الكريسمس الثاني مع داعش

آخر تحديث 2015-12-31 00:00:00 - المصدر: روداو

للبرهة الاولى قد يبدو عنوان المقال محيرا للقاريء ، و قد تزول حيرة القاريء حينما يتيقن بأن لداعش ( تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام ) التأثير الاكبر على واقع المسيحيين في العراق ( بلاد ما بين النهرين ) والشام وسيظل اسم هذا التنظيم الارهابي المجرم وافعاله و تأثيراته السلبية الكبيرة مقترنا بتاريخ تواجد المسيحية في المنطقة لسنين طويلة .

عمر داعش اكثر من مئة سنة ..

ان قصة المسيحيين ( الكلدان السريان الاشوريين و الارمن ) ومعاناتهم من الفكر الاقصائي والارهابي ، ليست وليدة اليوم ، بل ان اجداد والاباء المؤسسين لفكر داعش قد اقدموا على توجيه ضربات مؤلمة للوجود المسيحي في تركيا والعراق والشام منذ بداية القرن العشرين حيث ابادوا الملايين من الارمن وقرابة المليون من الكلدان السريان الاشوريين في المذابح الدموية و عمليات التصفية العرقية و الجينوسايد الشهيرة المعروفة بسيفو سنة 1915 من قبل الدولة العثمانية الآيلة للانهيار وتلتها عمليات التطهير العرقي في سيميل سنة 1933 التي قادها الفريق الركن بكر صدقي حيث دمر اكثر من 63 قرية مسيحية واعدم الاف الرجال والنساء والاطفال وسلب اموالهم . لم تكن جراح سميل تندمل حتي تعرضت المئات من القرى المسيحية للتدمير لمناصرتها لثورة كوردستان وقائدها البارزاني الخالد ( الملا مصطفى البارزاني ) في مطلع الستينات من القرن الماضي و تلى ذلك استشهاد الاف من المسيحيين ضمن عمليات الانفال السيئة الصيت و عمليات التصفية الجماعية و الفردية التي قام بها النظام الصدامي المقبور ضد كل من عارضه و خاصة تعرض المسيحيون لحرب نفسية مقيتة تتعرض لكرامتهم بعدما لبس المقبور صدام ثوب التدين و اعلن حملته الايمانية المزعومة.

 القاعدة لم تبقي للمسيحيين قاعدة ..

بعد الاطاحة بالحكم الصدامي في بغداد في 2003 وحالة التسيب الامني التي سادت البلد بعده ، لفقت والصقت التهمة التاريخية الحاضرة دائما لمسيحيي هذا البلد ( فكما اتهم العثمانيون المسيحيين بعمالتهم للاجانب الصليبيين ) هكذا اتهمت الفصائل الارهابية المسلحة المسيحيين بعمالتهم وتبعيتهم للقوات  ( الصليبية المحتلة ) على حد وصفهم المريض وبعدها اصبح الدم المسيحي رخيصا ومباحا للجميع ، فقتل (1134 مسيحي و تعرضت 136 كنيسة للهجوم والتفجيرات والتعدي حسب احصائية جمعية حقوق الانسان العراقي في اميركا ) وخطف المئات واغتصبت عشرات النساء وقتل العديد من رجال الدين وعلى رأسهم المثلث الرحمات المطران مار بولص فرج رحو مطران الموصل للكلدان الكاثوليك و استهداف الباصات التي تقل الطلبة المسيحيين في جامعة الموصل و ارغام الطالبات المسيحيات على لبس الحجاب في مناسبات عدة ، عوضا عن الاهانة اليومية التي كان يتعرض لها المسيحيين في وسط و جنوب العراق و خاصة في الموصل وبغداد ، مما ادى الى هجرة اكثر من مليون مسيحي خلال فترة لا تزيد عن عشرة سنوات، اي ما يمثل قرابة 80% من عدد المسيحيين و نزوح الاخرين الى اقليم كوردستان حيث استقر العدد الاكبر منهم  في  مدينة عنكاوا وشقلاوا ومركز مدينة اربيل ودهوك وقرى دهوك وزاخو.

ما بدأته القاعدة ، اكملته داعش ..

