حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية يدخل معترك السياسة في طهران، وربما يكون حبل النجاة للرئيس روحاني.
تظل ذكرى الثورة الإسلامية، التي أكملت عامها الـ36، عالقة في الأذهان هنا، إلا أن البعض يتخوف من تبددها من أذهان الشعب. وبينما يكافح الرئيس روحاني لإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي، تكثف العناصر المتشددة من جهودها لإضعاف معسكره المعتدل وإظهار حكومته في مظهر الضعف بشأن التهديد الذي تمثله الولايات المتحدة. بدأ الرئيس الإيراني يبدو مقيدًا وهو محاط بقوى مثل الحرس الثوري الإيراني والسلطة القضائية، وشخصيات ضعيفة عاجزة عن إحداث تغيير حقيقي في طريقة إدارة الجمهورية الإسلامية.
إلا أن شخصية جديدة ظهرت على الساحة الإيرانية تحمل لقب أشهر سياسي إيراني على الإطلاق قد أصبحت المخبر الخاص بروحاني. حسن الخميني، حفيد روح الله الخميني، سجل نفسه في 18 ديسمبر الماضي مرشحًا في انتخابات مجلس الخبراء المزمع إقامتها العام المقبل. تتولى اللجنة المكونة من 88 عضوًا اختيار المرشد الأعلى القادم لإيران وذلك عندما يموت المرشد الحالي آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 76 عامًا ويقال إنه يعاني من المرض. ويعتبر الخميني الشاب أول فرد في عائلته يسعى إلى منصب عام منذ وفاة جده عام 1989، الذي كان قد أسس الجمهورية الإسلامية وأول من تولى منصب المرشد الأعلى. والسؤال الوحيد هو ما إذا كان سيُسمح للرجل ذي الـ43 عامًا بالمضي على درب قد يقوده أخيرًا إلى قمة هرم السلطة المعقد في إيران.
وُلد حسن الخميني في مدينة قم، مركز التعليم الديني في إيران، وموطن المؤسسة السياسية الدينية للبلاد. كان والد حسن قد انخرط بشكل سطحي في الحكومة، لكنه كان قد لعب دورًا محوريًا في مساعدة والده هو بعد عودته منتصرًا من المنفى إلى طهران في فبراير من العام 1979. ولو أنه لم يمت بسبب أزمة قلبية في العام 1995، لكان قد سبق ابنه في دخول المعترك الانتخابي.
كانت مهمته الرئيسية أثناء دراسته في قم هي إدارة الضريح الذي دُفن فيه كل من والده وجده في طهران، وهي مهمة تعتبر مقدسة لدى الكثيرين في إيران. بدأ نجمه يبرز في الدوائر السياسية في العام 2008، عندما انتقد علنًا النخبة السياسية والعسكرية الجديدة في إيران، التي امتلأت جيوبها بالأموال رغم تظاهرها بالولاء إلى مؤسس الثورة والشعب الإيراني.
كان الحرس الثوري الإيراني، الذي أسسه المرشد الأعلى الأول لحماية إيران من التهديدات الداخلية والخارجية؛ قد أثبت كفاءته في الحرب العراقية الإيرانية، ولكنه اكتسب عداوة العديد من الإيرانيين بسبب غرقه في الفساد والرمي بثقله خلف أكثر الشخصيات المتشددة في إيران.
“على أولئك الذين يزعمون الولاء للإمام الخميني اتباع تعليماته بألا ينخرط الجيش في السياسة” قال الخميني الشاب في خطاب ناري عندما كان الحرس الثوري يستعرض عضلاته في العام 2008 بدعمه الرئيس الإيراني وقتها أحمدي نجاد. التقى الخميني الشاب بالإصلاحيين قبل الانتخابات في العام التالي وأعلن دعمه لمرشحي الحركة المهزومين، السيد حسين موسوي والسيد مهدي كروبي، اللذين زعما أنه قد جرى تزوير العملية الانتخابية.
أكسبت هذه التصرفات الخميني بعضًا من المصداقية لدى المعتدلين في إيران. كما أنه قاطع حفل أداء نجاد القسم، ما حرم الحدث من دعم عائلته.
لطالما انتظر أنصار الخميني دخوله مجال العمل العام. فهو أصغر بكثير من النخبة السياسية الإيرانية الحالية ويقترب من أفكار الشباب، فقد عُرف عنه ولعه بدوري كرة القدم الإيراني، كما ظهر ضيفًا في برنامج حواري شهير، حيث صرح فيه أنه كان يتمنى أن يتخذ كرة القدم مهنةً لولا أن جده أمره بالاهتمام بالدراسات الدينية عندما كان في الـ21 من عمره.
لدى حسن الخميني ابن يبلغ 18 عامًا من العمر يدعى أحمد. وهو يمثل إضافة لشعبيته. حيث إن الفتى لديه 188000 متابع على إنستاغرام، الذي وعلى خلاف موقعي الفيسبوك وتويتر، لم يُجْرَ حجبه في إيران، ويوفر لوالده فرصة فريدة للتواصل مع الناخبين الشبان. يعطي موقع إنستاغرام نظرة على التغير الاجتماعي الذي لا يرغب خامنئي في الاعتراف به، حيث تظهر صور أحمد وهو يرتدي ملابس رياضية من ماركة نايك، في الوقت الذي يقول فيه خامنئي إنه يجب حظر استيراد المنتجات الأميركية. إلا أن الفتى يبجل أسلافه أيضًا، فقد نشر صورًا لجده الأكبر (الذي وصف أميركا بأنها الشيطان الأكبر)، كما شارك في احتفالات دينية، فبدا أنه يجمع بين إيران القديمة والحديثة.
إلا أن حسن الخميني يمتلك بالفعل تحالفًا قويًا من أجل خوض الانتخابات المقبلة. فكل من الرئيس روحاني وآية الله أكبر هاشمي رفسجاني، رئيس سابق لإيران، يمثلان الداعمين الرئيسيين له، كما أن كلًّا منهما عضوان في المجلس ويسعيان للفوز بفترة جديدة تمتد لثماني سنوات، وهي مدة قد لا يبقى فيها خامنئي على قيد الحياة.
من غير المرجح أن يُنظر إلى محمد خاتمي، آخر رئيس إيراني إصلاحي وشخصية أخرى مقربة للخميني، على أنه مرشح محتمل. قامت السلطات بحظر توزيع صور خاتمي بعد أن وصفته “بالمثير للفتن” بسبب دعمه للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في العام 2009، ما يؤشر على حدة التوتر في رأس النظام السياسي في إيران. لكن الرئيس الإصلاحي السابق أظهر أنه لا يزال يمتلك ثقلًا سياسيًا بعدما تمكن من إقناع محمد رضا عارف، إصلاحي آخر، بالانسحاب من سباق الرئاسة في العام 2013، ما أتاح لروحاني الفوز بأصوات الناخبين المعتدلين.
لكن هناك أطرافًا أخرى في النظام السياسي الإيراني ترغب في أن يبقى الخميني بعيدًا عن الحياة العامة. يعرفه أعداؤه المحتملون بأنه رجل دين معتدل، مثل روحاني، ولكنه أكثر شبابًا ويملك حسًا إصلاحيًا. ويخشي الجناح المحافظ في إيران، الذي ضعُفت شوكته ويشعر بالغضب بالفعل بسبب الاتفاق النووي الذي أبرمه روحاني؛ من أن انتخابات مجلس الخبراء والبرلمان المزمعة في الـ26 من فبراير قد تشهد المزيد من الانحسار لنفوذهم. وإذا ما سارت الأمور بشكل سيء بحق بالنسبة للمحافظين، فقد يحلون في المرتبة الثالثة في البرلمان، وذلك خلف المعتدلين المدعومين من روحاني وفصائل إصلاحية أخرى قوية.
كما أن المؤسسة العسكرية القوية في إيران تحشد ضد فكرة أن يخلف خامنئي شخص واحد، ولكن بدلًا من ذلك يجري تشكيل هيئة لاتخاذ القرار تتألف من أبرز الشخصيات في البلاد. وهي فكرة أثارها المقربون من رفسنجاني، وهو شخصية تحظى بمعارضة شديدة من الجيش.
“إذا ما أصبحت القيادة بين يدي مجلس ما، ستعاني البلاد وستنهار وحدتنا في مواجهة أميركا والصهاينة وأعدائنا من الإمبرياليين” قال حسن فيروز عبادي، رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية، في نفس اليوم الذي أصبح فيه الخميني مرشحًا سياسيًا.
ليست هذه هي المرة الأولى التي سيخاطر فيها الخميني في مواجهة أكثر الأشخاص ولاء لخامنئي. وفي إشارة إلى التوتر السائد طويلًا قبل أن يعلن خوضه الانتخابات، هددته حركة أنصار حزب الله؛ فصيل يتمسك بمبادئ الثورة، قبل سبعة أشهر من إلقائه خطابًا عامًا.
وبالنظر إلى النسل الذي ينحدر منه الخميني الشاب، سيمر المتشددون بأوقات عصيبة لإظهاره بمظهر المتمرد على حدود النظام السياسي الإيراني. ولكن لقبه قد يمنحه حماية كبيرة إذا ما اختار الانحياز إلى الإصلاحيين، والوقوف في وجه المؤسسة الدينية المحافظة التي يدين لها الجيش بالولاء. كان كل من الحرس الثوري والباسيج قد ردا بعنف مفرط على الحركة الخضراء المناصرة للديمقراطية التي صعدت في العام 2009 بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد، وهو رد لم تسلم منه عائلتا موسوي وكروبي، شخصيتين بارزتين للثورة الإسلامية، وصديقين للخميني الأكبر.
اليوم، تحيط القوى نفسها بروحاني. فقد استخدموا سلطاتهم لإحراجه وذلك بالاعتقالات التي وقعت مؤخرًا لأجانب وإدانة صحفي يعمل لحساب الواشنطن بوست بالتجسس. بل إن قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد علي جعفري، قد حذر بشدة من أن الصفقة النووية يمكنها أن تطلق محاولة جديدة لإسقاط النظام.
“نحن نعتبر المفاوضات مرادفًا للاختراق” قال القائد العسكري القوي بشأن ما حققه روحاني. “ومن المؤسف أن بعض المسئولين هنا لا يدركون ذلك”.
لم يوجه الرئيس بعد انتقادات علنية إلى الحرس الثوري، لكنه ألمح مرارًا إلى انزعاجه من القوة ومن المتشددين الآخرين في إيران، مثل القضاء ووسائل الإعلام المحافظة التي تعمل على تقويض حكومته.
“أنت تعلم من بعض الصحف عمن سيجري اعتقاله غدًا، وما الذي سيجري إغلاقه غدًا، وأي شخصية يجب الإساءة إلى سمعتها” قال روحاني في الثامن من نوفمبر، وذلك بعد أقل من أسبوعين من احتجاز الحرس الثوري رجل الأعمال الأميركي الإيراني سياماك نامازي. وبينما تحدث روحاني عن عملية تبادل للسجناء، التزمت السلطة القضائية الصمت تجاه طول العقوبة التي أنزلت برازايان، وهي إشارة على عمل السلطة القضائية ضد الرئيس.
يستمر موسم الحملة الرسمية للانتخابات المزمعة العام المقبل لمدة أسبوعين فقط بالنسبة لمجلس الخبراء، وأسبوعًا واحدًا بالنسبة للبرلمان، لكن معركة كسب النفوذ مستعرة منذ شهور. تحمل انتخابات مجلس الخبراء نفوذًا أكبر من المعتاد، وذلك بسبب التكهنات المستمرة بشأن صحة خامنئي. فهو يبلغ من العمر 76 عامًا وخضع لجراحة لإزالة البروستاتا في العام 2014. يُنظر إلى المرشد الأعلى على أنه شخص فوق الانتقاد، ولكن يتزايد الحديث حول من سيخلفه وحظي بمباركة رسمية. فقد كشف رفسنجاني مؤخرًا، الذي وعلى الرغم من أنه يكبر خامنئي سنًا لا يزال ينظر إليه على أنه خليفة محتمل، عن أن المجلس قد بدأ يبحث عن بديل محتمل.
وبينما يعد ذلك اعترافًا مثيرًا في حد ذاته، يتخذ الإعلان منحى جديدًا بسبب دخول الخميني إلى مجال السياسة. وتعاني الدائرة الضيقة المحيطة بخامنئي من صعوبة في تحديد خليفة محتمل يمتلك التوليفة الضرورية من الممارسة الدينية والتأثير السياسي والكاريزما العامة لقيادة البلاد. وعلى جميع الأسماء التي ذكرناها آنفًا، يحمل الخميني العمامة السوداء، التي تشير إلى نسبه المباشر إلى النبي محمد.
وعلى الرغم من أن اسم الخميني وحده لن يضمن له وظيفة المرشد الأعلى، فقد يتغير الموقف. فقد يؤدي قضاء بعض السنوات في مجلس الخبراء إلى صقل إمكانياته، وتحييد مشكلة صغر سنه.
ما لا شك فيه هو أن الخميني الشاب أضحى رجل اللحظة، معيدًا الحياة إلى السياسة في إيران ورافعًا مستوى التوقعات إلى أعلى مدى. ومثله مثل جده، فلعله يصبح شخصية رئيسية في لحظة حرجة في تاريخ البلاد السياسي. ولكن يلزم عليه أولًا تجاوز نفوذ منافسيه من المتشددين.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».