسيا فهذه الدعاوي قديمة قدم التاريخ. فهي ترى فيما يحدث مجهود قرون لمنع الطموحات التوسعية الروسية في كل وقت ممكن بدون سبب واضح، لدرجة الاصطفاف مع العثمانيين المسلمين ضد الحكم المسيحي في منتصف القرن التاسع عشر. ومما يثير حنق روسيا أكثر أن هذا التدخل الغربي المستمر عطل التوسعات الإمبريالية الروسية كثيراً.

وفي نفس الوقت، فلطالما نظرت روسيا للأتراك كمنطقة عازلة جيدة أمام التوسعات الغربية. ” إن كنا سمحنا للحكومة التركية بالاستمرار في التواجد في أوروبا -في ظل تأثير تفوقنا السائد-فلأن ذلك يناسبنا أكثر من أي بديل أخر، من الذين من الممكن ان ينهضوا على أنقاضها” كما كتب كارل نيسيلرود وزير خارجية الإمبراطورية الروسية عام 1830. هل يبدو هذا مألوفاً؟ الرغبة في الحفاظ على الاستقرار للقوى المكروهة المجاورة، حتى مع تآكل أطراف روسيا البعيدة، قديم ومحفور عميقاً في نفسية الدولة الروسية. هذه القوى موجودة بشكل أو بآخر كمرايا ترى فيها روسيا نفسها كإمبراطورية قوية.

القيصر والسلطان – صراع متجدد

ذكرتُ كل هذه الأحداث والمواضيع التاريخية؛ لأن الصراع الدائر حول الطائرة الروسية والأجواء التركية -تبعاً لمصادري في الحكومة الأمريكية أنها كانت بالفعل في الأجواء التركية-ليس حول الطائرة نفسها، أو الأجواء، ولا الدولة الإسلامية، ولا حتى الناتو. كل ما يدور هو حول الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية، واللتين لا تزالان تتفككان بعنف حتى اليوم، حتى بعد مرور عقود طويلة من بعد لحظة إعلان انتهائهم رسمياً من الوجود. انظر إلى أوكرانيا ومولدوفا، انظر لسوريا والعراق. هذه هي تبعات احتضار الإمبراطورية، الذيول الطويلة من إرثهم، اهتزازاتهم الأخيرة، بينما يحاول العالم تسهيل هذه الاهتزازات الانتقالية.

كما يتعلق الأمر كذلك برجلين، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان،واللذين – بدون سخرية – يريان نفسيهما كوريثين لعروش هاتين الإمبراطوريتين البائدتين منذ زمن. واللذين بدورهم، أحيوا هاتين الإمبراطوريتين في أذهان أتباعهم، ويلوحون دائماً أمام أعينهم بصور مجسمة من عظمة الماضي. فلا مفاجأة هنا في أن يزيد عدد اللاعبين في الصراع السوري. فهذا هو الوميض الأول لما يمكن أن يحدث بين رجلين يشعران تماماً بأن تلك البلاد هي مجرد ولايات تابعة لإمبراطوراتهم.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».