من خلال تعلم كيفية التعاون، فإن إثيوبيا ربما تكون قد خطت خطوة أقرب إلى تحقيق حلمها بالانتهاء من أعمال البناء في سد النهضة الإثيوبي الكبير. في يوم 29 ديسمبر، وقعت إثيوبيا ومصر والسودان “وثيقة الخرطوم”، وهي اتفاق على شروط المضي قدما في هذا المشروع الإشكالي. وفي حين أن هذا الاتفاق لا يعني بأي حال من الأحوال الوصول إلى حل نهائي، فمن الجدير بالذكر أن إثيوبيا بدت أكثر استعدادا لتقديم تنازلات بعد أن قررت التوقيع عليه، وبالتالي الموافقة على المفاوضات الفنية التي يمكن أن تؤدي إلى توافق في الآراء مع دول المصب لنهر النيل. من خلال التعاون في المفاوضات وتراجعها عن تحويل مياه نهر النيل إلى الخزان المخطط له، فإن إثيوبيا سوف تحظى بوقت أيسر للعثور على الاستثمارات الأجنبية اللازمة لإكمال السد، الذي تسبب في زيادة القلق المصري حول مستقبل سلامة إمدادات البلاد من المياه.
تحليل
تمثل الوثيقة الموقعة مؤخرًا الجانب العملي وتضفي الطابع الرسمي على وثيقة المبادئ التوجيهية التي وردت في اتفاق سابق، تم توقيعه في مارس 2015. ومع ذلك، فإنها لم تسوّ القضايا الأكثر إثارة للجدل حول المشروع، والتي من المرجح أن تتم مناقشتها خلال الجولة الـ12 من المحادثات الثلاثية المقرر عقدها في أوائل فبراير/شباط 2016. لم يتضمن الاتفاق جدولًا زمنيًّا صارمًا للقضايا الخلافية والتي تشمل مسؤولية التقييمات الفنية حول معدل ملء خزانات السد ودراسة الأثر البيئي على السودان ومصر. هذه الدراسات الجديدة، التي ستجرى خلال العام المقبل، سوف تدار من قبل اثنين من الشركات الاستشارية الفرنسية والتي تم الاتفاق عليها بشكل مشترك من قبل الدول الثلاث المعنية. عند هذه النقطة، بطبيعة الحال، فإنه لا توجد أي ضمانات حول أن البلدان سوف تلتزم بالنصائح الفنية التي تقدمها الدراسات، أو تغير موقفها وخططها للمشروع بناء على نتائجها.
ومع ذلك، فمن الملاحظ أن إثيوبيا وافقت على عدم تحويل أي مياه من نهر النيل إلى الخزان حتى انتهاء الدراسات كاملة، وهناك محاولة للوصول إلى توافق في الآراء بشأن إدارة عمليات السد. حاليا يتم تحويل مجرى نهر النيل حول موقع البناء، وينبع القلق من إزالة هذا الحجم من التدفق المائي اللازم لملء الخزان، وهو ما قد يستغرق ست سنوات. هذا يمكن أن يقلل كثيرًا من إمدادات المياه في مصر. في نهاية المطاف، فإن الماء الراكد في الخزان سوف ينخفض حجمه بشكل كبير أيضًا بسبب التبخر، والذي يمكن أن يقلل من جودة المياه. كان التراجع عن ملء الخزان لبعض الوقت هو الأمر الذي طالبت به مصر ولكن حتى الآن، فإن إثيوبيا كانت مترددة في الموافقة عليه. وقد وافقت أديس أبابا مؤخرًا على المضي قدما في المفاوضات، وتخاطر بتباطؤ البناء، وهو علامة واضحة على رغبتها في التوصل إلى إجماع إقليمي. ثبت هذا أيضًا من خلال الاستماع إلى صوت مصر في المناقشات اللوجستية والأخذ في الاعتبار إضافة المزيد من البوابات إلى السد لضمان سرعة ضخ مناسبة.
وعلى الرغم من استعداد إثيوبيا لإعطاء فرصة للمفاوضات، فإنه لا توجد دلائل ملموسة على أن القاهرة وأديس أبابا أقرب إلى تحقيق توافق في الآراء. مصر لها مصلحة حاسمة في تأمين حقوقها المائية التاريخية وهي مصرة على أن توقع إثيوبيا على اتفاق ملزم قانونا مع ضمانات واضحة للتنفيذ، وهو أمر لم تكن إثيوبيا على استعداد للقيام به. مصر تريد أيضا أن تكون جزءًا من إدارة السد، ولكن إثيوبيا لم تسمح لها حتى الآن سوى بدور المستثمر. هذه القضايا مهمة للغاية بالنسبة إلى مصر وكذلك لإثيوبيا التي تحاول الاستفادة من قدرات الطاقة المائية الضخمة للسد من أجل تحقيق تقدم اقتصادي أكبر، وسوف يجعل هذا من الصعب بالنسبة إلى البلدين التوصل إلى اتفاق. هذا هو السبب في أن الدراسات الفنية المستقلة أمر في غاية الأهمية. لأنها سوف تثبت أو تدحض ما إذا كان السد يهدد إمدادات المياه في مصر فعليا. كما أنها أيضًا سوف تسهم في طمأنة المستثمرين.
إذا فشلت مصر وإثيوبيا للتوصل إلى توافق في الآراء، فإن مصر تخطط لإحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي تحت ذريعة تهديد الأمن القومي، على الرغم من أن أي رد فعل محتمل للأمم المتحدة من المرجح أن يتوقف على تدفقات المياه الفعلية في مصر. حتى في هذه النقطة، فإن الخلافات حول الأساليب المستخدمة لقياس عمق نهر النيل يمكن أن تؤدي إلى زيادة الجدل حول التأثير الفعلي من السد. يطالب بعض السياسيين والجماهير في مصر بتوجيه ضربة عسكرية ضد السد، ولكن نظرًا لتعقيدات هذه العملية، فإن مثل هذا الأمر يبدو غير مرجح. تعمدت إثيوبيا تأخير المفاوضات منذ بداية هذا النزاع في عام 2010، ولكن الآن يبدو كما لو أديس أبابا تشعر أخيرًا بأنها في وضع يمكنها من الدفع نحو توافق. إذا لم تكن إثيوبيا على استعداد لاستيعاب المخاوف المصرية، فإنها لم تكن لتوافق على تعطيل الإنشاءات لصالح هذه المفاوضات.
طالما بقيت المنطقة منقسمة حول السد، فإن البناء الفعلي يمكن أن يتعطل في أي وقت. وتفيد التقارير حول السد أن قرابة 50 في المائة من أعمال البناء قد اكتملت في الوقت الراهن، ويتم تحويل مجرى المياه حول موقع البناء، ومع ذلك، على الرغم من أن عمليات البناء كانت تسير على قدم وساق، فإن إثيوبيا لم تكن قادرة على تأمين الاستثمار الأجنبي للمشروع، وقد تم تأمين أقل من 30 في المائة من إجمالي 4.8 مليار دولار لازمة لاستكمال السد. إذا لم تستطع إثيوبيا تأمين التمويل اللازم، فإن زمن الانتهاء من السد يمكن بسهولة أن يتأخر لعدة سنوات. هذا بالضبط هو السبب حول الأهمية المتزايدة لهذه المفاوضات: كلما سارت المفاوضات بصورة أفضل، كلما حظيت أثيوبيا بفرص أفضل للحصول على التمويل.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».