اليمن: لا تشاؤم إنما قراءة واقع الحال​ -

آخر تحديث 2016-01-01 00:00:00 - المصدر: ايلاف

نقلت حملتا عاصفة الحزم وإعادة الأمل اليمن من حال إلى حال، لكن الافراط في التفاؤل بأن اليمن الذي نعرفه عائد فهذا مضيعة للوقت والجهد... والأمل.

بعد أيام او أسابيع أو أشهر ،لا بد للحرب الدائرة أن تتوقف، وحينها سيكتشف اليمنيون هول الفاجعة وحصاد حماقاتهم وتخليهم عن موروث تعايشهم الذي حفظ للبلاد سلمها الاجتماعي في حدوده الدنيا، وسيكون من الصعب التكهن بما ستؤول عليه الأمور على الأرض لاحقًا، لكن المؤكد أن الخطر الأكثر شراسة الذي سيواجه الجميع هو تهتك الروابط الاجتماعية بين أبناء المنطقة الواحدة وحتى داخل البيت الواحد الذي انقسمت فيه الاسر إلى فرق متناحرة.

تفكير بصوت عال

هكذا يرى الكاتب مصطفى أحمد النعمان، الكاتب والسياسي والسفير الذي عمل وكيلًا لوزارة الخارجية اليمنية، غد اليمن متى انتهت الحرب الشعواء التي تمزقه إربًا. يقول في مقالة عنونها "اليمن بين حاضر بائس ومستقبل كئيب": "لن أخوض في متاهات الأسباب التي أوصلت الأوضاع إلى الحالة المأساوية التي يرزح تحت وطأتها كل مواطن يمني، يستوي في ذلك الفقراء والأثرياء وضنك العيش وانهيار كافة الخدمات الاساسية وانعدام مقومات الحياة الطبيعية، ولن أبحث في تفاصيل ما جرى، لكنني سأحاول التفكير بصوت عال لأبحث عن السبل التي اراها كفيلة بوقف هذا النزيف، ولست واهمًا بإمكان عودة الأمور إلى سابق عهدها، لا نفسيًا ولا سياسيًا".

يضيف: "إن ما جرى منذ تقديم الرئيس ]عبدربه منصور[ هادي استقالته في 22 كانون الثاني (يناير) 2015 واحتجازه في منزله فهروبه إلى عدن أولا في 21 شباط (فبراير) وسحب استقالته ثم خروجه إلى الرياض عبر سلطنة عمان في 26 آذار (مارس) بعد محاولة الحوثيين إعادة اعتقاله او قتله في عدن، كل هذه الاحداث مهدت لانطلاق عاصفة الحزم في 26 آذار (مارس) بتحالف قادته المملكة العربية السعودية وبدء مرحلة العنف الذي لم تشهد اليمن له مثيلًا في تاريخها".

صار حاكمًا

بحسب النعمان، اليوم وبعد مضي أكثر من تسعة أشهر، لا بد من طرح أسئلة والحديث الجاد والصريح وعدم التعلق بالأوهام والتمنيات. يقول: "سأبدأ بطرح أسئلة ستقود الإجابة عليها إلى طرح الحلول التي اتصورها ممكنة في ظل ما آلت اليه الأوضاع.

كان لعاصفة الحزم، وبعدها عودة الامل، هدفًا سياسيًا هو عودة الشرعية إلى ممارسة مهامها من داخل اليمن، فهل تحقق هذا الهدف؟ وهل الشرعية قادرة على ممارسة مهامها الوطنية والدستورية؟ وهل هي مهيأة لتنفيذ واجباتها الوطنية والاخلاقية؟

يجب النظر إلى أن شرعية الرئيس هادي تستند إلى مبدأ التوافق الذي أمنته المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وكان من المفترض توقف العمل بها في 21 شباط (فبراير) 2014 بانتخاب رئيس جديد بعد إقرار دستور دائم، لكن الأمور سارت على غير ذلك النحو، وتم تمديد فترة الرئيس وجعلها مفتوحة، وكان ذلك هو بداية التعقيد لقضايا البلاد اذ أن هادي صار حاكمًا تحاول كافة القوى السياسية التقرب منه وإرضاءه دونما التفات إلى نفسيته المتشككة بكل المحيطين به، والتي انعكست على أسلوب حكمه البعيد عن عمل المؤسسات، ومن الواضح انه لم يكتسب المهارة الكافية لإدارة الموقع رغم انه ظل نائبًا للرئيس السابق علي عبدالله صالح لثمان عشرة عامًا، وظهر الفارق بينهما في طبيعة التعبير عن الفردية المطلقة في اتخاذ القرار وكيفية إخراجه، وقاد ذلك إلى تعثر في المسار المتوافق عليه، ما أدى إلى تعارضه مع المصلحة الوطنية الجامعة".

ارتياب وارتباك

يرى النعمان أن أسلوب الرئيس هادي في إدارة الشأن السياسي اتسم - منذ بدء فترة حكمه في 21 شباط (فبراير) 2012 - بالارتباك الشديد وعدم الاكتراث بردود فعل شركاء المرحلة التي ما زالت توافقية، "وانعكس ذلك في طبيعة العلاقة بينه وبين رئيس الوزراء السابق باسندوة، واستمر مع حكومة خلفه خالد بحاح، فلم يبق من جامع بينه وبينهما الا العلاقة الاجبارية التي لا يستطيعون الفكاك منها، وأدى ذلك إلى أن صارت الحكومتان عاجزتين عن أداء اقل القليل من واجبهما الأخلاقي والوطني".

يضيف: "من المسلم به أن آثار العمل العبثي الذي جرى بين 2012 – 2014 أوصلت الأوضاع إلى هذا المآل، وسيكون من أفدح الأخطاء أن يدعي ويتوهم أحد أن نهاية حملة التحالف ستكون بداية مرحلة استقرار وعليه فمن الواجب البدء فورًا بالتفكير في الخطوات التي ستلي توقف الحرب، فاليمن اليوم صار من دون مؤسسة عسكرية او امنية جامعة تمزقت اوصالها وتوزعت ولاءات افرادها بين "الشرعية" و"التمرد" ولا يجب التعويل على التصريحات التي يطلقها بعض من جعلوا الحروب سلعة ووظيفة ونسمعهم يصرخون بأن جيشًا وطنيًا يتم تأهيله وإعداده، بينما الواقع أن ما يجري الان هو تشكيل فصائل عسكرية على أسس مذهبية، وفي افضل الأحوال مناطقية".

ويتابع النعمان: "نفس المنطق ينسحب على الجهاز الحكومي الذي كان يعاني من تهالك أدائه قبل بدء الحرب واصابه الشلل خلال العام المنصرم، كما أن الإجراءات التي اتخذتها اللجنة الثورية العليا التي يسيطر عليها الحوثيون، والكم الهائل من التعيينات ستخلق امرًا واقعًا يصعب التعامل معه إداريًا وماليًا والاستخفاف بهذه القضية سيعقد البحث في إيجاد حلول ترضي الجميع".

عضوية المجلس

ويجد النعمان أن هناك قضية أخرى مطروحة، يتم تداولها إعلاميًا من قبل كثيرين، هي الحديث عن دخول اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، فيقول: "إن أحاديث الامنيات والآمال متاحة للجميع، لكن الواقع غير ذلك، فمنظومة عمل المجلس ذاته تعاني من خلل داخل بنيته السياسية ومن غير المحتمل أن تكون إضافة اليمن إلى قوامه حاليًا عملًا إيجابيًا لأن حملة "عاصفة الحزم" كان من بين أهدافها الرئيسة انهاء نفوذ وسلطة جماعة الحوثيين، لكن الأشهر التسعة الماضية برهنت أن تحقيق هذا الهدف لم ولن يتحقق باستخدام القوة، وبالتالي فهل من المعقول أن يتداول الحديث عن ضم اليمن إلى المجلس إضافة إلى الخلافات وحالة الشك بين أعضاء المجلس الأصليين".

يضيف: "من الجائز الحديث عن تسهيلات للعمالة اليمنية في استعادة موقعها في خارطة المقيمين في دول المجلس كل بحسب حاجاته، ويمكن السعي إلى إقامة مشاريع تمتص الشباب الذين سيشكلون الخطر الداهم امام الجميع إذا تم تجاهلهم في المستقبل ويكفي أن نسترجع مشاهد الآلاف من الشباب المدججين بالسلاح الذين كانوا يشكلون عصب "المقاومة" ونتساءل أين سيكون مصيرهم بعد انتهاء الحرب!".

يسأل النعمان: "ما الحل؟ الواجب مواجهة الحقائق، إن اليمن الذي نعرفه تمزقت اوصاله اجتماعيًا ونفسيًا، وإن "عصا الشرعية" التي يتوكأ عليها الرئيس وحكومته ليس لها حاضنة شعبية داخلية بسبب النزاعات الشخصية بينهما على قضايا كثيرة، آخرها القضية الوطنية، وتكاسلهما في التحرك الإيجابي داخليًا، وإن الحديث عن اليمن الواحد اضحى – في رأيي وهو قديم – ضرب من الأوهام، وإن التعويل على عودة الرئيس وحكومته إلى صنعاء لن يتحقق قريبًا، وإن الحوثيين سيظلون القوة الأكثر تواجدًا ونفوذًا في مناطق شمال الشمال، وإن الجماعات الجهادية ستجد لها مساحات تعبث فيها جنوبًا وفي أجزاء من تعز والبيضاء ومأرب، وإن الاقتصاد لن يتعافى بسبب شحة الموارد أصلًا وتقلبات الأوضاع المالية والاقتصادية في دول الجوار ما سيزيد من النقمة الداخلية، ويفتح مجالًا لتجنيد الشباب مع التنظيمات المتطرفة".

حقائق محزنة مخيفة

يضيف النعمان: "إذا ما اتفق اليمنيون واشقاؤهم على هذه الحقائق المحزنة والمخيفة، فإن المدخل الصحيح يجب أن يبدأ في البحث عن قوة مجتمعية جديدة تبتعد بأفكارها وتصرفاتها عن عبث "المتمردين" وكسل "الشرعية"، وان يكون همها الأول العمل على امتصاص عوامل الكراهية والغضب التي تعصف بالمجتمع اليمني وتقسمه مذهبيًا ومناطقيًا، والمنطلق هو توزيع السلطة بين المحافظات بعيدًا عن التقسيم الذي فرضه هادي على الجميع بحيث يتحمل ابناءها المسؤولية عن امنها وادارتها وخدماتها.

قد يبدو الامر مثاليًا لكنه فكرة تخرج بالناس من إطار القوى التي صارت عبئًا ثقيلًا يتمنون الخلاص منهم، وعمل كهذا يحتاج إلى جهد داخلي لتجميع كل الذين ابتعدوا عن الالتحاق بالشرعية المهاجرة او التمرد العبثي ويتطلب أيضًا مباركة إقليمية تسانده.

إن الصراعات الذي تدور داخل جسد "الشرعية" تجعل من التفكير في إعادة الوئام الوطني وشيء من السلم الاجتماعي مسألة غير جادة وغير قابلة للتنفيذ وستزيد من المصاعب امام أي قادم جديد ومن هنا يستوجب على الجميع التفكير في صيغة حكم جماعي تختفي معها الوجوه التي تتلحف بالشرعية ليستمر عبثها ومعهم الذين يرون في الحرب مصدر رزق وإثراء وان على حساب حاضر الناس ومستقبلهم".

ويختم النعمان مقالته: "صورة قاتمة كئيبة عن المستقبل! نعم، لكن من أين للمرء أن يصف الحال بغير هذا!".