ان ما تعرض له المسيحيين في وسط و جنوب العراق من قتل و تنكيل و اهانة و ارهاب بسبب التنظيمات الدينية المتعصبة و الارهابية و بسبب التقصير المفضوح و السكوت المخزي للحكومة المركزية في بغداد ، اتمته داعش في 2014 بعدما احتلت الموصل و سهل نينوى و اهانت المسيحيين و سلبت املاكهم و طردتهم من اماكن سكناهم ، و السبب الجلي لعدم تصفيتهم في الساعات الاولى لسقوط الموصل ، هو ان داعش كانت مشغولة بتصفية صراع السلطة و تصفية بعض من القيادات العسكرية العائدة لتنظيمات مسلحة متطرفة لم تنضوي حتى ذلك الوقت تحت راية داعش ، مما اتاح للمسيحيين النجاة بجلدهم .. و بجلدهم فقط ، و بعد تقوي عود داعش و سيطرتها الكاملة على الموصل  و هجومها على سهل نينوى ، القت قوات داعش  القبض على 32  مسيحيا و لم تطلق سراحهم لحد اليوم و لا زال مصيرهم مجهولا لتاريخ كتابة هذا المقال ( حسب احصائية مطرانية كنيسة السريان الكاثوليك في بخديدا ) في حين ان هنالك اكثر من 150 عائلة مسيحية مجهولة المصير في المناطق ضمن سيطرة داعش. فهجر اكثر من مائة و ثلاثون الف مسيحي و نزحوا الى اقليم كوردستان ، اي انه قرابة 90 % من المسيحيين في العراق يعيشون في اقليم كوردستان، و خلال سنة من النزوح نزحت قرابة خمسة الاف عائلة الى خارج العراق طلبا للجوء خارج البلد، فبعدما خسرت هذه العوائل محال سكناها و مصادر رزقها ، بدأت تأمل ببداية جديدة ( من الصفر ) في بلدان الشتات و المهجر، حيث ان نسبة المسيحيين في كوردستان و العراق بأكمله تكون نسبة 1% تقريبا ، في حين ان نسبة المهاجرين المسيحيين فقط في الاردن تكون اكثر من 23% من مجمل المهجرين من جميع الاديان و الطوائف حسب التصريح الذي صرح به مسؤول الكاريتاس في الاردن حيث من مجموع قرابة الخمسون الفا من المهاجرين العراقيين ، يكون المسيحيون قرابة الاثنا عشر الف مهاجر ينتظرون في الاردن اعادة توزيعهم على وجهة الهجرة النهائية من قبل الامم المتحدة .

المسيحيون يحملون السلاح ! 

ليس بخاف على المجتمع الكوردستاني و العراقي الدور النضالي السياسي و العسكري على حد سواء  الذي اضطلع به مسيحيو هذه البلاد فالشهيد فرنسو هريري و الشهيد هرمز ملك جكو و الشهيد عبد المسيح بلندر   ( سوران ) و الشهيد دلدار صليوا ( كارزان ) و الشهيد موفق كوندا ( هةزار ) و الشهيد نصير حنا توما      ( بشتيوان ) و الشهيد توفيق سيدا ( ملا عوسمان ) و الشهيد الدكتور( حبيب المالح) و الشهيد (حنا سولي) و الشهيد يوسف سلمان يوسف ( فهد ) الذي يعتبر اول شهيد يعدم لاسباب سياسية في تاريخ العراق الحديث و الشهيد ( خوشابا يوخنا شيرواني ) من قرية بيديال في بارزان الذي استشهد ضمن حملة الانفال و غيرهم من مئات البيشمركة المسيحيين الذين استشهدوا في ثورات كوردستان و الحركات السياسية في العراق ، انتهاء بأستشهاد البيشمركه المسيحي ميسلون زيتو من زاخو و الذي يعتبر اول بيشمركه يستشهد في المعارك ضد تنظيم داعش في منطقة زمار هم افضل مثال على الامكانية الحقيقة للمسيحيين في الجانب السياسي و العسكري.

اليوم هنالك اكثر من خمسة الاف مقاتل و بيشمركه مسيحي تم تدريبه من قبل وزارة البيشمركه في كوردستان للمشاركة في تحرير سهل نينوى، عوضا عن وجود قوات تابعة لفصائل كلدانية سريانية اشورية كالحركة الديمقراطية الاشورية و المجلس الشعبي و الحزب الوطني الاشوري و حزب بيث نهرين الديمقراطي و اتحاد بيث نهرين الوطني بالتنسيق مع وزارة البيشمركه لتأمين الحماية للمدن المسيحية في سهل نينوى بعد معركة التحرير.

