ايت احمد: يستعد اهالي قرية آيت أحمد في منطقة القبائل جنوب العاصمة الجزائرية لاستقبال جثمان حسين آيت أحمد، أحد رجالات استقلال الجزائر والمعارض البارز، لدفنه بعد اسبوع في القرية التي أسسها جده الشيخ الصوفي والشاعر مهند الحسين.
لم يعش هذا المعارض الجزائري كثيرا في آيت أحمد، وهي قرية صغيرة تحمل اسم العائلة وتقع على بعد 160 كيلومترا إلى جنوب شرق العاصمة الجرائرية، على سفح واد ضيق محاط بالتلال.
على أحد المنعطفات، تظهر قبة ضريح مؤسس القرية الشيخ مهند الحسين الذي لا يزال يحظى بتقدير كبير بعد أكثر من قرن على وفاته في العام 1901. ويشكل الضريح حيث دفن مع شقيقته مزارا يعج دواما بالوافدين.
يعرف الشيخ مهند في منطقة القبائل، بالـ"أموسناو" أو الفيلسوف الحكيم باللغة البربرية، والذي اشتهر بحكمته ومعرفته في كامل المنطقة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعرف خصوصا بقوله إن "البساطة اقوى من الدهاء".
ومنه، "ورث حسين المعرفة والثبات على المبادئ"، بحسب ما يقول بوسعد أحد أفراد العائلة الذي كان يتلقى التعازي الجمعة مع وصول المئات إلى القرية قبل أسبوع من الدفن.
وأضاف من دون أن تفارق الابتسامة وجهه أمام المعزين من كل الأعمار والمستويات الاجتماعية "كل الجزائر خسرت حسين، وليس عائلته فقط".
يقول الكاتب مولود معمري إن الشيخ مهند الحسين جعل من القرية في حياته موئلا للسلام والوئاام.
وأضاف أنه كان يستقبل "جميع أفراد المجتمع القبلي، كبارا وصغار، من الزعيم إلى قطاع الطرق".
ولد آيت احمد في منطقة القبائل الجبلية شرق الجزائر وعرف في حياته المنفى والسجن. انتسب في سن 17 عاما الى حزب الشعب الجزائري بقيادة مصالي الحاج ودعا منذ 1948 الى الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي.
وكان القائد الاول للمنظمة شبه العسكرية والسرية التي انبثق عنها جيش التحرير الوطني في 1954.
على الاثر حكم عليه غيابيا فغادر الى القاهرة في 1951 ثم انضم الى جبهة التحرير الوطنية وشارك في اعلان حرب الاستقلال في الاول من تشرين الثاني/نوفبر 1954.
وتقول إحدى مسنات العائلة إن آيت أحمد غادر القرية حين كان "فتى" للدراسة في العاصمة الجزائر. وأضافت أنه كان يبلغ من العمر حينها 14 عاما.
وفي تشرين الاول/اكتوبر 1956 اوقفته السلطات الاستعمارية الفرنسية بعد اعتراضها طائرة كانت متجهة الى المغرب.
-سليل مناضلة جزائرية-
يقول بوسعد بفخر "نحن سليلو أسرة مقاومة" تعود إلى لالة فاطمة نسومر احدى وجوه المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي.
يلقبها الناس والصحافة بجان دارك الجزائر، إذ قادت المقاومة ضد قوات الماريشال جاك راندون الذي قاد الغزو الفرنسي على رأس جيش قوامه 35 ألف رجل.
ولدت لالة فاطمة والشيخ مهند في عائلة مرابطة في ورجة، وهي قرية أخرى في المنطقة، غادرها الشيخ الصوفي لتأسيس آيت أحمد.
في هذه القرية، أسس حسين آيت أحمد جبهة القوى الاشتراكية في العام 1963.
تقول سيدة مسنة من العائلة إن "جنود الرئيس أحمد بن بلة أوقفوا جميع أبناء إخوته".
واوقف هو نفسه في العام 1964 وحكم عليه بالاعدام ثم اعفي عنه. هرب في نيسان/ابريل 1966 واستقر في لوزان.
عاد في 1989 الى الجزائر في نهاية حكم الحزب الواحد الذي تلاه ما يعرف باسم "الربيع الديموقراطي" وشارك حزبه في انتخابات الولايات في 1990 ومن ثم في الانتخابات النيابية في 1991 والتي فازت فيها جبهة الانقاذ الاسلامية. الغت الحكومة نتائج الانتخابية لقطع الطريق على قيام جمهورية اسلامية في الجزائر.
هاجم آيت احمد القرار حينها باعتباره "انقلابا" وطالب بمواصلة العملية الانتخابية فاتهم بالدفاع عن الاسلاميين.
في تموز/يوليو 1992 اتجه مجددا الى المنفى بعد اسابيع من اغتيال رفيق دربه الرئيس محمد بوضياف الذي عاد الى الجزائر من منفاه المغربي.
وفي 1995 وابان الحرب الاهلية وقع اتفاق سانت ايجيديو في روما مع احزاب جزائرية بينها جبهة الانقاذ الاسلامية المنحلة لمطالبة الحكومة ببدء مفاوضات لانهاء الحرب الاهلية التي اوقعت 200 الف قتيل.
وفي 1999 ترشح للرئاسة لكنه انسحب ابان الحملة الانتخابية معتبرا ان الانتخابات مضمونة لمرشح النظام عبد العزيز بوتفليقة.
وأشاد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الخميس بالمعارض البارز حسين آيت احمد الذي توفي الاربعاء، معتبرا انه "قامة تاريخية بابعاد انسانية وسياسية" ومعلنا الحداد الوطني عليه لثمانية ايام.
وأعلن بوتفليقة الحداد الوطني لثمانية ايام غداة وفاة آخر القادة التسعة الذين اطلقوا الثورة الجزائرية.
تشير امرأة أتت من قرية مجاورة "لدي شعور بأننا نحضر لاحتفال كبير وليس لجنازة. إنه لمن دواعي سروري أن أستقبل في هذا الركن المقدس قائدا ساهم في كتابة تاريخ بلاده".
سيوارى جثمان حسين آيت أحمد الثرى بين أشجار الزيتون ويتوقع حضور عشرات الالاف لتوديعه الجمعة المقبل وفق ما اعلنت جبهة القوى الاشتراكية.