استطاعت القوات العراقية بمساندة من الطيران الأمريكي تحقيق تقدم واسع في مدينة الرمادي في ظل تراجع القوات التابعة لتنظيم داعش إلا أن هذه الخطة قد تأتي بنتائج عكسية في المرحلة القادمة. مسؤولو البنتاجون لم يخفوا إعجابهم وإشادتهم بقوات الجيش العراقي خلال الأسبوع الماضي بعد تمكنهم من السيطرة على جزء كبير من المدينة الواقعة غرب البلاد.
ضمن تصريحات سرية حصلت عليها ديلي بيست، قال مسؤولون من وزارة الدفاع الأمريكية أن صراع استعادة الرمادي استغرق وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا لم يقم بأغلبه الجيش العراقي أو قوات الأمن العراقية كما هو معروف، ولكن أغلب هذه المحاولات قامت بها قوة خاصة لمكافحة الإرهاب والتي لم تستطع أيضًا مواجهة داعش وحدها سوى بدعم من التحالف الجوي الذي تقوده الولايات المتحدة. وحتى بعد الانتصار الأخير، ما زالت 30% من مدينة الرمادي تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية كما صرح مسؤولون رسميون.
قوات الأمن العراقية والتي استفادت لفترات طويلة من الدعم الأمريكي المادي والتدريبي، لم تقد المعركة في الرمادي بل شاركت بدور مساعد تركز في تحديد مواقع التنظيم داخل المدينة لمساعدة الطيران الأمريكي بالإضافة إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى وسط المدينة والتي استطاعت القوات أخيرًا في يوم الإثنين الماضي رفع العلم العراقي فيها. ربما أحد الأخبار الجيدة لمتتبعي الشأن العراقي هي غياب الميليشيات الشيعية عن اقتحام الرمادي، والتي أظهرت في بعض الأحيان إمكانية تحول الصراع مع داعش إلى حرب طائفية.
الأخبار المقلقة كانت بشأن قدرات الجيش العراقي، فبعد أن دامت محاولات الجيش لاقتحام الرمادي وتحريرها من قبضة داعش لما يزيد عن 5 أشهر، أصبح لدى البنتاجون شكوك واضحة حول قدرة الجيش العراقي على استعادة أكبر المدن التي تستحوذ عليها داعش – الموصل – على الرغم من تصريحات القادة العراقيين أن العمليات على الموصل قد باتت تلوح في الأفق. قدرات قوات الأمن العراقية تتوقف عند تنفيذ بعض المهام الجانبية في المعارك، في حين أن قوة وتعداد وحدة مكافحة الإرهاب لا تمكنها من أداء هذه المهمة والقيام بتحرير أكثر من مدينة في ذات الوقت والحفاظ عليها في ذات الوقت.
قوات مكافحة الإرهاب العراقية هي مجموعة فائقة المهارة، تصل قدراتها للقوات الخاصة الأمريكية التابعة للجيش الأمريكي، وقد أظهرت خلال معركة الرمادي أنها أكبر قوة تملكها الحكومة العراقية. لا تستطيع قوات الجيش العراقي التعامل مع المدن المليئة بالمدنيين أو أن تسيطر على أكثر من مدينة في نفس الوقت دون مساعدة من الطيران الأمريكي الذي يكون تدخله مدمرًا للمدن كما حدث في الرمادي، مما يجعل الموصل التحدي الأكبر كونها ثاني أكبر مدينة عراقية وبسبب انتشار المدنيين في كل أنحاء المدينة. وفق كريستوفر هارمر الخبير بمعهد دراسات الحرب في واشنطن فإن قوات الأمن العراقية ليس لديها من الخبرة أو العدد ما يمكنها من خوض عمليات التطهير في مناطق النزاع وأنها تعتمد بشكل كبير على الضربات الجوية الأمريكية والتي لا يمكن استخدامها في جميع الأوقات.
الأرقام التي أظهرتها وزارة الدفاع الأمريكية تشير إلى الأمر ذاته، حيث رصدت خسائر قوات الأمن العراقية بخمسين جريحًا فقط دون قتلى بالإضافة إلى عدم قيامهم بأسر أي عنصر من عناصر تنظيم داعش، مما يؤكد أن الضربات الجوية الأمريكية شكلت 80% من هذا الانتصار. نفذ التحالف الجوي الذي تقوده الولايات المتحدة 630 ضربة جوية على مدينة الرمادي منذ يوليو الماضي، 150 من هذه الضربات كان في الأسبوع الماضي فقط، أدت هذه الضربات إلى مقتل ما يقرب من 1000 من مقاتلي داعش والذين يتركزون الآن شمال المدينة.
لا تمتلك الولايات المتحدة سجلًا دقيقًا لأعداد الضحايا من المدنيين، ولكن الصور تظهر مناطق قد تم تدميرها بالكامل من المدينة التي يبلغ عدد سكانها مائتي ألف نسمة. ربما طغى حجم الانتصار في الرمادي على كثير من الأمور، حيث يعد أكبر انتصار للقوات العراقية وأقل مدة تستمر فيها داعش في السيطرة على مدينة ما، كما تعد تواصلًا للمدن التي تستردها الدولة بعد تكريت وسنجار.
في الوقت الذي تتزايد فيه الشكوك حول قدرات الجيش العراقي، ما يهدف إليه الجيش الأمريكي تحديدًا فيما حدث في الرمادي هو تحديد تلك القدرات بدقة، والتأكد من الحفاظ على الأغلبية السنية داخل المدينة مع سيطرة الحكومة العراقية والجيش اللذين يحتويان على أغلبية شيعية.
وفق تصريحات أحد مستشاري وزارة الدفاع الأمريكية فإن الجزء الأصعب في استعادة الرمادي لم يأت بعد وأن ما تم حتى الآن هو الأسهل، حيث تعود صعوبة الأمر في تلبية احتياجات سكان المدينة الاقتصادية والسياسية والإنسانية وإلا فسيكون أمر الحفاظ على المدينة مستحيلًا. يرى أيضًا أن الحفاظ على مدينتي الرمادي وتكريت والمناطق حول نهر دجلة هي الطريق للوصول إلى الموصل وأن المعارك في الموصل لو لم تكن إنسانية بالمقام الأول لتحولت لعملية تطهير عرقي للسكان السنة.
كانت الرمادي قد سقطت في قبضة داعش مباشرة بعد أن استعادت القوات العراقية سيطرتها على مدينة تكريت. في ذلك الوقت، قال وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر أن قوات الأمن العراقية لم يكن لديها الإرادة الكافية للقتال من أجل الرمادي. ربما أظهرت معارك استعادة الرمادي عكس هذا الأمر، وأظهرت إرادة قوات الأمن العراقية في القتال ولكن ليس لمجرد إبعاد داعش عن مدن محددة.
في محاولة لتجنّب التوتر الطائفي، أمر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعدم مشاركة الميليشيات الشيعية – التي تدعمها إيران – في معركة الرمادي، هكذا أبلغ مسؤولون أمريكيون ومصادر مطلعة في العراق الديلي بيست.
ويبدو أن الميليشيات قد استجابت لهذا الأمر، حيث قال مسؤولون أمريكيون أن الوحدات المختلفة التي تقع تحت مظلة ما يسمى بقوات التعبئة الشعبية لم تشارك في معركة استعادة المدينة. وأضاف المسؤولون أنه بالرغم من مشاركة بعض مقاتلي الميليشيات المدعومة من إيران وارتدائهم زي وزارة الداخلية العراقية، إلا إنهم لم يكن لهم دور رئيسي في المعركة.
لا يبدو الأمر سهلًا على الإطلاق. تلك القوات التي لعبت دورًا حاسمًا في المعارك السابقة ضد داعش، لم يكن قرار استبعادهم ليخلو من المخاطر.
لكن المقاتلين الشيعة اتُّهِموا أيضًا بالعنف الطائفي بعد الانتصار في تلك المعارك السابقة، كما اتُّهِموا بأنهم بيادق للنظام الإيراني.
إبقاء هذه الميليشيات خارج معركة الرمادي كان وسيلة لإبعاد فكرة أن القتال كان بتدخل من إيران. يقول أحد المسؤولين الأمريكيين أن المعركة كانت فرصة أيضًا للجيش العراقي لاستعادة ثقته والاستفادة من التدريب الذي قدمته الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف.
وتخطط الحكومة المركزية لتسليم المهام الأمنية في الرمادي للقوات السنية المحلية لتجنُّب أي صراع طائفي وتجنب أعمال العنف التي شهدتها عملية استعادة تكريت، في الربيع الماضي، حيق اتُّهِمت الميليشيات الشيعية في أعمال تخريب ونهب ضد السنة المحليين، والذين اعتقدت تلك الميليشيات أنهم يدعمون داعش.
ولكن هناك جدل بشأن مدى تورط المسؤولون الأمريكيون في قرار استبعاد تلك الميليشيات.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي لديلي بيست: “لم تتدخل الحكومة الأمريكية في قرار رئيس الوزراء العراقي باستبعاد (قوات التعبئة الشعبية) في عملية الرمادي. نحن لم نشجع هذا القرار، ولم نعترض عليه، لم يكن لنا أي دور في ذلك”.
ولكن استبعاد الميليشيات الشيعية من معركة الرمادي كان جزءًا من المناقشات بين المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين وبين رئيس الوزراء العراقي والمقاتلين من مختلف العشائر السنية التي شاركت في المعركة، حسبما قال مارك الصالح – وهو عضو اللوبي السني في واشنطن ورئيس برنامج الاستقرار والأمن العراقي والمكون من مواطنين وشيوخ عشائر – لديلي بيست.
وقال الصالح: “كان لدى مقاتلي العشائر شرطًا مسبقًا قبل الاشتراك في المعركة، وهو عدم إشراك أفراد قوات التعبئة الشعبية حولهم. هؤلاء المقاتلون السنة كانوا مهمين لنجاح المهمة لأنهم يعرفون الرماديّ حيًّا حيًّا، فبعضهم يعود أصلهم للمدينة ولكنهم غادروها بعد سيطرة داعش عليها”.
استبعاد تلك الميليشيات – التي يقدر عددها بـ120 ألف مقاتل، أي أكثر من ضعف قوات الجيش العراقي – أثار التساؤلات بشأن ما إذا كان العبادي يحاول الحد من نفوذها، وبالتالي الحد من نفوذ إيران، يعتبر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مسؤولًا بشكل كبير عن تكوين هذه الميليشيات، ويقال بأن العبادي يخشى من استمرار تأثير المالكي على السياسة العراقية.
يقول بعض الخبراء بأن هذه الميليشيات – التي يبلغ عددها أكثر من 40 مجموعة مختلفة – لا تخضع لسيطرة الجيش العراقي وأن ولاءها للحكومة يتفاوت.
قال الصالح أن قرار العبادي باستبعاد الميليشيات – التي تعرف أيضًا بالحشد الشعبي – أدى إلى نوع من الخلاف بينه وبين أبو المهدي المهندس، وهو القائد العسكري العراقي المسؤول عن تنظيم المقاتلين. المهندس ليس صديقًا لواشنطن، حيث وقعت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه عام 2009 زعمًا بأنه كان مستشارًا للجنرال الإيراني سيء السمعة قاسم سليماني، وأنه كان مسؤولًا عن هجمات ضد الولايات المتحدة وقوى الأمن الداخلية. تمت إدانة المهندس غيابيًّا أيضًا في تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في الكويت عام 1983.
تناقلت وسائل إعلام إخبارية عراقية بأن المهندس قد أقيل من منصبه، الأمر الذي لم يتم التأكد منه.
وقال محلل سياسي موجود في بغداد – طلب عدم الإفصاح عن اسمه – لديلي بيست: “المهندس كان يعترض على تدخل الولايات المتحدة ومطالبتها بعدم مشاركة الحشد الشعبي”، وأضاف: “المهندس لا يزال في منصبه، لم يقم رئيس الوزراء بإقالته”.
أية صدامات وانفصالات بين عبادي والميليشيات ستكون أمرًا مذهلًا، لأنها ستعني إلى حد كبير إنحسار نفوذ وتأثير إيران على الحكومة العراقية الذي تفرضه من خلال تلك القوات، أو ستعني تحدى عبادي لهذا الأمر على أقل تقدير. المحلل السياسي ذاته أكد أن ميليشيا الحشد الشعبي أرادت الابتعاد تمامًا عما يحدث في الرمادي لأنها لا تمتلك قوات كافية للدخول في هذا الصراع.
غياب القوات المدعمة من إيران عن المواجهات في الرمادي كان نجاحًا إستراتيجيًا مبهرًا للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، في حين تفضل الولايات المتحدة ذاتها القضاء على النفوذ الإيراني وعلى التحالف بينها وبين روسيا كأولوية. يرى بعض المحللين أن عدم وجود القوات الشيعية على الأرض في هذه المعركة لا يعني بالضرورة عدم وجودها في معارك أخرى.
“تتمركز بعض الميليشيات غرب المدينة، في قاعدة الحبانية، مع انتقال هذه الميليشيات وتمركز قوات أمن من السنة (تهدف الحكومة لنشر قوات أمن سنية في هذه المنطقة)، فربما ستقوم داعش بهجمات مباغتة لمعرفة مدى كفاءة هذه القوات الجديدة”، هكذا صرح باتريك مارتين الباحث المتخصص في الشأن السياسي والأمني العراقي في معهد دراسات الحرب في واشنطن لديلي بيست.
هذه المرة، إن استطاع تنظيم الدولة الإسلامية استعادة الرمادي من جديد، فلن يكون مضمونًا إمكانية موافقة الميليشيات الشيعية على مثل هذا الانسحاب.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».