سهل نينوى : حكم ذاتي ، ادارة ذاتية ، ام محافظة جديدة ؟ 

سهل نينوى منطقة تاريخية يقطنها ابناء الشعب الكلداني السرياني الاشوري منذ بابل و آشور ، اي قبل المسيحية ، و تحولت بعد المسيحية ، الى احد اشهر مراكز المسيحية في الشرق الاوسط حيث كانت مركزا لبطريركية كنيسة المشرق لاكثر من خمسمائة عام ! 

سهل نينوى ، الذي يكون المنطقة الجغرافية بين محافظة اربيل و الموصل بدأ من قرقوش او بخديدا مرورا بكرمليس ، برطلة ، بعشيقة ، باقوفا ، باطنايا ، تلكيف ، تللسقف ،عين سفني ، الشرفية ، القوش ، و شيخان و بوزان و منطقة دير الشيخ متي ، حيث يقطن في هذه المناطق غالبية من المسيحيين الكلدان السريان الاشوريين و الايزيديين و الشبك.
هذه المنطقة مشمولة بالمادة الدستورية 140 من الدستور العراقي و التي تدعوا الى اجراء تطبيع ثم احصاء سكاني ، ثم يتبعه استفتاء لتحديد مصير هذه المنطقة و مثيلاتها. 

اليوم و بعد اكثر من مرور عشرة اعوام على تثبيت الدستور العراقي و الاستفتاء عليه ، لم يتم مما ذكر في المادة 140 اية شيء ، فلم يجرى التطبيع و لم تزل قائمة تأثيرات السياسات التعريبية البعثية التي عاثت في ارض سهل نينوى فسادا و غيرت ديمغرافيته ، كما لم يتم الاحصاء و طبعا لم تجرى اية جهود لاقامة استفتاء لتحديد مصير سهل نينوى.
الان ، و قبل ايام من كتابة هذا المقال دعت معظم القوى الكلدانية السريانية الاشورية او المسيحية، الى الاسراع في عملية تحرير سهل نينوى و توفير حماية دولية له من خلال انشاء ( منطقة محمية دوليا ) و استحداث محافظة في سهل نينوى قائمة على اساس اداري جغرافي و اعادة اعماره و تحييده عن الصراعات بين حكومة الاقليم و الحكومة المحلية في محافظة الموصل و الحكومة المركزية، و حل الخلافات سلميا بعدالة ووفقاً للدستور ! 

شخصيا ، اعتقد ان حل عقدة الوضع في سهل نينوى ، يحتاج الى انفتاح اكثر نحو الاخوة الايزيديين و الشبك ، و اشراكهم في تقرير مصير سهل نينوى حيث هم يمثلون ما يقارب الخمسون بالمئة من سكانه ، في حين ان معظم القوى المسيحية قالت كلمتها ، لا يوجد لحد الان موقف موحد و واضح من قبل الاخوة الايزيديين و الشبك! من المهم جدا و في القريب العاجل ،عقد مؤتمر موسع لكل القوى الفاعلة و الممثلة لكل الاطياف في سهل نينوى ، لوضع خارطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد داعش في سهل نينوى و لكي لا نقع في اي اشكال مستقبلي لا سامح الله.

 الكريسمس الثاني مع داعش 

اليوم نحن نعيش الكريسمس الثاني و تنظيم داعش لا يزال يحتل اراضينا و يعيث فسادا فيها و نزيف الهجرة ينخر جسد المكونات القومية و خاصة الكلدان السريان الاشوررين او المسيحيين و الميليشيات المسلحة المنفلتة في بغداد تبتز المسيحيين و تبيع و تتاجر بأملاكهم و بيوتهم و تسرقهم في وضح النهار و تعتدي على عوائلهم ، و البرلمان العراقي يشرع قانون البطاقة الوطنية العراقية المجحف بحق المسيحيين و المكونات الدينية الغير مسلمة في العراق ! 
 اليوم ، و نحن على ابواب سنة 2016 يبقى مستقبل المسيحية في العراق مجهولا ، و لا يمكنني ان اتخيل كيف سيكون وضع المسيحيين لكريسمس ثالث في العراق في ظل وجود داعش و المليشيات و العقلية الاحادية التنظير في بغداد ؟! 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية‬‬‬