يعد التدخين من أبرز مشاكل العصر، حيث يتسبب وباء التبغ في مقتل ما يقارب 6 ملايين شخص كل عام. ونجد أن المدخنين في صراع دائم في محاولات عديدة منهم للإقلاع عن هذه العادة السيئة، باستعمال طرق متنوعة كعلك النيكوتين واللقاحات ضد التدخين. وحتى اللحظة الراهنة لا توجد طريقة فعالة قد تساعد على التخلص من هذه الآفة المدمرة، ولكن مع تطور العلوم والأبحاث قد تتغير المعطيات قريبا.
في ظل تواصل الأبحاث فيما يتعلق بخطر التدخين تمكن فريق من الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية من اكتشاف إنزيم بكتيري قادر على التهام النيكوتين من الدم. وفي تصريح لأحد الصحف، قال كبير الباحثين “كيم جاندا” وهو عالم أحياء كيميائي في معهد “سكريبس” للأبحاث أنّ “البكتيريا مثل الباك مان، تسير جانبا إلى جنب وتلتهم النيكوتين”.
يعد الهدف الرئيسي جراء هذه الأبحاث في تحويل هذا الإنزيم إلى مركب دوائي، قادر على التهام النيكوتين من جسم المدخن قبل وصول هذا الأخير إلى الدماغ، وتحقيق ذلك الإدمان المرتبط بالشعور بالسعادة لدى المدخنين.
ومع أنه حتى الآن لم يتم تجربة هذا الإنزيم المسمى ب NicA2 إلا على الفئران، إلا أنّ الأبحاث ما زالت مستمرة في سعي متواصل لاختبار إمكانية استعماله كدواء. فقد أكد “جاندا” قائلا:” إنّ أبحاثنا ما زالت في مرحلة مبكرة في عملية تطوير الدواء، ولكن الدراسة تظهر لنا أن الإنزيم يحمل الخصائص المناسبة ليصبح في نهاية المطاف علاجا فعالا”.
إنّ اكتشاف الNicA2 لم يكن وليد اللحظة فقد أمضى “جاندا” وفريقه الثلاثين سنة الماضية في محاولات مستمرة لابتكار إنزيم اصطناعي، قادر على تدمير النيكوتين في الجسم. ومع ذلك فإن تصنيعه في المختبر أثبت أنه أكثر صعوبة مما كان متوقعا. ومع استمرار الأبحاث تبين أن هذا الإنزيم موجود بالفعل في الطبيعة، لدى إحدى أنواع البكتيريا التي تعيش داخل التربة في حقول التبغ، وتسمى”Pseudomonas putida” ، حيث تقوم باستخدام النيكوتين كمصدر وحيد للكربون والنيتروجين ويساعدها على القيام بذلك الإنزيم NicA2 .
وفي محاولة لاختبار خصائص هذا الإنزيم وقدرته على القضاء على النيكوتين في الجسم، قام الباحثين أولا بدمج مصل أحد فئران التجارب مع كمية من النيكوتين، تعادل الكمية التي توفرها سيجارة واحدة. وعند إضافة NicA2 لهذا المزيج كانت النتيجة مذهلة، حيث أنّ نصف عمر النيكوتين في الدم تقلص بشكل ملحوظ من 2-3 ساعات إلى 9-15 دقيقة. كما قام الباحثين بتعريض NicA2 لدرجة حرارة تصل إلى 36,7 درجة مئوية لمدة ثلاث أسابيع، وذلك لاكتشاف ما إذا كانت هناك إفرازات لمواد سامة تحول دون استعمال هذا الأخير كدواء.
لقد أثبتت جميع التجارب نتائج مشجعة للغاية، حيث قال “سونغ شيويه” وهو طالب في مرحلة الدراسات العليا والذي شارك في البحث:” نأمل أن نتمكن من تحسين استقرار الإنزيم داخل الجسم في الدراسات المستقبلية، بحيث أن حقنة واحدة بهذه المادة قد تدوم ما يصل إلى شهر”.
تمكن فريق “جاندا” من نشر هذه الأبحاث في “The Journal of the American Chemical “Society وعلى الرغم من أن الطريق لا تزال طويلة جدا ومليئة بالمصاعب لتحويل هذا الإنزيم إلى منتج صالح للاستعمال، إلا أن فريق العمل يؤكد أن النتائج محمسة للغاية للاستمرار في العمل.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست