سمير البحيريFollow @samir19610
التمييز الذي يعاني منه أبناء المجتمع المصري بشكل فظ، الذي يُهدر حقوق السواد الأعظم من الشعب المصري يحتاج لتحرك من جميع المهتمين بتطبيق حد العدالة في المجتمع وإعطاء كل ذي حق حقه، فهو يتعارض مع كل مواد الدستور، لكن لا أحد يتحرك أبدًا، وما يُحزن حقيقة أن الكتاب والمثقفين الذين يعكسون ضمير الأمة هم أول من “يطرمخون” على ما يتم ارتكابه في حق البسطاء من جرم واضح وتمييز صارخ، رغم أن ثورة 25 يناير 2011 أحد أسباب اندلاعها الرئيسية التمييز وليس الفساد وحده وأبرز شعاراتها “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”.
فالتمييز يُشعر المرء بالمرارة والغبن تجاه من يمارسونه ويهدرون حقوقه، ودافع قوي لتشتعل صدور هؤلاء حقدًا على الدولة والقائمين على شؤونها، بل ومدخل سهل للتطرف وكرهها كرهًا شديدًا، وسبق أن كتبت هنا في “ساسة بوست” مقالًا تحت عنوان: “كيف يعاني المجتمع المصري من التمييز؟”، لكن ليست هناك مشكلة لتكرار الأمر ثانية في هذا المقال.
فقد جاء تعيين 400 ضابط من خريجي كليات الشرطة في دفعة النيابة العامة التي تسلمت عملها منذ شهور من بين 797 عضوًا وسميت “بدفعة النائب العام الراحل هشام بركات”، أن يتسبب في حالة من السخط داخل أوساط المجتمع المصري إلا مؤيدي النظام بالطبع والمدافعون عنه حقًا أو باطلًا محقًا أو ظالمًا، والمرتبطون بمصالحهم بما يمارسه بحق الغلابة، في الوقت الذي يجلس فيه الآلاف من أبناء البسطاء من خيرة هذا الشعب بجانب أمهاتهم من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون ينعون حظهم العاثر، وهو ما يُخل بمبدأ العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين وهم بنص الدستور أمامه سواء، مما يجعلهم دائمًا بمثابة القنبلة الجاهزة لانتزاع فتيلها في أي لحظة لتدمر كل ما يحيط بها في مجتمعها، بل الطريق السهل لانحراف هؤلاء الشباب، وبدلًا من أن يسلك طريق خدمة الوطن في مجال هو أحق أن يتبوأه، يصبح معول هدم في جدارنه بسبب ما يتعرض له من ظلم وإقصاء وتمييز.
تأصيل عملية التوريث!
وواضح لكل ذي عينين أن غياب العدالة الاجتماعية وتأصيل عملية التوريث في الوظائف المرموقة في البلد ما زالت كما هي بلا زادت عن السابق، وهي ضد مبادئ ثورة 25 يناير التي رفعت شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية، ليتم مسح كل ذلك في عهد النظام الحالي بل المجاهرة برفض ابن الفراش والزبال والخفير … إلخ بحسب قول بعضهم للتعيين في الوظائف المرموقة ولا يوارون ذلك ويتداوله الإعلام بشكل عادي دون الشعور بأدنى مسؤولية بأنه يمارس التمييز، ويدفع فئة من الشباب للانتقام من المجتمع.
رأي قوي لعلماء الاجتماع
ويقول الدكتور أحمد يونس، أستاذ الاجتماع السياسي، إن هناك خللًا في المعايير بمصر، موضحًا أنه “إذا انطبقت المعايير والشروط على مجموعة، وتم انتقاء بعضها على أساس الوضع الاجتماعي والمالي، فإن ذلك يؤثر بشكل سلبي على انتماء الباقين وعطائهم للمجتمع، حيث يصبح لدى من تم التخلي عنهم إحساس بالنقمة على المجتمع الذي يعيشون فيه، وينتظرون فرصة سانحة للانتقام، ويتحولون إلى ما يشبه السرطان في جسم المجتمع”.
وأضاف: “من السهل أن تقوم جهات معينة باستقطاب هؤلاء الشباب وتحويلهم إلى أداة لتدمير الوطن، وهناك كثيرون رحلوا عن بلادهم وتوجهوا إلى دول أخرى هربًا من الانتقائية في الاختيار، والمعايير التي تصب دومًا في مصلحة طبقات اجتماعية بعينها، وهناك البعض الذين يتم شراؤهم وتحويلهم إلى جواسيس بعدما فقدوا الاحساس بالأمان داخل وطنهم”.
وأكد يونس أن “مصر ما بعد الثورة لم تختلف كثيرًا عما كانت قبلها، وكنت أتمنى أن يتم تطبيق المطالب التي قامت الثورة من أجلها، وعلى رأسها العدالة الاجتماعية، والتي مازالت غائبة بعد سنوات من النضال السياسي، حيث ظلت المناصب القيادية حكرًا على عائلات بعينها”، أما الدكتور قدري حفني، أستاذ علم الاجتماع السياسي فيقول، إن ضابط الشرطة حاصل على ليسانس حقوق مثل طلاب كليات الحقوق والشريعة والقانون، لذا فإن من حقه التقدم بأوراقه للالتحاق بسلك النيابة العامة، ولكن في حال كان هناك من هو حاصل على مجموع أعلى فيجب النظر إليه.
وأوضح أنه هاجم كثيرًا فكرة استبعاد فئات معينة من سلك القضاء، وعارض فكرة الانتقائية واللوائح الداخلية، التي تضع ابن عامل النظافة خارج حسابات النيابة العامة، موضحًا أن أبناء العامل والنجار والصياد يلتحقون بسلك التدريس الجامعي، وبالتالي يقومون بالتدريس لطلبة حقوق الذين يصبحون يومًا ما وكلاء نيابة، مطالبا بتطبيق الدستور إذا تعارض مع اللوائح الداخلية في الجهات الحكومية، وأن تركز وسائل الإعلام جهودها على ذلك، مع تطبيق معيار الشفافية.
العلايلي مصر “عزبة خاصة”
وقال المحامي حامد العلايلي إنه لا شيء يدعو للاستغراب بعد تصريحات وزير العدل، المستشار أحمد الزند، والخاصة بالمعايير التي يتم على أساسها اختيار وكلاء النيابة، مؤكدًا أن هناك “مخالفات صريحة للدستور من أجل إرضاء البعض”، حيث ينص القانون على أنه إذا تعارض الدستور مع اللوائح الداخلية فإنه يتم تطبيق الدستور، إلا أن وزارة العدل المنوط بها تطبيق القانون هي التي تخالفه في المقام الأول، واصفً مصر بأنها تحولت إلى “عزبة خاصة للكبار”، يديرونها حسبما يترائى لهم.
وحذر العلايلي قائلًا “ثورة 25 يناير قامت في الأساس ضد تلك الطبقة التي توحشت، وأصبحت تمتلك المال والسلطة والمناصب، دون النظر إلى الملايين من أبناء الشعب، فحملة الدكتوراة يعملون مدرسين بالمدارس وبعضهم لايجد عملا، فيما يحصل أبناء الصفوة على أرفع المناصب، ولاعزاء للقانون”.
عملية التوريث والتمييز فى مصر لن تنتهي!
قد يكون الشعب المصري اختزل عملية التوريث في المخلوع مبارك ونجله قبل ثورة 25 يناير وكان رافضًا لها، لكن السؤال هل بعد اندلاع الثورة، والتشدق ليل نهار من الإعلاميين والمسؤولين أن هذا العصر انتهى؟ وهل حصل كل شاب خرج متظاهرًا في 25 يناير على حقوقه كاملة؟ بالطبع كل هذا لم يحدث بعد عودة النظام القديم في 30 يونيو مدعومًا من قطاع شعبي واسع يرتبط مباشرة بمصالح مع النظام، ولايرغبون نهائيًا في أن يحصل أبناء الغلابة على حقوقهم كاملة والتي كفلها الدستور لهم، ومازالت فكرة التوريث مدعومة بقوة من قبل المستفيدين منها وأصبحت جزءًا أصيلًا من الأنظمة المصرية، وتحتاج لسنوات ليتم التخلي عن فكرة التمييز وتأصيلها شرط أن يأتي حاكم يؤمن بحق الجميع في إدارة الوطن، بكنس كل أفكار تدعم هذا التمييز.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست