بسم الله والصلاة والسلام على من بعث إلينا النور والهدى وأُرسل إلينا بطلب العلم والكفاح ليُخرجنا من ظلام الجهل والعبودية إلى نعمة الحرية ويفك قيود أصنام آبائنا وأجدادنا ليحيلها إلى طريق ممهد سالك نسير إليه لنصل إلى الغاية الأعظم وهي جنة الخلد.
استكمالاً وليس أما بعد؛ فهذا هو صُلب الموضوع ولم تكن مقدمة من المعتاد سماعها؛ فهذه ليست خطبة جمعة من إمام الأوقاف الموظف الذي يصعد المنبر ليلق بالكلام وينزل كما هو، وليست حصة تربية دينية لمدرس يجلس وسط تلاميذه، في الآونة الأخيرة تردد أمامي أكثر من مرة، هل ترى أن الإسلام انتشر وفتح في كل هذه الدول بالدعوة والكلمة الطيبة فقط؟ أم أنه من المؤكد انتشر بالسيف وبقتل أعداء الله والإسلام الكفار المنتشرين في البلاد التي تم غزوها من المسلمين؟ ومع الأسف مازلنا نطلق عليهم بلاد الكفار والظلام رغم أنهم تقريبًا وصلوا إلى أعلى مراحل النور الدنيوي المادي الذي يرغبون فيه، أما نحن لا نصل إلى هذا النور الدنيوي ولا نضمن حتى أن نصل النور الآخري، مع الشهداء والصديقين والصالحين.
فعندما كان يتردد السؤال أمامي أجاوب بكل حماسة دون تفكير: لا طبعا الإسلام انتشر بالكلمة الطبية الحسنة هذا ما تربينا عليه في المدرسة وفي البيت دومًا كانوا ينتظرون رأس السنة الهجرية ويبدأ في عرض الأفلام الإسلامية العظيمة التي توضح لك مدى عظمة الإسلام وتسامحه، وتجلس أمام دعاة الإسلام الوسطي الجميل يردد لك ويؤكد أن الإسلام دين محبة ودين سلام، مستحيل يكون يعرف القتل، هكذا استنبطنا إجابتنا بكل حماسة، وقولنا الإسلام دين تسامح انتشر بالكلمة، تجلس وتستمع إلى دعاة يطلق عليهم دعاة متعصبين بعض الشيء يؤكد لك أهمية القتال والسيف في معظم الفتوحات الإسلامية ويبرز لك معظم شهداء المسلمين العظماء، ويؤكد على فضل الجهاد عن المسلمين وأن الرسول لم يكن متسامحًا أو مفرّطـًا بدينه مثلما يظن بعض الذين يرددون أن الإسلام دين محبة وتعايش.
هكذا نجد أنفسنا أمام نموذجين واضحين كل منهما يتبنى وجهة نظر ويدافع عنها بكل وسائل الدفاعية ويقتنع أنه أفضل الصواب المطلق ولا يقتصر على هذا فقط، بالإضافة إلى أنه متيقن أن الطرف الآخر على خطأ مطلق ولا يصح له قول هذا.
أما نحن فيجب أن نسترجع ونغوص من بداية الموضوع وأساسه الفتوحات الإسلامية كيف تمت هذه الفتوحات كلها في هذا الوقت الوجيز، وما الهدف من نشر الدعوة بالفعل؟ رغبة في التسلط والإجبار فعلاً كما يردد بعضهم، أم لينقذ كافة البشر ويخرجهم من نمط حياة سائد ومكروه إلى نمط حياة مختلف وجديد عليهم لينقذ حياتهم الضالة؟ دعنا نستعرض ذلك عليك.
في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما أصبحت الدعوة إلى الإسلام في العلن وأمام الكل، وكان المسلمون بمواطن ضعف ودفعوا ضريبة إسلامهم ومستحقاتهم كاملة لم يبعث التردد والشك في أنفسنا ذرة واحدة، بل على النقيض فكان هذا العذاب يزيدهم إصرارًا وتمسكـًا بدينهم الذين خلقوا من أجله، فبعد أن بدأ الإسلام بشخص ثم اثنين ثم نفر من ستة أشخاص بدأ ينتشر ويزيد العدد والعتاد، وبعد أن مروا المسلمين بكافة مراحل الضعف والقهر والعذاب بدأوا أن يتمكنوا خطوة بخطوةِ فلم ننس جميعًا مقولة الرسول لعمار بن ياسر صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة فهذا كان وعد يقين من الرسول لعمار وآله بأن مثواهم بما صبروا الجنة
فكأن الله أراد أن يكافئ المسلمين جميعًا بما صبروا وأن يجعلهم بقوة الكفار ورأس برأس بل المسلمين أفضل درجة، لأنهم يقاتلون من أجل غاية؛ ففي أول غزوة بتاريخ الإسلام غزوة بدر يلقى المسلمين الكفار بعدد وعتاد أقل بكثير، رغم ذلك مات زعيمهم أبو جهل، ولكن كنت تجد قواعد محددة بالقتال يأمر بها الرسول المسلمين في بداية الغزوة أن يبتعدوا عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ وألا يجرّدوا الأرض والزرع، وأتذكر موقفًا جيدًا من سيرة الرسول أنه وجد شخصًا ما قلبه صالح بأحد الغزوات وفي ليلة زيجته على فراشه سمع استعداد المسلمين وخروجهم للقتال ففزغ من فراشه ليودع زوجته ويستعد للقتال وبالفعل قُتل واستشهد.
فأي قلب هذا وأي إيمان وسعي وأية غاية يسعى إليها، فعندما اشتدت قوة المسلمين وأصبح لديهم طموح أكثر في توسيع دائرة الدعوة فبدأوا بالتفكير في خارج حدود المدينة ومكة وكل هذه المناطق التي استقر بها الإسلام، فقرر الرسول قبل أن يبعث بالجيش أو القتال لفتح هذه المدينة ويدخلها في الإسلام أن يرسل إليها كتابًا يوضح به مضمون رسالته ودوره الذي أرسله الله به، وأنه خاتم النبين فإذا أردتم الإسلام فادخلوه، وإن لم ترغبوا بالإسلام فاتركوا الإسلام ينتشر بالبلاد مقابل أن تعيشوا وتأمنوا وتبقوا على دينكم لا أحد يتعرض لكم، ويخضع الجميع تحت لواء الإسلام، فهذا كان ملخص الجواب الذي يرسله الرسول إلى ملوك المدن والمناطق المجاورة.
فهناك بالفعل ملوك قبلوا ودخلوا الإسلام وملوك عاندوا وتكبروا وكان جزاؤهم أن يدخلها المسلمون حتى وإن كان تسبب ذلك في استشهاد كثير من أقطاب المسلمين مثلما حدث بالأندلس والقسطنطينية ومصر وغيرها من المدن التي دخلها الإسلام بالسيف والقتال بعد طلب الموعظة وقبول الدعوة، فهنا لم يجد أية شوائب على الرسول والإسلام حاشا لله والله فالإسلام بريء مما يردد بعضهم؛ فلم يجبر الإسلام أحدًا على اعتناقه في كل الآيات توضيح على ذلك (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (لكم دينكم ولي دين) فالإسلام لو أجبر أحدًا على الدخول بالإسلام فلم يوجد نار أو جنة ويصبح كل الوجود ينعم بالإسلام.
هكذا الحال بعدما توفي الرسول فتولى الخلافة سيدنا أبو بكر ووقف بصوت قوي يردد يا معشر المسلمين من كان منكم يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فهنا برزوا أصحاب القلوب المريضة بالضبط (ما صدّقوا) أن أتيحت الفرصة لهم بوفاة الرسول، ومن حكمة الله أن يصل رسالة بموت الرسول ليميز الله الخبيث من الطيب؛ فدخل سيدنا أبو بكر في معركة كبرى مع الردة وحروب الردة، وبكل مرة أخذ يحذرهم مما يصنعونه من فتن، وكان يريد أن يؤخر القتال لكنه بالفعل دخل في حروب الردة وانتصر عليهم.
لننتقل إلى خلافة سيدنا عمر بن الخطاب خلافة الفتوحات العظمى؛ ففي عصر سيدنا عمر صال وجال الإسلام في أزهى عصوره فلم يدخل الإسلام منطقة إلا وفتحها بفضل قوة جيشها وبأسه، فتمكنت جيوش ابن الخطاب بقيادة أعظم المسلمين عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وغيرهم كثير من فتح الشام والكوفة والبصرة وحمص ودمشق ومصر ومدن كثيرة، ولكنه أيضًا كان يحرص كما فعل الرسول أن يرسل إليهم بجواب من خليفة المسلمين ليعرفهم ما الإسلام وما يريده الإسلام منهم وماذا عليهم أن يفعوا ويطمئنهم من استمرارهم في دينهم، أما عن سيدنا عثمان ليضرب أقوى مثال عن تسامح الإسلام وعظمته وحرصه على عدم هدر وإراقة دماء المسلمين، فالأمر تلك المرة مختلف، مسلمون يحاربون مسلمين ولكنه ينقذ وينهي الموقف ويختار أن يستشهد بداره وسط أولاده منفذًا لرؤية الحبيب، خيرًا من أن يراق الكثير من الدماء بسبب استمراره بالحكم.
هكذا تعلمنا من جميع المراحل الإسلامية التي مررنا بها ومن أعظم قادة الإسلام الذين اهتموا بشأن الإسلام وضحوا بأنفسهم وأموالهم وذويهم من أجل نشر الإسلام؛ فكل هذا تعلمناه منهم فلولا الكلمة والدعوة والحُجة القوية التي يحتويها الإسلام لم يسلم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وهما في عز قوتهم وجأشهم ضد الإسلام، فالحمد لله الذي أعز الإسلام بعمر وحمزة، وهكذا أيضًا فلولا وجود العقيدة والحكمة والسيف كوسيلة تقف بها وترد على عدوان الظالمين الحاجزين لدعوة الحق؛ فقد كتب الله القتال وهو كره على المسلمين، ولكنه واجب، وفرض الله الجهاد ليدافع عن الحق فصعب أن تجد الآن من يجمع بين الحجُة القوية والبرهان المادي المنطقي وبين السيف كوسيلة للدفاع وليس للتنفيذ.
ونسأل الله أن يهدينا ويهديكم خير السبيل وأن يبلغنا من أمرنا رشدًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست