عرف التاريخ قادة وزعماء تولّوا مقاليد السلطة في سن مبكرة، وبعضهم نودي بهم ملوكاً وحكاماً وهم في مرحلة الطفولة. ويزخر الحاضر بشخصيات قيادية فتية تتولى مناصب رفيعة، تتحدث إيلاف عن أبرزها ضمن هذا الملف.
ترأست عاطفة يحيى آغا جمهورية كوسوفو بتوافق الأحزاب السياسية وبمباركة أميركية، فكانت هي الرئيس الأصغر في العالم.
خاص إيلاف: للسواد رمزيّة خاصة في أوروبا الشرقية. الطائر الأسود إلى جوار الجبل الأسود (مونتينيغرو)، وعلى مسافة بضع مئات من الكيلومترات ساحل البحر الأسود. ذلك الطائر الأسود هو كوسوفا، التي تعنى الشحرور. وعلى المروج الخضراء في الجنوب الغربيّ، تستلقي مدينة جاكوفا، التي اختارت لون منقار الشحرور القرمزيّ لسقوف بيوتها القرميديّة.
كانت مدينة جاكوفا في القرن الخامس عشر بلدة صغيرة، للعثمانيين أثر في بنائها. من أهم معالمها إلى اليوم "جامع خدوم"، أي جامع الخادم، وقد شيّده في آخر القرن السادس عشر "خدوم سليمان آغا بيزبان" الذي كان المشرف على الحرم السلطانيّ في عهد السلطان مراد الثالث، وتشتهر المدينة أيضًا بجسر الخياطين.
المفاجأة
اسم جاكوفا لا يُعرف أصله على وجه الدقة. فقد يكون مشتقًا من الدم "غجاك" باللغة الألبانية، وثمّة من ينسبه إلى "جاك فالو"، أحد كبار مُلّاك الأرض، الذي قد يكون أعطى الأهالي قطعة لبناء البلدة عليها.
في جاكوفا، ولدت عاطفة يحيى آغا في العشرين من نيسان (أبريل) 1975. وكان شهر رؤيتها النور يخبّئ لها مفاجأة كبرى. ففي العام 2011 انتخبها البرلمان للرئاسة الثالثة في بلدها، وهي السيدة الأولى في تقلّد هذا المنصب في الدولة الكوسوفيّة.
حصّلت الدراستين الابتدائية والثانوية في مسقط رأسها، ثمّ درست الحقوق في جامعة العاصمة بريشتينا. وبعد تخرّجها، تلقّت دورات تدريب في الولايات المتحدة، في الشؤون الشرطيّة لدى "أف.بي.آي"، وأخرى في دائرة العدل الأميركية. أهّلها ذلك لتولّي منصب المديرة المساعدة لشرطة كوسوفو، وارتقت فيه إلى رتبة فريق، وهي أعلى درجة شرطية تحصل عليها سيدة في أوروبا الجنوبية.
في 6 نيسان (أبريل) 2011، رشحتها ثلاثة أحزاب لرئاسة الجمهورية: حزب كوسوفو الديمقراطي، منظمة كوسوفو الديمقراطية، ورابطة كوسوفو الجديدة. كان من الطبيعيّ أن تتلقى دعمًا خاصًا من السفير الأميركي لدى كوسوفو، كريستوفر ديل، نظرًا إلى خلفيّة التأهيل في الشرطة والقانون في الولايات المتحدة.
في اليوم التالي، فازت بالرئاسة بثمانين صوتًا من مجموع مئة نائب. وبهذا تكون السيدة الأولى التي تحظى بهذا المنصب، والمرشحة الأولى غير الحزبيّة، والأصغر سنّا عالميًّا في تولى رئاسة الجمهورية.
نالت عاطفة الجميع
جاء الاتفاق على ترشيح عاطفة يحيى آغا للحيلولة دون وقوع الأزمة السياسية، الناجمة عن إبطال السلطة التشريعية إعادة انتخاب الرئيس السابق، الملياردير بهجت باكولي، ما كان سيؤدي بالضرورة إلى انتخابات مبكّرة تفضي إلى عرقلة الحوار بين بلغراد وبريشتينا لحل مشكلات فنيّة تمسّ مصير الشعب الكوسوفي.
لكن اختيارها رئيسة للجمهورية كان مشروطًا بعدم بقائها طويلًا على رأس كوسوفو، لأن الاتفاق المعقود على تعيينها حدّد إصلاحات دستوريّة وانتخابيّة، يجب أن تعقبها انتخابات رئاسية عن طريق الاقتراع العام المباشر في غضون ستة أشهر كحدّ أقصى بعد مراجعة الدستور، وانتخابات قضائية أجلها الأقصى ثمانية عشر شهرًا بعد إصلاح النظام الانتخابيّ.
لكن السياسة في بلد الطائر الأسود لا تخلو من دعابة سوداء. فقد تأخّرت المراجعة الدستوريّة عن الموعد الذي حُدّد لها، فلم يكن ممكنًا تنظيم الانتخابات في نيسان (أبريل) 2012 في الوقت المقرر. وعملًا بالنهج السليم، طلبت يحيى آغا من السلطة التشريعية تحديد ما يجب عمله.
في تموز (يوليو) 2012، قرر القضاة الدستوريون أن يحيى آغا، التي انتخبت في الدورة الأولى، يحق لها الاحتفاظ بمنصبها إلى عام 2016، وهو الأجل القانونيّ للمدّة الرئاسية. ولحسن حظها، لم يثر القرار أيّ اعتراض، لا من قبل الحزب المعارض، ولا من المجتمع الدوليّ. فكانت رئاسة السيدة عاطفة، التي حازت عاطفة الجميع في جمهورية كوسوفو.