علاء الدين السيد
5
Follow @alaasayedabbasأعلنت المملكة العربية السعودية يوم الاثنين الماضي عن الميزانية الجديدة لعام 2016، إذ يتوقع أن يبلغ حجم الإيرادات لحوالي 513 مليار ريال في حين أن حجم المصروفات المتوقع هو 840 مليار ريال، بعجز يبلغ حوالي 327 مليار ريال، ليتضح حجم تأثير أزمة انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد السعودي.
السنوات الأخيرة
وبنظرة سريعة إلى السنوات الخمس الأخيرة يتضح لنا تزايد الاختلال في التوازن بين الإيرادات والمصروفات نتيجة اعتماد الدولة على النفط بشكل أساسي كمصدر للتمويل. فميزانية عام 2015 كان حجم العجز فيها 145 مليار ريال سعودي فقط، وبلغ حجم المصروفات 860 مليار ريال مقابل 715 مليار ريال حجماً للإيرادات.
وإذا عدنا لموازنة عام 2014 فسنلاحظ تساوي قيمة الإيرادات والمصروفات تقريبا بـ855 مليار ريال لكل منهما.
وفي عام 2013، لم يكن هناك عجز، بل كان هناك فائض في الموازنة قدر بحوالي 9 مليار ريال، إذ بلغ حجم المصروفات 820 مليار ريال مقابل إيرادات قدرت بحوالي 829 مليار ريال.
وفي عام 2012، بلغ الفائض في الميزانية حوالي 12 مليار ريال، إذ بلغ حجم المصروفات 690 مليار ريال مقابل إيرادات قدرت بحوالي 702 مليار ريال.
إجراءات تقشفية
وأعلنت الحكومة السعودية مباشرةً بعد الإعلان عن الموازنة الجديدة، عن سلسلة من الإجراءات التقشفية التي تهدف لسد عجز الموازنة. فقامت المملكة بتعديل أسعار منتجات الطاقة ورفع أسعار البنزين بنحو 60%. فبدءاً من يوم الثلاثاء الماضي أصبح البنزين 91 بسعر 0,75 ريال للتر بدلاً من 0,45 ريال، وسعر البنزين 95 أصبح 0,9 ريال بدلاً من 0,6 ريال.
أيضاً شهدت أسعار الكهرباء والمياه ارتفاعاً واضحاً سواء للقطاعات السكنية أو الحكومية أو الصناعية. كما أقر مجلس الوزراء السعودي إنشاء برنامج وطني يهدف لوضع خطة متكاملة لترشيد استهلاك منتجات الطاقة والمياه ومتابعة تنفيذها.
وقد أشار تقرير اقتصادي إلى أن نمو الاقتصاد السعودي سينخفض إلى 1,9% خلال عام 2016، بينما بلغ النمو الاقتصادي خلال عام 2015 نسبة 3,4%، وخلال عام 2014 بلغ نسبة 3,5%. التقرير توقع أيضاً أن ينمو القطاع النفطي بنسبة 0,9% إذا ما بلغ الإنتاج اليومي 10,2 مليون برميل.ومن المتوقع أيضاً أن تقل نسبة الاستثمارات في ميزانية 2016 بنسبة 19,3% لتبلغ 59 مليار دولار.
يذكر أن السعودية استخدمت احتياطها النقدي الكبير لتمويل عجز الميزانية خلال العام الحالي، لينخفض الاحتياطي النقدي لها من 732 مليار دولار نهاية عام 2014 إلى 628 مليار دولار في شهر نوفمبر الماضي.
انهيار النفط
الأرقام السابقة تدل بوضوح على احتمالية حدوث تباطؤ لابد منه في الاقتصاد السعودي خلال العام القادم على الأقل، خصوصاً وأنه ليس من المرجح أن يتعافى النفط خلال الشهور القادمة. هذا الأمر أشارت إليه وكالة الطاقة الدولية في شهر نوفمبر الماضي، عندما قالت: إن العالم يشهد وفرة في معروض النفط؛ نتيجة عدة عوامل، من بينها: الإمدادات النفطية من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
وصلت مخزونات النفط لمستوى قياسي بلغ 3 مليار برميل، وهو ما أعطى السوق العالمية قدراً كبيراً من الارتياح وساهم في استمرار انخفاض أسعار النفط بشكل غير مسبوق. وكالة الطاقة أشارت إلى استحالة تعافي سعر النفط في الأسواق العالمية خلال السنوات الخمس القادمة، مؤكدة أن الأسعار لن تتخطى عتبة الـ79 دولار بحلول عام 2020. وأكدت الطاقة أن زمن بيع برميل البترول بمبلغ يزيد عن 100 دولار، كما كان يحدث منذ 3 سنوات، قد ولى ولن يعود.
وقد أوضح خالد السويلم، مدير عام الاستثمار السابق بمؤسسة النقد العربي السعودي بأن ما تقوم به السعودية من إغراق الأسواق بالنفط بأسعار منخفضة مقارنةً بمنافسيها هي خطوة غير جيدة، ولن تحقق النتائج التي يأملها بعض المتفائلين الذين يتمنون تكرار سيناريو ثمانينات القرن الماضي، حين اتبعت المملكة نفس الاستراتيجية، حتى تمكنت من امتلاك زمام الأسواق، لتبدأ أسعار النفط في التعافي.
السويلم انتقد السعودية بأنها الآن تدفع ثمن عدم إنشاء صناديق سيادية مناسبة لإدارة الثروات والاحتياطات المالية لها على غرار ما قامت به كل من الإمارات والنرويج. كما أوضح أن الميزانية التي تم الإعلان عنها يوم الاثنين تفترض أن سعر برميل النفط يبلغ 50 دولار، لكن سعر البرميل حالياً في منتصف الثلاثينات مع توقعات بتأرجحه بين 30 – 40 دولار خلال العام الجديد.
وداعاً زمن الرفاهية
أشارت وكالة رويترز للأنباء في تقرير لها أن هذه الميزانية التقشفية للسعودية في العام الجديد من المرجح أن تسدل الستار على الرفاهية الاجتماعية في منطقة الخليج العربي نتيجة لتقليص الحكومات للمنح الكبيرة التي تنفقها على شعوبها. فبالإضافة إلى رفع أسعار الوقود والماء والكهرباء، فإن المملكة العربية السعودية ستتخذ إجراءات لتخفيض الاإنفاق الحكومي وخطة لزيادة الإيرادات من الضرائب وعبر خصخصة بعد الشركات.
بعض الدول الخليجية كانت قد بدأت تشد الحزام في فترة انخفاض أسعار النفط الماضية، لكن الميزانية السعودية الجديدة توضح ذهاب المملكة إلى ما هو أبعد من عملية شد الحزام التي تعبر عن إجراءات مؤقتة. الميزانية السعودية لعام 2016 أوضحت عمليات تغيير جوهرية ستؤثر بالتأكيد على المواطن السعودي، في أكبر خطوة تقشفية تتخذها دولة خليجية في أعقاب انخفاض أسعار النفط.
دول وإجراءات أخرى
الباحث السياسي في معهد “بيكر” بجامعة “رايس” الأمريكية، أشار إلى أن المبادرة الجريئة التي اعتمدتها المملكة ستغير من قواعد اللعبة في الخليج. فمن الواضح أن العمليات التقشفية ستمر دون ردود فعل عنيفة في السعودية، هذا الأمر سيتسبب في تعزيز الشجاعة لدى صانعي القرار الخليجيين لاتخاذ إجراءات اقتصادية مشابهة، خصوصاً مع وجود تردد واضح لدى بعض هذه الدول. وأكد أن وزارته ستقوم بعرض مقترح لترشيد الدعم على اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء بنهاية الأسبوع الجاري. هذا المقترح سيوفر للحكومة حوالي 20 مليار دولار أمريكي على مدى السنوات الثلاث القادمة.
من ناحية أخرى فإن الميزانية السعودية ستؤثر بشكل آخر على الاقتصادات الخليجية، نتيجة للروابط الوثيقة بين هذه الاقتصادات. وزارة المالية السعودية أعلنت أنها تخطط لفرض ضريبة القيمة المضافة بالتنسيق مع بعض الدول المحيطة، وهو ما سيؤثر على القدرات الشرائية للمواطنين. هذه الضريبة هي ضريبة مركبة تفرض على فارق سعر التكلفة والمبيع للسلع، فهي ضريبة تفرض على تكلفة الانتاج.
وليس دول الخليج الأخرى فحسب، بل إن خبراء اقتصاديين يتوقعون أن التغييرات في سعر الوقود للمستهلكين في السعودية ستكون هي البداية التي يتبعها عدة خطوات أخرى خلال السنوات القليلة القادمة. لأنه بمجرد أن تبدأ دولة خفض الدعم المقدم، فسيصبح من الصعب عليها مقاومة المبالغ الهائلة التي ستقوم بتوفيرها نتيجة المزيد من خفض الدعم.
في عام 2015 أنفقت المملكة العربية السعودية 107 مليار دولار على دعم الطاقة، هذا المبلغ يزيد عن إجمالي عجز الموازنة في المقدر بحوالي 98 مليار دولار.
الريال السعودي
وقد أشارت صحيفة الديلي تيلغراف البريطانية في تقرير لها أن الانخفاض القياسي في ميزانية العام 2016 نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط قد تضطر الرياض معه إلى التخلي عن ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، وإذا ما حدث هذا فإنها ستكون خطوة درامية، كما وصفها خبراء اقتصاديون سعوديون.
وكان رئيس إدارة الاحتياطات والأصول النقدية بالبنك المركزي السعودي قد حذر من احتمالات انخفاض قيمة الريال السعودي في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط وتآكل الاحتياطي النقدي للمملكة. حالياً هناك غياب خطير للثقة بالعملة السعودية طبقاً لآراء بعض المختصين، كما أن احتمالات تعويم الريال أصبحت واردة.