كان فيصل عدي فيصل (25 عاما) مفعما بالآمال حين شد الرحال الى اوروبا في ايلول/سبتمبر الماضي تاركا وظيفته البسيطة في وزارة التربية العراقية. وقال فيصل “كنتُ اتخيل حياة جميلة ، حياة آمنة ، بشقة وراتب”.
ولكن فيصل بعد رحلة محفوفة بالاخطار على امتداد شهر تكللت بوصوله الى السويد قرر العودة الى العراق. وأكد مسؤولون عراقيون وأمميون انه واحد من بين أعداد متزايدة من العائدين.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة انها ساعدت 779 عراقيا على العودة من اوروبا بارادتهم في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وهو رقم يزيد أكثر من مرتين على عدد العائدين في الشهر الذي قبله. ولا تشمل هذه الأرقام العائدين بمفردهم دون مساعدة مثل فيصل.
وقرر بعض العراقيين العودة بعد ان سأموا من عملية طلب اللجوء المعقدة أو أُصيبوا بالخيبة لعدم توفر فرص العمل أو شعروا بالحنين الى الأهل والأصدقاء فيما أُجبر آخرون على العودة حين رُفضت طلبات لجوئهم.
وقال فيصل لصحيفة واشنطن بوست متحدثا عن الشهور التي قضاها في مركز للاجئين قرب مدينة مالمو السويدية “كانت الحياة مملة هناك ، طعامهم لا تأكله حتى القطط”. واضاف “ذهبتُ الى اوروبا واكتشفتُ ان اوروبا مجرد فكرة ، وانها في الحقيقة مثل منطقة الباب الشرقي” وسط بغداد.
واعترف فيصل بأنه غادر لأسباب اقتصادية وقال انه قرر “ان ينسج قصة” عن تعرضه الى تهديد الميليشيات. وأقر “لو كنتُ في خطر لما عدتُ”.
أنفق والد فيصل 8000 دولار على ايصال ولده الى اوروبا وتوسل الابن به ان يرسل اليه نقودا للعودة الى العراق. وقال عدي فيصل محيي والد فيصل ان ابنه “افتقد الخدمات هنا. ففي البيت يجد كل شيء جاهزا له”.
وأكد ستار نوروز المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين “ان هناك آلاف العراقيين الذين عادوا وآلافا أكثر يريدون العودة”. وتعمل السفارات العراقية في اوروبا ساعات اضافية لتوفير وثائق سفر مؤقتة للعائدين.
واشار نوروز الى ان الكثير من العراقيين الشباب استدرجتهم التقارير التلفزيونية عن توافد مئات الآلاف على اوروبا في الصيف. وبحسب ارقام الأمم المتحدة فان العراقيين يشكلون 8 في المئة من زهاء مليون لاجئ ومهاجر وصلوا الى اوروبا بحرا هذا العام ، أي نحو 80 الف عراقي.
ولفت نوروز الى ان هذا “كان له تأثير مباشر على من يحتاجون حقا الى اللجوء” لأن “هناك بكل تأكيد كثيرين عانوا من العنف”.
ومن هؤلاء ابراهيم عبد الله ، الايزيدي الذي انفق 11 الف دولار للوصول الى المانيا ولكنه بعد ان انتظر اربعة اشهر للنظر في طلبه اللجوء فضل العودة الى مخيم اللاجئين الذي غادره في شمال العراق في تشرين الأول/اكتوبر الماضي.
وكان عبد الله هُجر مع عائلته حين سيطر تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” على قضاء سنجار ذي الأغلبية الايزيدية العام الماضي. وقُتل عدد غير معروف من الرجال الايزيديين ودُفنوا في قبور جماعية فيما باع داعش نساءهم في سوق العبيد بوصفهن سبايا.
واستعادت القوات الكردية السيطرة على سنجار مؤخرا ولكن القتال والضربات الجوية الاميركية احالت المدينة ركاما من الخرائب. وما زالت قرية عبد الله على اطراف المدينة تحت سيطرة داعش.
ورغم ان عبد الله لم يعد يملك شيئا يعود اليه فانه اصبح قلقا من ألا تسمح السلطات الالمانية بلم شمل عائلته وألا يستطيع رؤية زوجته وابنه البالغ من العمر 16 عاما.
قال عبد الله “انه مخيم هناك أو مخيم هنا”. واضاف انه لم يفارق عائلته ذات يوم وانهم ألحوا عليه ان يبقى في المانيا ولكنه لم يستطع البقاء. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن عبد الله قوله “كنتُ أُريد نقل عائلتي الى اوروبا حيث السلام والأمن ، حيث نُعامل كبشر. فنحن هنا كأقلية لا نشعر اننا مقبولون”.
كان وسام رزاق (34 عاما) يعيش في بيت مستأجَر مع زوجته واطفاله الأربعة قبل ان يغادر الى فنلندا في ايلول/سبتمبر الماضي. وباع سيارة التكسي التي كانت مصدر رزقه لتغطية تكاليف رحلته الشاقة التي استمرت 27 يوما من العراق الى فنلندا.
وكان شقيقا رزاق قُتلا في اعمال العنف الطائفي ، احدهما في عام 2006 والآخر في العام التالي. وكان الحي الذي يسكنه يُستهدَف دائما بالسيارات المفخخة. وشعر ان لديه قضية عادلة وحقا مشروعا في اللجوء واستقدام عائلته للالتحاق به.
ولكن مقابلة واحدة جرت معه في الاسبوع الأول من وصوله للنظر في طلبه خلال الخمسة واربعين يوما التي قضاها في فنلندا. وشعر انه شخص غير مرغوب فيه حين نظمت الأحزاب اليمينية احتجاجات ضد اللاجئين.
وقال رزاق “لو وجدتُ 20 في المئة فقط مما كنت أتخيله لبقيتُ” في فنلندا.
وبعد ان فقد رزاق مصدر رزقه انتقل مع عائلته الى غرفة في بيت أهله. وقال رزاق “ها أنا عدتُ وعلي ان ابدأ مجددا من الصفر. ان كل جهودي ومعاناتي كانت من أجل لا شيء”.
ايلاف