ما الذي نعرفه عن أزمة القوات التركية في العراق؟

آخر تحديث 2016-01-02 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

منذ حوالي عامين ونصف يتواجد جنود أتراك في شمال العراق؛ وفقا لاتفاق بين تركيا وحكومة إقليم كردستان في العراق لتدريب بعض المقاتلين العراقيين في مواجهة الدولة الإسلامية، ولكن في بداية ديسمبر الماضي، ظهرت بوادر أزمة دبلوماسية بين البلدين؛ إثر إقدام تركيا على استقدام جنود أتراك وآلات حربية استعدت تصريحات غاضبة من الحكومة العراقية، وعددا من التداعيات الإقليمية.

كيف بدأت الأزمة؟

بدأت الأزمة في يوم 3 ديسمبر الجاري تزامنا مع وصول 150 مجند تركي تحت حماية 25 دبابة تركية إلى شمال العراق بمحافظة نينوي بالقرب من مدينة الموصل التي يسيطر عليها التنظيم منذ يونيو 2014، وبحسب الأناضول فإن تلك الوحدة كانت بديلا لوحدة أخرى، ويقول رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو: إن “التحرك العسكري التركي الحالي هو تناوب روتيني لدعم معسكر سبق وأنشأته القوات التركية بطلب من محافظ الموصل، وبالتنسيق مع قوات الدفاع العراقية”، ونفى أوجلو أن تلك القوات جاءت تمهيدا لحرب برية تركية ضد تنظيم الدولة على الأراضي العراقية مؤكدا مهامها التدريبية، و قال: ” معسكر بعشيقة على بعد 30 كلم شمال شرق الموصل، هو معسكر تدريبي أقيم لدعم قوات المتطوعين المحلية التي تقاتل الإرهاب” ولفت أوجلو إلى أن أنقرة نسقت مع الحكومة العراقية بشأن تواجد جنود أتراك في محيط الموصل، ذلك في الوقت الذي أكدت فيه أمريكا أن الخطوة التركية الأخيرة “ليست من ضمن عمليات التحالف”.

“العراق يعتبر وجود أي قوات عسكرية داخل اراضيه ودون علم حكومته عملا معاديا”

هكذا أكد بيان وزارة الخارجية العراقية تعليقا على الخطوة التركية الأخيرة، وأثارت تلك الخطوة غضب واستنكار الإدارة العراقية التي أكدت أن تركيا أقدمت عليها دون تنسيق مسبق بين البلدين ، واستدعت السفير التركي ببغداد فاروق قايماقجي لتسليمه مذكرة احتجاج على الخطوة الأخيرة مطالبة ” الجانب التركي سحب مقاتليه من داخل الأراضي العراقية فوراً” بحسب بيان الخارجية العراقية الذي جاء فيه أيضا: “دخول قوات تركية الى داخل أراضي العراق دون علم الحكومة المركزية في بغداد، خرق وانتهاك لسيادة البلد، وتجاوز لمبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل” محذرة باللجوء للمجتمع الدولي”الوزارة ستتحرك باتجاه المجتمع الدولي لإيقاف انتهاك تركيا لسيادة العراق وعدم احترامها لحدوده” كما أمهل رئيس الوزراء حيدر العبادي الحكومة التركية 48 ساعة لسحب قواتها وإلا”استخدمت العراق كل الوسائل المتاحة” وبعد ذلك بيوم طالب العبادي باستعداد القوات العراقية “للدفاع عن الوطن وحماية سيادته”.

الشكوى تصل لمجلس الأمن وتركيا ترفض التراجع!

ولم يكد يمر أسبوع واحد حتى حققت العراق تهديدها تجاه تركيا ليتسلم مجلس الأمن مذكرة الاحتجاج العراقية في 11 ديسمبر ضد الخطوة التركية، ووصف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التدخل التركي بأنه “عنوة” مؤكدا أن الخطوة الأخيرة ” لم تتم بطلب رسمي ولا شفوي ولا تحريري”.

“الانسحاب غير وارد في الوقت الراهن”

هكذا أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ردا على العراق لافتا” أن القوات التركية غير قتالية، و تم نشرها في عام 2014 كانت استجابة لطلب من الحكومة العراقية وقتها” وقال أردوغان إنه من حق العراق اللجوء لـ”مجلس الأمن الدولي” معتبرة أن تلك الخطوة بأنها “غير صادقة.. وأن مجلس الأمن يعرف ذلك” على حد تعبيره، وشدد أنه “جرى نشر قوات ليست للقتال، لكن لحماية الجنود الذين يقومون بالتدريب هناك.. وسنواصل التدريب بحزم”.

وأكد أردوغان “أن العراق أصبح مرتعا للمنظمات الإرهابية التي تهدد تركيا”متسائلا: “هل تريدون منا أن ننتظر دعوة من الحكومة المركزية ببغداد في حال حصول هجوم على بلدنا؟ لا نمتلك رفاهية انتظار مثل هذا الأمر”وبلغة أكثر مرونة تحدث أوجلو أنه بعد محادثات مع مسئوليين عراقيين فقد قررت تركيا “إعادة تنظيم قواتها في بعشيقة”.

الضغوط تتزايد على تركيا وتدفعها للتراجع، ولكن..

مع مرور الأيام يستمر التصعيد الدبلوماسي العراقي ضد التواجد التركي، وبلغ الأمر حد تدخل الولايات المتحدة، حليف تركيا في التحالف الدولي وحلف الناتو؛ إذ طالب الرئيس باراك أوباما من نظيره التركي بـ”عدم تصعيد التوتر مع بغداد” كما طالبت جامعة الدول العربية من تركيا سحب قواتها من العراق، دون قيد أو شرط.

“إدراكا للقلق العراقي واتساقا مع متطلبات القتال ضد داعش، تواصل تركيا سحب قواتها العسكرية من محافظة نينوى التي كانت مصدر سوء التواصل.”

هكذا أعلنت تركيا في بيان رسمي لها أعلنت عنه في منتصف ديسمبر ، ولكن المشكلة أن تركيا، لم تعلن حجم القوات التي ستسحبها ، كما أنها نقلت القوات إلى منطقة أخرى في إقليم كرستان العراقي، وهو ما لم يرضٍ طموح العراقيين!

آخر المستجدات، هل ينفد الصبر العراقي؟

“لا نية جادة لدى تركيا لسحب قواتها من العراق”

هكذا أعلن وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري-الأربعاء -30 ديسمبر- موضحا إعادة انتشار القوات التركية يعتبر اعترافا بانتهاك السيادة العراقية.مجددا مطلبه برحيل آخر دفعة مسلحة تركية من كافة الأراضي التركية، وذهب إلى إمكانية دراسة الحل العسكري لذلك عندما قال: “إن بغداد ستواصل اتباع الوسائل السلمية، ولكن إذا لم يكن هناك حل آخر، وإذا فرض علينا القتال فسوف ندرسه لحماية سيادتنا”.

ولم يتأخر الجانب التركي كثيرا في الرد على اللهجة التصعيدة للعراق الذي جاء في نفس يوم تصريح الجعفري على لسان أوجلو الذي قال: “على العراق استخدام القوة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وليس ضد العسكريين الأتراك الذين يساعدونها.. إن بغداد لا تسيطر على ثلث الأراضي العراقية” وأكد أوجلو على احترام بلاده لسيادة العراق وأن هناك سوء تواصل بين البلدين في هذا الشأن، لافتا إلى لقاء أجراه مع نظيره العراقي ليؤكد له أن السبب الرئيس لوجود القوات التركية شمالي العراق هو محاربة “تنظيم الدولة”.

سكب الزيت على النار

“لولا استكبار التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لما تصرفت تركيا بهذا القدر من الفظاظة الصريحة في التعامل مع العراق”

هكذا صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تعليقا على الأزمة، تلك الأزمة التي شهدت منذ بدايتها تصريحات مشابهة من أطراف خارجية، وساعدت في تأجيج الخلاف بين تركيا والعراق، وكان على رأس تلك الدول إيران بالإضافة إلى روسيا أيضا، وهو أمر لفت إليه وزير الخارجية التركي مولود أوجلو زاعما أن الموقف العراقي جاء تحت تأثر”أطراف أخرى” في الإشارة إلى إيران “، التي دعاها أوجلو للنأي بنفسها عن “المزاعم والافتراءات” في الإشارة إلى موقفها في مشاركة روسيا لإيران بأن تركيا تشتري النفط من تنظيم الدولة “لأن تركيا لطالما دعمت إيران، وتود الحفاظ على علاقتها القوية معها” على حد تعبير مولود.

علاقة تركيا بالأكراد في مناطق النزاع

أو

تتمثل مناطق النزاع التي يتواجد في الأكرد في بلاد تركيا وسوريا والعراق ويتباين الموقف التركي تجاه الأكراد الموجودين في تلك المناطق:

ففي تركيا يُحظر حزب العمل الكردستاني ويتٌمثل جماعة بي كا كا الكردية التحدي الأمني الأكبر لتركيا، وتعمل تركيا على مواجهته أمنيا منذ سنوات، وما تزال المواجهة المسلحة بينهما مستمرة حتى الآن.

وفي سوريا، يتشابه الموقف التركي من الأكراد هناك مع الأكراد في تركيا، فبالرغم من أن أكراد سوريا هم الحليف المٌفضل لأمريكا الحليف الاستراتيجي لتركيا في حلف الناتو، فإن تركيا تتهم حزب الاتحاد الديموقراطي الكٌردي وجناحها المٌسلح في سوريا “وحدات حماية الشعب الكٌردية” بدعم جماعة بي كا كا الكردية المتواجدة على الأراضي التركية.

أما في العراق فإن العلاقة التركية مع الأكراد هناك تختلف عن أكراد تركيا وسوريا، إذ تقوم تركيا بمهام تدريبية لقوات البيشمركة الكردية وقوات “الحشد الوطني” في إقليم كردستان بالعراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي هناك، وتظل الخطوة التركية الأخيرة هناك محل خلاف وسخط عراقي، في انتظار ما تحمله الأيام من مستجدات تكشف لنا مدى استعداد تركيا للتراجع عنها، ومدى واقعية التهديدات العراقية.