في بداية سنة 2015، كان هناك اعتقاد وهمي بإمكانية إنجاز المهمات الوطنية الأساسية، وفعلا إعتاش البعض منا على تلك الأوهام التي تعاركت فيما بينها كالخراف المتجهة صوب المذبحة، وبعضنا كابر في أحايين عدة لكي لا يتذكر الماضي ولايرى الحاضر وما على المرآة، لذلك مجد الاوهام التي تسكنه، وسار خلفها، بل حاول ان يعيد انتاجها، بدلا من أن يتحرر منها أو في الاقل ينتقل الى حالة لايرفض فيها ما تنقله عينه، أو يعتبر الشك خياراً، أو يعتقد أن بإمكانه عدم الامتثال لشكل الحياة المفروضة عليه، وعدم تنفيذ التوجيهات التي تتقولب بصيغة أوامر وتوجيهات تصدر ممن حوله، بل، وبمرور الوقت، تحول خياراته الى مسلمات، والتوجيهات والاوامر الموجهة اليه إلى أمورعادية منسجمة مع وجوده، لاتحتاج التساؤل حول صحتها أو أهميتها في حياته اليومية، وعند هؤلاء أصبح التفاعل مع المعطيات حسب دقة الخضوع لها من دون رفض أو رد فعل، أما الاستجابة لتأثيراتها فإنها تحولت إلى استجابة لا إرادية وربما ميكانيكية.. وبعضنا ساهم دون ادراك في مصادرة حقوقه في الشك والتساؤل، فغمض عينيه كي لايمكنه الوصول الى الحقائق، او حتى التوجه نحو اليقين، وهذه الحالة أسفرت عن شعور حاد بالتراجع والعزلة والاغتراب والتنازل عن حريته الانسانية في الشك، وإختار بمحض إرادته أن لا يشك أو يتساءل..
وفي نهاية (السنة) لاحظنا أن الفشل في الحفاظ على المكتسبات القليلة والضئيلة والبسيطة، أصبح مفردة سياسية متداولة وعلامة فارقة وعابرة للسياسة والاقتصاد ولكل الاحوال في كافة المجالات، وكان سببا لأزمات وإخفاقات عميقة ستظل تلاحقنا ونعاني منها في العام المقبل، وربما في الاعوام المقبلة، في مؤسساتنا وعقليات ومناهج تفكيرنا وطريقة ادارتنا لنظام حياتنا. لذلك سنراقب وربما نكثر في إطلاق الاسئلة حول الأشياء والأشخاص، وحينها تتشكل لدينا أنواعاً من الريبة والخوف والقلق، بشأن إصدارالأحكام، أو إتخاذ المواقف مع أو ضد الآخر، أو بخصوص ربط قوانين الفهم والعقل والتفكير بمفاهيم القدرة على رؤية النجاح والتناغم مع أسرار الحياة.
مع ذلك، ونحن نودع سنة ونستقبل أخرى، نقول كل الطرق مفروشة بالنيات، بعضها، طيبة، وبعضها غيرطيبة، وهناك بونا واسعا بين الواقع والطموح، وما شهده العراق منذ عقود على يد البعث الفاشي والقائد الضرورة وحروبه الهوجاء وسياساته الكارثية (خلال 35 سنة عاجفة)، والجماعات الارهابية وسياسيي الغفلة (خلال12 سنة)، لاتختلف كثيرا في عجافتها عن التي سبقتها، وتدل على أن الذي تم تركه للتاريخ من أفعال تختلف كثيراً عن الأقوال، وهى التي ستبقى عنوانا بارزا لمعاناة الكثيرين وتوتراتهم التي أصبحت أكثر حدة وفي أعلى المستويات.
أما الناس المبتعدون عن المثاليات، فإنهم متأكدون من دفع الاثمان السياسية المتناقضة من الارهاب وارتداداته، والإقتصاد وصعوباته، والحياة ومشقاته، ولكنهم يتمنون دفع أقلها، ويتمنون أن يستطيعوا المشاركة في إشاعة السلام وإعادة الأمان واسترضاء الإخوة والأشقاء، وعدم سفك دماء ابنائهم وتوفير قدر معقول من الخدمات الاساسية ليعيشوا كباقي الشعوب، لأنهم عانوا كثيراً من الضيم ومن تداعيات التاريخ وظلم الحكام والمشاغلات الحزبية والضغوطات، ومن المفاهيم السياسية التي لاتغني ولا تسمن، ومن التوقعات والتحليلات المرة، والتكهنات بالصعاب التي أصابتهم بالصدمة والانتكاس وجعلتهم ينتجون الكثير من الافكار والحلول التي تدور حول الاصعب والاشد والاقسى، بدلا من الفاؤل وشحذ الهمم والتفكير بالحلول المستقبلية.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية