المنشقون عن «داعش»: ماذا قالوا؟

آخر تحديث 2016-01-04 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

ينضم الكثير من الشباب إلى تنظيم “داعش” بدوافع مختلفة في مقدمتها تحرير بلاد المسلمين، والدفاع عنها في وجه الطغاة، ولكن هذه الأحلام الوردية لا تصمد طويلًا، حيث تزايد مؤخرا عدد المنشقين عن “داعش”، بعد إحباطهم من الواقع السيء الذي عاشوه خلال تواجدهم في صفوف مقاتليه.

وتباينت الأسباب التي دفعت المنشقين لاتخاذ قرارهم، ومن أهمها رفض تصرفات التنظيم العنيفة التي يمارسها بحق المسلمين الآخرين، وأيضًا شيوع الفساد؛ فبعض المصادر تحدثت عن ذهاب الثروات إلى أشخاص بعينهم، وتعيين قادة معروفين بفسادهم، كما أن بعض الملتحقين بداعش كانوا يتوقعون مستوى معيشي أفضل مما وجدوه.

وبعد قراءة أكثر من شهادة لمنشقين يمكن القول إن الهروب من “داعش” ليس حلًا نهائيًا، فالكثير من هؤلاء ما زالوا يعيشون في رعب دائم، خوفًا من اغتيالهم على يد عملاء داعش، أو الملاحقة الأمنية بعد قيام التنظيم بإرسال صورهم ومعلومات عن بعضهم إلى الصفحات المناوئة لداعش على شبكات التواصل الاجتماعي.

معرفة تجارب هؤلاء المنشقين عن قرب تساهم في رؤية الوجه الآخر لـ “داعش”، والذي لا يظهر في مقاطعه المصورة التي يوثق فيها لانتصاراته ويفتخر ببطولاته.

حيل الاستقطاب الناعم

في المقابلة التي أجريت معه رفض حمزة الذي يبلغ من العمر 33 عامًا، الإفصاح عن اسمه الحقيقي، أو مكانه الحالي، كما تكتم على الطريقة التي هرب بها من التنظيم، واكتفى بالقول إنه ولد في مدينة الفلوجة العراقية، الواقعة تحت سيطرة داعش.

وفي حديثه كشف عن كيفية سيطرة التنظيم على المدينة، حيث في البداية كان التعامل مع الجميع برقة، ولم يُجبر أحد على الانضمام إلى صفوفه بشكل مباشر، وإنما كان ذلك يتم عن طريق عدة وسائل يكسبون بها حب الناس ودعمهم، مثل تنقلهم بين منازل المدينة يسألون سكانها عما يحتاجون، عارضين عليهم خدماتهم في النواحي المختلفة. وحرص التنظيم على تحسين صورته بتقديم محاضرات وندوات بعد الصلوات، يناقش فيها كيفية تطوير وتحسين المجتمع، مستخدمًا في عرض أفكاره آيات قرآنية وأحاديث نبوية.

إلى جانب ذلك كانت هناك مسابقات دينية للشباب فاز حمزة في مسابقتين منهم، وحصل على جائزة مالية في كل مرة وصلت إلى 300 ألف دينار عراقي، وكان ذلك سببًا قويًا ليبدأ إعجابه بالتنظيم، حيث رفض مغادرة الفلوجة بصحبة عائلته رغم مطالبة والده له بألا يتأثر بالجوائز المالية التي حصل عليها، لأنه سيتورط في النهاية في مشكلة معقدة لن ينجو منها بسهولة.

وبعد وعده لوالده بأنه سيلحق بهم إلى بغداد بعد عدة أيام، كان قد أخذ قراره بالانضمام لداعش، بعد ترشيح الداعية الذي تتلمذ على يديه، ليكون أحد أعضاء الكتيبة العسكرية في الفلوجة، والتي تدرب فيها على التمرينات الرياضية التي تساعده على سهولة الحركة.

وتسلسلت بعد ذلك الخطوات الأخرى فانتقل حمزة إلى كتيبة عسكرية خارج الفلوجة، عاش فيها شهرا ونصف، قضاها في تعلم فنون القتال وتلقي تدريبات ودورات عسكرية مكثفة، مثل كيفية إطلاق النار باستخدام الكلاشينكوف والتعامل مع القنابل اليدوية.

وجاءت الخطوة الفارقة عندما انتقل حمزة مع عدد كبير من الشباب إلى الرقة، حيث سيطر عليهم شعور بالفرحة الشديدة، وبرر حمزة ذلك بإحساسهم بأن التنظيم قضى على الحدود الحكومية، التي يصفها بأنها مجرد حواجز مزيفة.

استمرت تلك الصورة الرائعة عن “داعش” في ذهن حمزة، حتى جاء اليوم الذي طلب فيه قائده منه أن يحضر سلاحه ليشارك في قتل عدد كبير من السنة، الذين أُلقي القبض عليهم لعملهم مع الحكومة، ولكنه أصيب بالرعب لوجود بعض معارفه بينهم، مما أدى لرفضه القيام بالعملية، متحججًا لقائده بأنهم ليسوا شيعة، لينتهي الأمر بأن أوكل قتلهم إلى أحد المجاهدين الأجانب.

ولم تكن تلك الواقعة الوحيدة التي دفعت حمزة للتفكير في الهروب من التنظيم، حيث عُرض عليه وعلى مجموعه من زملائه المقاتلين حوالي 13 فتاة إيزيدية بغرض استغلالهن كمستعبدات جنسيًا، مما أدى إلى زيادة شكوكه بشأن صحة الطريق الذي يسلكه “داعش”، وبعد تلك الواقعة بفترة ليست طويلة أخذ قراره بالرحيل.

ونظرًا لعدم ثقته بأي شخص داخل التنظيم، استعان بأحد أصدقائه من الخارج، عن طريق تطبيق “فايبر”، مستغلًا شبكات الإنترنت التي يتيحها التنظيم لمقاتليه، وفي أحد الليالي كان يعمل حارسا لمدخل أحد الضواحي في الفلوجة، ترك المنطقة بعد هدوء الوضع وفرّ سريعًا، وبعد خمسة أيام وصل إلى منطقة آمنة، ولكن ما زال حمزة حتى اليوم يخشى تعقب داعش له، ويصف ردة فعلهم في حال عثورهم عليه بالعنيف والقاسي جدًا.

في داعش: فساد أمراء ومخدرات أيضًا!

“سبب الانشقاق الأول هو الظلم الكبير، والقمع الشديد غير المتوقع، الذي وصل إلى القتل مباشرة لمجرد مناقشتك أميرًا، ويلفقون لك تهمة شق الصف”، كان ذلك ما دفع أبو الوليد التونسي والذي كان يعمل مسؤولا ماليا في مستشفى الأمراض النفسية بالرقة، لمغادرة صفوف “داعش”، وتسليم نفسه للجيش الحر.

ويسرد التونسي في مقابلة مصورة ما رآه من انتشار للفساد بين أمراء التنظيم، وأبرز صوره قيامهم باختيار أجمل الأيزيديات ومعاملتهن معاملة سيئة، وترك النساء الأقل جمالًا لبيعهن للجنود، عن طريق إنشاء مجموعة في “تليجرام” باسم “سوق النخاسة”، يعرضون فيها صور الأيزيديات بغرض المفاوضة على أسعارهن، حيث وصلت سعر السبية الواحدة في بعض الأحيان إلى 13 ألف دولار، ولا يتوقف فساد الأمراء عند النساء فحسب إنما يمتد إلى الغنائم التي يحتكرونها، بل ويمتلكون السيارات، والمنازل، على العكس تمامًا من الجنود العاديين.

وفي شهادته فجر مفاجأة غير متوقعة، عندما أعلن أن أغلب الحالات التي كانت تأتي إلى المستشفى الذي كان يعمل فيه للعلاج من الإدمان هم من جنود الدولة، وكان معظمهم يدمنون إما على الأدوية المسكنة مثل “الترامادول”، أو الحبوب المخدرة كالهيروين، ويرجع سبب إدمانهم إلى أنه عندما يصاب أي مقاتل ولو إصابة طفيفة، يقوم المشرفون على علاجه بالإكثار من إعطائه أدوية شديدة التخدير، مما يجعل المصاب يستمر في إدمانه عليها بعد شفائه.

خطة اختراق الدول الغربية

أجرت إحدى الصحف البريطانية مقابلة مع أحد المنشقين عن داعش يُدعى مراد، كشف فيها عن قيام التنظيم بتدريب المئات من الجهاديين البريطانيين والأوربيين في سوريا لإنشاء خلايا إرهابية بعد عودتهم من هناك إلى بلادهم، عن طريق تلقينهم الأفكار المعادية للغرب، وتدريبهم على تجهيز السيارات المفخّخة وتفجيرها، وصناعة الأحزمة الناسفة.

ويتعرض هؤلاء الجهاديين لعملية غسيل دماغ، نجحت في جعل بعضهم يحددون أماكن بعينها يريدون تفجيرها في أوروبا والولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال يحلم المجاهدون الأمريكيون بتفجير البيت الأبيض.

أما السبب الذي دفع مراد للانشقاق فتثمل في مقتل أحد أصدقائه ويُدعى سلطان الشامي على يد “داعش”، وكان الشامي قد انشق عن الجيش السوري قبل عام وستة أشهر من مقتله وأصبح ناشطًا إعلاميًا، وواحدًا من المطلوبين من قبل النظام السوري، غير أن تنظيم “داعش” اختطفه وعثر عليه ميتًا في الطابق السفلي في أحد مقراته بعد عشرة أيام، مما جعل مراد يأخذ قراره بالهروب إلى تركيا.

من ينشق يطاله أذاهم حتى في تركيا

أحمد الجبوري أحد سكان حي سومر بمدينة الموصل بالعراق، والتي سيطر عليها داعش في يونيو 2014، بعد تحريرها من الحكم الطائفي الحكومي كما يصفه أحمد، ولذلك رأى أن نصرتهم واجبة شرعيًا، فقام بمبايعة التنظيم، والتحق بعد ذلك بجهاز الحسبة في المدينة.

وللعلاقات العائلية دورٌ في الحكاية فعمه “أبو ياسر”، كان من قيادات التنظيم في المدينة، وهو من رغبه في الانضمام إليهم، ولكن بعد 3 أشهر تغير رأيه نتيجة رؤيته بعض الحالات المتعارضة مع مبادئه: مثل: مصادرة منازل المخالفين للتنظيم حتى ولو لم يكونوا موالين للحكومة. ولم يكن ذلك هو الدافع الوحيد لأخذ الجبوري قراراه بالانشقاق فقد رأى ما يفعله “داعش” بدعوى إقامة الشريعة، على أنه تضييق للناس في أمور دينهم، مثل إجبار النساء على ارتداء النقاب.

ولكن الخروج من التنظيم ليس بالأمر الهين، وبقاءه في الموصل سيعرضه للقتل، لذلك اختار الخروج بصحبة عائلته دون أن يخبر أحدا، وسلكوا طريقًا ترابيًا إلى مدينة بغداد، حتى لا يمروا بنقاط التفتيش التي يقيمها “داعش” في الطرق الخارجية، وكان تصرفه في محله فبعد وصوله إلى بغداد أخبره أحد معارفه هاتفيًا، بأن منزله تمت مصادرته، وحكم التنظيم عليه بالردة.

ومن بغداد سافر الجبوري إلى تركيا تمهيدًا للجوئه إلى بلغاريا، وسُجلت شهادته أثناء انتظار دوره لكي يقوم المهربون بإيصاله إلى بلغاريا، لكنه رغم ابتعاده عن المناطق التي يسيطر عليها “داعش” فما زال خائفًا، حيث يخشى اعتقاله من قبل السلطات التركية، بعد أن قام التنظيم بإرسال صوره مرفقة بمعلومات عنه إلى صفحات معادية للتنظيم في وسائل التواصل الاجتماعي بهدف فضح أمره.