أسامة عرعارFollow @ArrarOussama
خرج مؤخرا صراع السلطة ضمن دائرة الحكم، التي حكمت الجزائر لعقود، إلى العلن مع اتهامات بمحاولة انقلاب، كما أن الاسئلة كثرت بخصوص صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ما يتكشف للعيان بشكل شبه يومي أثار وأقلق الجزائريين كما زاد من خوفهم الذي يتجاوز حدود هذا البلد الذي حُصِّن ضد زحف الجماعات الجهادية بفضل الاستقرار النسبي واحتياط النفط.
إن الوضع الصحي لبوتفليقة صاحب الـ78 عاما غامض جدا، فقد أصيب بجلطتين في الأعوام الأخيرة، حتى إن أقرب شركائه البارزين طلبوا أمام الملأ أن يروه ويتأكدوا من أنه مازال قادرا على اتخاذ القرارات، ولكن الرئيس يبقى معزولاً حتى إن بعضهم لم يلتقه لمدة تزيد عن سنة كاملة.
كما أن الشكوك ازدادت موازاة مع غياب أية إمكانية للقاء الرئيس؛ حول أن مجموعة من الأشخاص من الفئة الحاكمة يتزعمها السعيد، شقيق عبد العزيز، نجحوا في تنفيذ انقلاب داخلي، وهم الآن يحكمون الدولة باسم الرئيس.
في حوار مع جريدة الوطن، إحدى الجرائد اليومية المستقلة، قال المجاهد البارز لخضر بورقعة: ” يتملكنا إحساس بأن الرئيس اُخِذ كرهينة من طرف محيطه، وما جعلنا نتحرك هو شعورنا بالفراغ الفظيع على مستوى رئاسة الجمهورية”.
وفي غضون ذلك، سواء كان الرئيس هو من يتخذ القرار أم أولئك الذين يعملون من خلفه، فقد تم اتخاذ خطوات أولية تمهيداً لمرحلة انتقالية: تصفية جهاز الاستخبارات، حبس جنرالات في الجيش وتمرير مجموعة قوانين تضمن عقوبات جديدة وقاسية للصحافيين ولأولئك الذين يُخِلّون بـ “الروح القومية”.
قال عمر بلهوشات، مدير عام جريدة الوطن التي ما انفكّت تكشف عن كل ما يخص الأشخاص المقربين من الرئيس، بأنه يوجد صراع شرس فيما يتعلق بتسلم مقاليد الحكم، ولا يمكن لأي شخص التنبؤ بأن هناك شيئا ما سيحدث”.
ومن بين إحدى التطورات المفاجئة التي طرأت كانت التشكيك العلني في قرارات الرئيس المزعومة من طرف مجموعة الـ19 التي تضم شخصيات ذات نفوذ طلبت مواجهة الرئيس أمام الملأ، ومن بينهم أبطال وطنيين كبورقعة والمجاهدة زهرة ظريف. أيضا السياسية لويزة حنون رئيسة حزب العمال التي سُجنت في زمن الأحادية الحزبية، والتي قالت إنها تشك في أن الرئيس استلم رسالة المجموعة التي تطلب لقاءه.
وفي حوار لها مع يومية الوطن قالت حنون:” أنا مقتنعة لو أن الرئيس قرأ رسالتنا، لكان اتصل ببعض أعضاء المجموعة، فعندما يكون أي فرد مقعداً بسبب المرض ولا يستطيع التحرك، فسيعتمد في قضاء حوائجه على الآخرين”. وكانت حنون قد اتهمت زمرة من دائرة الحكم وبعض الوزراء بالتلاعب بالرئيس من أجل تمرير قوانين تخدم مصالحهم.
وفضلا عن هذا، فقد شكك كل من حنون وبورقعة بالقرارات الحكومية الأخيرة، وقالا بأنها ليست من عادة الرئيس إصدار مثل هذه القرارات كحبس اثنين من كبار جنرالات الجيش.
ومن جهة أخرى، قال علي بن فليس، رئيس وزراء سابق وصاحب المركز الثاني في الانتخابات التشريعية السابقة، بأن صحة الرئيس السيئة أدت إلى شغور في السلطة، والتي بدورها سمحت لجماعة من حوله بتولي المسئولية. وتابع قائلا بأنه توجد قوى غير قانونية استولت على السلطة من الشخص المكلف برئاسة الجمهورية، كما أنه وصف المسئولين عن ذلك بأنهم أناس ذوو معاملات مشبوهة انجذبوا نحو الرئيس.
لم يقف بن فليس عند هذا الحد، بل أردف قائلاً: “تلك القوى استولت على السلطة وأدارت شئون البلد مكان الرئيس، وهذا لم يكن ليحصل لو لم يكن هناك شغور في السلطة”.
أما الأحزاب المعارضة فقد حذرت من انعكاسات كبيرة، حيث يقول عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم:” يقلقني استقرار البلاد وما آلت إليه الأوضاع، توجد هناك مشاكل اقتصادية إلى جنب المشاكل السياسية، وهذا راجع إلى الانخفاض الحاد في أسعار البترول”.
حُكمت الجزائر لمدة طويلة من طرف العسكر ومنظمات سياسية يُشار إليها بالقوة أو السلطة حيث يتم التوصل إلى قرارات خلف الكواليس من خلال نظام الإجماع. وقد يكون هذا الإجماع غير قابل للتغيير على حسب قول المعلقين السياسيين.
ومن الأحداث التي عصفت بالجزائر تصفية جهاز الاستخبارات، وإقالة رئيسه المخيف الفريق محمد مدين في سبتمبر، كما اعتبره البعض زلزالا سياسيا بالنسبة للجزائر. مدين المعروف بتوفيق، ترأس جهاز الاستخبارات لمدة 25 سنة، شخصية مبهمة وذات نفوذ، حيث لم يظهر في وسائل الإعلام إطلاقا ولم يتحدث أمام الملأ. قاد حرباً قاسية ضد المتمردين الإسلاميين في التسعينات، تلاعب بنتائج الانتخابات، وهيمن على السياسة من خلال ملفات ضغط على كل الأشخاص تقريبا.
تقول الأحزاب المعارضة بأن مدين نظم الانتخابات الرئاسية في أفريل 2014 لضمان عهدة رابعة لبوتفليقة، ففاز بوتفليقة بنسبة 81 بالمائة من الأصوات، بالرغم من أنه قضى عدة أشهر في المستشفى، ولم يظهر للعيان، ولم يُلق أي خطاب أثناء فترة ترشحه. ومع ذلك فقد مدين شعبيته بعد إعادة انتخاب بوتفليقة حيث ظهر هذا الأخير، أو المحيطون به، على رأس سلطة قوية بدونه.
وكنتيجة، نالت القلة الحاكمة المرتبطة بشقيق الرئيس ومستشاره الوجاهة، بينما أاستبعد بعض الأشخاص كمجموعة الـ19.
وتم منذ الصيف سجن ثلاث جنرالات وإقالة العشرات من الضباط، وفي أوت، اُوقف الجنرال عبد القادر آيت وعراب المدعو حسان المسىول الأول عن مديرية مكافحة الإرهاب. وفي نوفمبر تم محاكمته بالسجن لمدة 5 سنوات بتهمة إتلاف وثائق عسكرية ومخالفة التعليمات. احتج محاميه بأنه لم تتم محاكمة الجنرال محاكمة عادلة، وتحديدا لم يُسمح له بالاتصال برئيسه السابق مدين كشاهد.
مباشرة بعد الحادثة، خرج مدين للعلن للمرة الأولى مصرحا بأن الجنرال حسان كان ينفذ أوامره وأنه يجب إطلاق سراحه فوراً.
كتب المعلق السياسي نورالدين بوكروح في الجريدة اليومية “مساء الجزائر” الناطقة بالفرنسية بأن كل شيء أصبح فجأة واضحا، الفساد الكبير والعهدة الرابعة للرئيس قسّما العسكر والطبقة السياسية وانتشر هذا الخبر في وسائل الإعلام بطريقة لم يسبق لها مثيل.
ومن خلال كل هذا، يكتفي الرئيس بوتفليقة بالصمت، ويتواصل من خلال رسائل إلى الحكومة من حين إلى آخر تاركاً أقرب الناس إليه يتساءلون: من يحكم فعلاً؟
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».