محمد العمرانيFollow @home?login=1450472912753
تتسارع الأحداث لحظة بلحظة، فمن كان يتصور أن تتطور أحداث الثورة المصرية بداية من 25يناير إلى اليوم، بالتوازي مع ذلك التطور يتغير الحراك، الهتافات، طريقة التواصل مع الكتل الحرجة التي كنت وما زلت أراها الكفة الراجحة لأي من طرفي الصراع.
في الأمس القريب مع بدء مظاهرات الخامس والعشرين من يناير ذهبت إلى ميدان التحرير حتى يتحقق حلم الطفولة لتحرير الأقصى تماشيًا مع العبارة الشهيرة (عشان نحرر فلسطين لازم نحرر مصر الأول) إلى أن زادت أحلامي شيئًا فشيئًا من عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية وتمثيل ديموقراطي يعبر عن الشعب المصري.
في تمام الساعة الثانية عشر بدأت الشرطة بضرب قنابل الغاز وفض الميدان، فما كان منا تلقائيًا إلى الفرار للشوارع الجانبية عند بيوت الكتل الحرجة في “السبتية ” وآخرين في أماكن مختلفة ومتفرقة كهبو النيران بهتافات مصاحبة لضيق التنفس (الشعب يريد إسقاط النظام – يا أهالينا انضموا لينا دي الحرية ليكوا ولينا)، لم يهاجمنا أحد بل تم استقالبنا بالزغاريد والتصفيق من شرفات المنازل ومنهم من انضم لنا، إلا أن مواجهات الأمن لم تتوقف عن مطاردتنا إلى ان تفرقنا وأصبحت مجموعتنا تعد على أصابع اليد.
اختلفنا حول كيفية النجاة عبر الطرق والشك في بعض الأشخاص المتعمدين تضليلنا بوصف شوارع مليئة بالكمائن، اتفقنا على فرد واحد يكون هو صاحب القرار، لا نعرف بعضنا بعضًا فكيف لنا أن نتفق على شخص يحوذ ثقة الجميع، كان من بيننا شاب نحيل يتسم بالهدوء وكان يحذرنا بدون صراخ من تلك الشوارع المصحوبة بالكمائن، كما كان ذا “لحية” كنا نحدثه بـ”الشيخ ” لأننا نجهل مسماه؛ فجلعناه “صاحب القرار ثم لقبه بعضنا بـ”الأمير”، فقادنا إلى موقع آمن أعلى “كوبري إمبابة” نرى النيل ودخان القنابل عن بعد، أرسى بيننا “الشيخ محمد” قاعدة “الشورى” التي جعلتنا نتفق على العودة للميدان بعد صلاه الفجر، ظنًا منا أن باقي الإخوة والرفقاء على نفس حالنا وسنعود سويًا، فحدثناهم واتفقنا على العودة “قبل قطع الشبكات المحمولة.”
بعد قضاء الفجر جماعة، انطلقنا عبر الشوارع إلى ميدان التحرير، أصابنا العطش والجوع الشديد، فمررنا بجانب “فرش فاكهة اليوسفي والبرتقال” وحدث شبه هجوم والأكل بسعار إلى أن صرخ الشيخ (استنوا، بتعملوا إيه؟! احنا مش حرامية!! احنا نازلين ندافع عن حقوق الغلابة مش ناكل بضايعهم( قال له أحد الثوار، والبرتقال يملأ فمه بالقشر: (يا شيخ محمد احنا جعانين وبنثور ويجوز لنا، لازم ناكل عشان نقدر نكمل)؛ فخطب الأمير وقال أتذكرون قصة “داوود” عليه السلام في ذهاب قومه لملاقاه أعدائهم ثم كانت فتنة العطش والنهر ثم ذكر قوله تعالي (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ ) فتركنا فرش الفاكهة وحاولنا إرجاعه كما كان عليه.
أشرقت الشمس ووصلنا إلى مشارف “ميدان التحرير” ولكنه أصبح “ثكنة شرطية ” ولا وجود للثوار؛ فودعنا بعضنا بعضًا على أن نلتقي في الدعوة القادمة، فكانت المفاجأة في يوم الثامن والعشرين من يناير بنزول “الكتل الحرجة” جمعة الغضب وأرجع سبب نزولها هو ذلك الهتاف صاحب التأثير الأكبر (يا أهالينا انضموا لينا دي الحرية ليكوا ولينا)، أما اليوم بعد المظاهرات التي عاقبت “مجزرة فض رابعة ” بدأ ينظر كثير منا أن تلك “الكتل الحرجة” هي شريكة فيما فعلته “السلطة العسكرية” دون رعاية لدور “الإعلام المصري” في تشوية الثورة والثوار وتغييب الوعي الجمعي للجماهير وتغييره، فأصبح الهتاف السائد لتلك “الكتل الحرجة” بدلاً من حثهم على المشاركة في التظاهرات وإشعارهم بالشراكة الوطنية كما كان في السابق بهتاف (يا أهالينا انضموا لينا دي الحرية ليكوا ولينا) فأصبح السائد هتافًا منفرًا ومعاديًا (هنجيب الكلب بتاعكم)!
جعل الثوار ذلك الشخص فرضًا عليهم ومنهم، باستفزازهم، فأصبحت التظاهرات بعد أن كانت تهدف إلى إرسال الوعي “للكتل الحرجة” أصبحت تدعهم في كفه السلطة وتهاجمهم، فتأخر حسم الثورة لصالح الثوار، وما أن يدرك الثائرون أن الأمل بعد “الله سبحانه وتعالى” في مخاطبة تلك “الكتل الحرجة” بود وبحملات توعية كإعلام بديل، عندها فقط ستنتصر الثورة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست