قبل أن نفكر في القيام بثورة لا بد لنا أن نعرف ما أهداف تلك الثورة وما هي نتائجها المتوقعة وهل تصب تلك النتائج في صالح الأهداف الموضوعة أم لا؟ كل هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة التي تنبثق منها لا بد من الإجابة عنها قبل دعوة الجماهير لأي حراك ثوري.
وأنا هنا في هذا المقال الذي أسعى أن أختصر فيه بقدر الإمكان أحاول – ونحن على أعتاب 25 يناير – أن أجاوب بقدر الإمكان على تلك الأسئلة والوصول إلى تحليل منطقي بعيدًا عن المزايدات والانتماءات السياسية.
أولًا: ما أهداف الثورة؟
حتى الآن لا أرى أن هناك اتفاقًا على أهداف تلك الثورة المزعومة، فللإخوان هدف واضح وهو ما يسمونه “عودة الشرعية” أي شرعية الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي جاء بعده رئيس جديد ودستور جديد وبرلمان جديد!
وأما بعض القوى الليبرالية فهم يدعون إلى الحكم المدني الذي يرفض وجود العسكر أو الإخوان في الحكم وهو ما يعني استحالة اتفاق هؤلاء على المدى البعيد حتى لو أظهروا لنا خلاف ذلك، فهم فقط يحاولون عبور المرحلة الحالية بقدر يسير من التنسيق الذي سينتهي بمجرد إسقاط النظام، هذا في حالة نجاحهم في إسقاطه.
وأيضًا لا يمكننا إغفال دور القوى المسلحة التي تدعو إلى ثورة حمراء تستخدم العنف لتحكم بما تسميه “شرع الله” وهؤلاء لا يمكن تجاهلهم فهم موجودون في المشهد وجاهزون للخروج متى سنحت لهم الفرصة لذلك.
وهناك بالطبع فصائل أخرى متعددة موجودة على الساحة المصرية ولها أهداف متفاوتة في إسقاط النظام ولكن هؤلاء الثلاثة المذكورين هم – في رأيي – الفصائل الأكثر تأثيرًا والتي تلقى قبولًا شعبيًا حتى لو كان محدودًا.
وبهذا فإنه لا يمكن تحديد أهداف تلك الثورة في ظل هذا الخلاف السائد في الساحة بين كل تلك القوى المتعارضة بل والمتصارعة فيما بينها.
ثانيًا: ما هي نتائج الثورة المتوقعة؟
في ظل تلك الشواهد المذكورة لا يمكننا أن نتوقع خيرًا في نتائج تلك الثورة في حال نجاحها، وتعالوا معي نغمض أعيننا قليلًا ونتخيل أن النظام أسقط، هناك الآن الملايين في الميدان يهتفون “الشعب أسقط النظام” سيقف خيالنا عند هذا الحد فلن يرشدك خيالك أبدًا إلى ما بعد تلك “اللقطة”، وأنا أقصد كيف سيتم الترتيب لما بعد إسقاط النظام وهنا سيبدأ الصراع الحقيقي – الذي هو موجود الآن بالفعل – فيما بين كل تلك القوى الثورية وأيضًا بين تلك القوى الثورية وبين القوى المناهضة للثورة وهو الصراع الذي لا يمكن أن يكون سلميًا وإنما سيكون عنيفًا شديدًا أحمر اللون خاصة ومع دخول قوى خارجية وداخلية تمول وتدعم كل طرف على حسب مصالحها.
إن موقف الجيش في يناير 2011 لن يكون أبدًا نفس الموقف في يناير 2015، يستحيل أن يقوم الجيش بتسليم السلطة مرة أخرى، وهذه القوى التي قامت بالثورة لن تقتنع إلا بخروج الجيش نهائيًا عن المشهد السياسي. والجيش لديه مصالح – لا يعنس هذا أنها مصالح غير وطنية – وتسليمه السلطة لهؤلاء المتصارعين الثوريين يعني أنه سيصبح والدولة معًا ألعوبة في أيدي صبية لا يتفقون.
وأما الجماعات المسلحة الموجودة في سيناء وعلى رأسها ما يسمى بدولة الخلافة “داعش” فهؤلاء سيستغلون هذا الصراع وتلك الفوضى وسيمكنون لأنفسهم وسيقضمون مزيدًا من الأراضي في سيناء ويتوسعون في أماكن أخرى في مصر وبالطبع سينضم إليهم الكثير من الشباب “الإسلامي” المحبط والذي سيرى فيهم الخلاص.
هذا هو السيناريو الأقرب للحدوث في حالة إسقاط النظام أما لو لم يسقط النظام ففي هذه الحالة ستعلن حالة الطوارئ وحظر التجوال وسيكون لدينا قتلى كل يوم وفي كل مكان، ولن يعرف من يقتل من كما كان يقال في الجزائر إبان انقلاب الجيش الجزائري على الإسلاميين بعد نجاحهم في الانتخابات في أوائل التسعينات.
الخلاصة
أنا هنا لا أقول إن النظام الحالي جيد ولا أقول إن الإخوان المسلمين شياطين ولا أقول العكس ولكنني أحاول أن أصل معكم إلى الوضع الأفضل أو بالأحرى الأقل سوءًا للجميع.
رغم مساوئ النظام الحالي ورغم قمع الحريات ورغم إقالة محافظ الشرقية الطاهر اليد ورغم وجود العنصري أحمد الزند وزيرًا في السلطة إلا أن كل هذا أفضل من الفوضى وإراقة الدماء.
أن أعيش في ظل نظام قمعي خير لي من أن أعيش في ظل عشرات الأنظمة التي تقاتل جميعها من أجل السلطة ويستخدموني أنا كوقود في تلك المعركة.
أعلم أن الوضع في غاية السوء وأن عنف الشرطة قد بلغ مداه الأقسى والأقصى معًا ولكن الثورة لن تكون حلًا للأسف، الحل هو الصبر على هذا النظام حتى انتهاء فترة حكم الرئيس الحالي وتغييره بالصندوق وبالشرعية إن لم يصلح.
إلى جانب هذا يجب الضغط على نواب الشعب الموجودين في المراكز والمدن والقرى للضغط على النظام من أجل تغيير تلك الوجوة القبيحة في السلطة، الحل هو أن نسعى بكل وسيلة لإيصال أصواتنا إلى النظام مطالبينه بالتغيير وأعتقد أن هناك إيجابيات واستجابات لهذا النظام لا يمكن إغفالها مع وجود السلبيات التي ذكرناها.
وفي الختام نسأل الله العظيم العلي القدير أن يحفظ مصر وأن يهدي حكامها إلى سبيل الرشاد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست