عرف التاريخ قادة وزعماء تولّوا مقاليد السلطة في سن مبكرة، وبعضهم نودي بهم ملوكاً وحكاماً وهم في مرحلة الطفولة. ويزخر الحاضر بشخصيات قيادية فتية تتولى مناصب رفيعة، تتحدث إيلاف عن أبرزها ضمن هذا الملف.
دخل نادي رؤساء الوزراء في العالم وهو في اليوم في الثالثة والثلاثين، يقود جورجيا نحو حقبة جديدة من الازدهار.
خاص إيلاف: ولد إيراكلي غاريباشفيلي، رئيس وزراء جورجيا وأصغر رئيس وزراء سنّا في العالم، في 28 حزيران (يونيو) 1982، في بلد عثر علماء الأنثربولوجيا فيه على جمجمة إنسان يعود إلى 1,8 مليون سنة.
الحلم الجورجي
لعلّ في اسم العاصمة الجورجية سخرية تاريخيّة قاتمة، تعبّر بعمق عن ثقل المسؤولية. فقد كان العرب في قرون الحضارة الإسلامية ينطقونها "تفليسي"، وكأنها وصف لاقتصاد مشتق من الإفلاس، في حين تكتب اليوم "تبليسي"، وكأنه تعبير عن أشكال العدوان على مرّ القرون، وكأن الغزاة اشتقوا لها اسمًا من إبليس.
التحق إيراكلي غاريباشفيلي بجامعة السوربون الباريسية، وتخرج بشهادة في العلاقات الدولية في عام 2004. وكانت دراسته قبل ذلك في جامعة عاصمته.
عمل منذ عام 2005 لدى رجل الأعمال بيدزينا إيفانيشفيلي، ودخل الحياة السياسية بانضمامه إلى تحالف "الحلم الجورجيّ"، الذي فاز في الانتخابات التشريعية في عام 2012. وبفوزه نائبًا، تولى وزارة الداخلية في الحكومة التي شكلها إيفانيشفيلي، الذي اختاره خلفًا له في رئاسة الوزراء، وحظي بموافقة البرلمان في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013.
حدودي هي حدود الناتو
في بلد لم يعرف الاستقرار والرخاء في تاريخه، إلاّ قليلًا، يبدو رئيس الحكومة الشاب الرجل المناسب. كان وزيرًا للداخلية ملمًّا بشؤون الأمن، وكان رجل أعمال هو على دراية بأمور الاقتصاد، يرفده في كل ذلك تخصصه في العلاقات الدولية.
من خلال الحوارات التي أجريت معه، يتضح أن همّه الكبير الذي يرى من خلاله حلولًا لكل مشكلات بلده، هو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبيّ والناتو. في الأوّل، فتح آفاق التنمية الاقتصاديّة والتجارة البينيّة ونمو السياحة وتخليص مواطنيه من التأشيرات، وفي الثاني الحظوة بمظلة الأمن تحت راية حلف شمال الأطلسيّ، فهو يرى تركيا ترفع شعار: "حدودي هي حدود الناتو"، فلا خوف بعد من أيّ غزو أو احتلال. وهو يرى أن تنمية العلاقات الدولية هي مفتاح كل مغلق، يقول: "لا شيء يعادل الاتصالات بين الشعوب لتعزيز الروابط، تلك حقيقة في كل المستويات، السياسية والتجارية والسياحية".
ويضيف: "خلال المحادثات في بروكسل مع الاتحاد الأوروبيّ، نجحنا في اعتراف المنظومة بإصلاحاتنا الكبيرة في المجالات السياسية والاقتصادية في السنوات الأخيرة، ما أهّل جورجيا لمواكبة المعايير الأوروبية. يبرهن على ذلك تقدمنا المستمرّ في التصنيفات الدولية، في مقاييس الديمقراطية مثل الانتخابات وحرية التعبير وحريّة وسائط الإعلام ودولة القانون وحماية حقوق الإنسان والشفافية والقضاء على الفساد واستقلال القضاء والحوكمة الجيدة".
طريق حرير تبليسي
موقع جورجيا الجغرافيّ جعلها جسرًا بين الشرق والغرب. كان منتدى "تبليسي طريق الحرير" ملتقى للقادة السياسيين وكبار رجال الاقتصاد والتجارة في العالم، لاكتشاف مستقبل فرص التعاون على ظهر الكرة.
وحتى لا يترك إيراكلي المكان شاغرًا في الشؤون الاجتماعية، نظم أخيرًا أول مؤتمر عالميّ في محيطه الجغرافي للمساواة بين الجنسين، بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبيّ ومنظمة الأمم المتحدة.
إيراكلي غاريباشفيلي يعرف جيّدًا بإصراره على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبيّ والناتو، أن أكبر مصدر صداع لأيّ بلد صغير هو أن يكون له موقع جيوسياسيّ حساس من الطراز الأول وقوة محدودة.