حسين آيت أحمد: المعارض الأبديّ.. «من قال لا في وجهِ من قالوا نعم!»

آخر تحديث 2016-01-03 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

عبد الرحمن ناصر

12

Follow @AbdoNasser24

أن تكون وطنيًّا اليوم، يعني أن تكون مناضلًا من أجل الديموقراطية *حسين آيت أحمد

بدأت الجزائر العام الجديد بتشييع جنازة الأب الأخير لثورتها المجيدة، الثورة التي استطاعت عبر نضال سنواتٍ وسنوات أن تصل بالجزائر لبرّ الاستقلال. هو حسين آيت أحمد، الذي كان أحد التسعة الذين فجَّروا ثورة التحرير الجزائريَّة. في منطقة القبائل كان الاستقبال، «الاستقبال» لأنّ آيت أحمد لم يعش في الجزائر مثلما عاشَ في المنفى، ولهذا قصَّةٌ أخرى.

استقبلت جثَّتهُ أوّلًا الحكومة الرسميَّة، التي لم يكن يومًا مؤيدًا لها، رئيس مجلس الأمة الذي ينوب عن الرئيس بوتفليقة، ورئاسة الوزراء بكل وزرائها، وكتيبةٌ من الحرس الجمهوري قامت بتأدية السلام الشرفيّ أمام نعشه، الذي حُمل على أكتاف ضباط الدفاع المدنيّ ملفوفًا بالعلم الجزائريّ. لم تكن هذه هي الجنازة بالطبع، كان هذا الاستقبال، الذي ربما لم يكن آيت أحمد يفضِّله، فقد كان يريدُ أن تكونَ جنازتهٌ شعبيَّةً في المقام الأوَّل. وهذا ما حدث.

الجنازة المهيبة:


في منطقة القبائل، حيثُ ولد آيت أحمد كان التجمُّع الشعبيّ، على الجبال وفي الشَّوارع، الآلاف والآلاف يشيِّعون «المعارض الأبديّ للنظام الجزائريّ»، يشيِّعونه بهتافاتهم «جزائر حرة ديموقراطيَّة»، وكأنّ صرخات المشيعين وهتافاتهم تحملُ مطالبهم التي نادى بها آيت أحمد بعد الثورة مباشرةً ولم يسمعهُ رفاقه، كما تقول الروايات التي تقول إنه وبعد انتصار الثورة الجزائرية كان آيت أحمد يدافع عن الديموقراطية، ويستند إليها في مقابل الشرعية الثورية التي استند إليها غيره من الرفاق.

هذا بالتحديد ما دفعه بُعيد الثورة للتمرد على رفيقه أحمد بن بلة، الذي كان آيت أحمد يقول إنه نحا بالجزائر نحو الاستبداد، وخرجَ إلى منطقة القبائل من جديد متمرِّدًا بصورةٍ مسلحة! استطاع بن بلة أن يقبض عليه ويحكم عليه بالإعدام، لكنّ الحكم تمّ تخفيفه، بعد أن توصَّل هو وبن بلة لاتفاقٍ لم يتمّ؛ لأن هواري بومدين كان قد أطاح ببن بلة تمامًا، هنا لم يكن أمام آيت أحمد سوى الهرب من السجن والعيش بالمنفى! المنفى الذي فضلهُ على أن يعيش بالجزائر التي لم يردها هكذا يومًا.

ربما يمكنُ أن يصفهُ البعضُ بالفشل لأنَّه لم يستطع أن ينجح في فرض تصوراته، لكنّ الرجل لديهِ قناعاته الخاصة المتعلقة بالديموقراطية التي يجب أن تسود بلاده، كما كانت لديه قناعاته الخاصة بالنضال العسكريّ، والعسكريّ وحده كطريقٍ لانتصار الثورة وتحرير بلاده. هذا التصميم وتلك الرؤية العسكرية النضالية جعلتهُ رئيسًا للمنظمة الخاصة التي اقترح إنشاءها عام 1947 لتكوين الكوادر العسكرية لتطوير العمل المسلح في مواجهة الاستعمار.

أصبح آيت أحمد قائد المنظَّمة الخاصة الثاني، وكانت أبرز عملياته، عملية بريد وهران التي أشرف عليها هو وأحمد بن بلة، والتي انتهت بالاستيلاء على مبلغٍ ماليٍّ كبير دون إراقة دماء. بعدها أصبحَ عضوًا للجنة المركزية لحركة انتصار الحريات والديموقراطية. في اللحظات الثورية الكبيرة يختلف القادة بعد انتصار الثورة، وحتى أثناء العملية الثورية نفسها، فقد تمت تنحية آيت أحمد عن رئاسة المنظمة الخاصة عام 1949 وخَلَفَه في رئاستها بن بلة.

الرجل الذي توفي في 23 ديسمبر الماضي ودفن الجمعة الماضية، كان قد واجه في شبابه أول عملية قرصنة جوية تقوم بها سلطات الاستعمار الفرنسيّ، بتغيير وجهة الطائرة التي كان يستقلَّها آيت أحمد ورفاقه: أحمد بن بلة، ومحمد بوضياف، ومحمد خيضر. سجنوا أربعتهم عام 1956 وحتَّى وقف إطلاق النار، ثم انتصار الثورة الجزائريَّة.

اختلف الرفاق فيما بينهم بعيد الثورة، حتى قاد حسين آيت أحمد تمرُّدًا عسكريًّا على صديقه بن بلة، ولكنه فشل عام 1964. الاختلاف أوصل آيت أحمد بعد هربه من السجن إلى منفاه بسويسرا، أكمل حياتهُ من هناك ونال الدكتوراه في القانون، إضافةً إلى معارضته لجميع أنظمة الجزائر التي جاءت بعد الثورة! ما جعل لقبه هو: المعارض الأبدي للنظام الجزائري.

عام 1963 أسس آيت أحمد حزب جبهة القوى الاشتراكية، والذي ظل زعيمًا له حتى العام 2012. عاد آيت أحمد إلى موطنه عام 1989، وشارك حزبه في الانتخابات الولايات ثم الانتخابات النيابية، ولكنه آثر المنفى على وطنٍ يضيقُ به من جديد، فعاد لمنفاه عام 1992 بعد أسابيع من اغتيال رفيق دربه محمد بوضياف. ولكنه عاد وترشح للانتخابات 1999 الرئاسية، وانسحب منها لأنه اعتبر أنَّ الانتخابات محسومة لمرشَّح النظام، ورغم انسحابه فقد حل في المرتبة الثالثة بعد الرئيس بوتفليقة.

رفض حزبه استخدام السيارات الرسمية في جنازته، لأنه أراد جنازةً شعبيةً متكاملة، ولأنه كان معارضًا للنظام الجزائري. انطلقت السيارات صبيحة الجمعة من العاصمة الجزائرية إلى حيث تقع قريته، على بعد 160 كيلو مترًا. فالوطن الذي ضاق عليهِ مرارًا، يستقبلهُ الآن من جديد، ليواري التراب آخر آباء ثورة الجزائر الذين فرقتهم سبل الحياة والسلطة، وليدفن في قريته إلى جانب قبر والديه.

كان الرئيس بوتفليقة قد أقر ثمانية أيام حدادًا على وفاة آيت أحمد، ووجه رسالة إلى عائلته يقولُ فيها:

كان مخلصًا لوطنه، جريئًا في مواقفه وفيّا لمبادئه لطيفا في تعامله بنّاء في انتقاداته، شريفًا في معارضته لبعض المسئولين الذين كثيرًا ما اختلف معهم في نمط الحكم.