برز في تاريخ الولايات المُتحدة الأمريكية مجموعات “المحافظين الأمريكيين”، والتي جسدت صوت الحرب والحلول العسكرية باعتبارها وسائل لتقوية النفوذ الأمريكي في العالم، وهيمنتها على العالم بمرجعية ترجح الحلول العسكرية على الحلول الدبلوماسية أو السياسية، والتي تمنحها غطاءً دينيًا.
خلال السطور التالية، تحاول “ساسة بوست” التعرف على دراسة وجهات النظر الأساسية حول سياسة هذه المجموعات العالمية، ونهجهم المستمر حيال سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وحجم نفوذهم داخل أمريكا.
من هم المحافظون الجدد؟
مجموعة سياسية وتيارات فكرية أمريكية، تميل إلى اليمين المسيحي المتطرف، والتي تُـنظّـر للهيمنة الأمريكية في “العالم الجديد”، مُؤسسة هذه النظرية على القوة الأمريكية المُتعاظمة في الشرق الأوسط .
نشأت هذه المجموعات على أيدي مجموعة من أعضاء الحزب الديمقراطي الرافضين لسياسة اعتبروها لينة مع الاتحاد السوفيتي في السبعينيات.
وكان الدافع المحرك للحركة آنذاك هو معاداة الشيوعية، خاصة فيما يتعلق بمعاملة اليهود السوفييت، وانشقوا عن الحزب الديمقراطي، والتحقوا بالحزب الجمهوري ورحبت بهم حكومة رونالد ريغن في أواخر السبعينات، والتحق بعضهم بمناصب في تلك الحكومة، مثل ريتشارد بيرل الذي شغل منصب مساعد وزير الدفاع وكان يلقب باسم “أمير الظلام” للتعبير عن خطه السياسي الممعن في التشدد والتطرف نحو اليمين، وبول وولفوفيتز الذي شغل منصب وكيل وزارة الدفاع، حيث زادت هيمنتهم على السياسة الخارجية الأمريكية في عهد رونالد ريجان، الذي آمن بفكرة التصعيد، ورفض نقد اليسار اللاذع للثقافة الأمريكية.
سياسة المحافظين الجدد: الحرب هي الحرب
“الحرب هي الحرب” جسد هذا الشعار أحد مبادئ مجموعة المحافظين الجدد، إذ تمُثل الحرب العقيدة الأيدلوجية لهم في تطبيق سياساتهم في قيادة العالم، وتمكين الولايات المتحدة لسلطتها ونفوذها.
هذا الاعتقاد قادهم إلى الاستنتاج بأن إسقاط صدام سيرسل رسالة قوية ستدفع بالدول الأخرى في الشرق الأوسط إلى تملق أمريكا، وإذا واصلت أمريكا سياسة الضغط وإظهار القوة، فإن القوة العسكرية العظمى لأمريكا ستعمل بسرعة على تحويل المنطقة إلى بحر من الديمقراطيات المؤيدة والمنصاعة للولايات المتحدة.
يرثي إليوت كوهين -وهو من المحافظين الجدد- “حطام” سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويلقي لوم كل شيء على فشل إدارة أوباما في إدراك سياسة “الحرب هي الحرب” وإحجامه عن حشد الأمة لشن المزيد من الحروب.
كانت سياسة الحرب الدائمة التي اعتمدتها إدارة “جورج بوش”، جزء من إستراتيجية الرئيس الأمريكي الحالي “أوباما” في حملته الانتخابية، إذا عمد لتصوير أنه سينفذ سياسة انقلابية ضد بوش، بإعطاء أولوية للانسحاب من العراق، والتواصل مع إيران التي كانت في «محور الشر» سابقًا، وإنعاش عملية السلام. وكان هدف كل ذلك أن يبدو أوباما رئيسًا «تحوُّليًا» على الساحة الدولية، كما كان رونالد ريغان وقبله جون كينيدي، كما رأى الخبراء.
روبرت كاغان.. منبر المحافظيين الجدد في ولاية “أوباما”
“روبرت كاغان” هو المُنظر الأبرز لتيار “المحافظين الجدد” خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي “جورج بوش” من خلال التأصيل لأطروحات ونظريات تروج لأفكار هذه المجموعات من خلال كتاباته وعمله البحثي.
أطروحة “كاغان” تأسست على خلق ما يسميه “النظام العالمي الليبرالي”، من خلال ربطه بين أن الانتشار الواسع للديمقراطية والازدهار وفترات السلام بين القوى العظمى، تعتمد بصورة مباشرة وغير مباشرة على ممارسة الولايات المتحدة لسلطتها ونفوذها.
يوضح ” كاغان” المباديء المؤسسة لنظامه: “لا توجد قوة أخرى كان بإمكانها أن تؤثر على العالم بالشكل الذي أثر به الأمريكيون؛ لأنه لا توجد أمة أخرى تتمتع، أو تمتعت في أي وقت مضى، بتركيبة الخواص الأمريكية الاستثنائية”. الكتاب يحكي أسطورة خلق ما يسميه “النظام العالمي الليبرالي” الأمريكي، والذي يقع على الجمهوريين والديمقراطيين، على حد سواء، واجب خاص في الدفاع عنه ضد “الدوافع غير الليبرالية المتخلفة… الكامنة في البشرية”. في هذه الرؤية للعالم، أمريكا هي القدوة والاستثناء التاريخي على حد سواء، فهي مفتاح التاريخ وترياق للطبيعة البشرية غير الموثوق بها.
وبنت مجموعة المحافظين الجدد آراءهم الداعمة لحرب العراق ومعارضتهم الحالية للاتفاق الإيراني على أساس ينبع من وجهة النظر العالمية الأساسية للمحافظين الجدد والتي تؤطر كامل نهجهم المتبع تجاه السياسة الخارجية.
المحافظون الجدد.. الولاء لإسرائيل
يميل المحافظون الجدد للاعتقاد بأن ما يصب في مصلحة إسرائيل يصب في مصلحة الولايات المتحدة، والعكس صحيح، وهذا هو السبب في أنهم لا يرون أي تناقض ما بين ارتباطهم بإسرائيل وولائهم للولايات المتحدة.
وهو الارتباط الذي يعتقدونه “الركيزة الأساسية” للحركة بأكملها، نابع من إيمانهم بالوظيفة التي تؤديها إسرائيل أو اليهود كما جاء في التوراة تمهيدا لعودة المسيح عليه السلام. وأصول الدعم ترجع إلى أنه من الناحية الدينية يركز الكثير من القساوسة المتشددين في الولايات المتحدة خاصة فيما يعرف بولايات حزام الإنجيل Bible Belt في الجنوب الأميركي مثل تكساس وجورجيا، على الدراسات الخاصة بـ”نهاية العالم” وعودة المسيح ودور اليهود في معركة نهاية العالم أو هرمجدون ثم تحولهم إلى المسيحية أو فنائهم بالكامل.
ديك تشيني ودونالد رامسفيلد.. مُمثلي “المحافظين الجدد” في ولاية “جورج بوش”
خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش”، تعاظم نفوذ تيار المحافظين الجدد من خلال شغلهم مناصب فاعلة في صناعة القرار الأمريكي، وإحكام سيطرتهم على كافة دوائر الحُكم، والذي كان على رأس هذه المجموعة “ديك تشيني” نائب الرئيس الأمريكي، دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي السابق، وكونداليزا رايز وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابقة.
تُظهر واقعة تعديل محتوى خطاب كولن باول، وزير خارجية الولايات المُتحدة السابق، والذي كان مُقررًا له إلقاءه في الأمم المتحدة، عن حجم نفوذ مجموعة المُحافظيين الجدد في فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش”.
إذ تُظهر الواقعة، التي سرد تفاصيلها ” مايكل موريل، نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الـ (CIA) حتى عام 2013 في كتابه «الحرب الكبرى في عصرنا: معركة الـ CIA مع الإرهاب، من القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية»: ” أن يناير 2003 جاء “باول” خصيصا لمركز «وكالة الاستخبارات المركزية» طالبا من مسؤوليه ومديره جورج تينيت المساهمة في كتابة خطابه الذي كان سيلقيه في الأمم المتحدة. وقد امتثلت الوكالة لرغبته، وعمل كبار مسؤوليها لتلبية طلبه، ولكن بعد مرور الخطاب على مكتب نائب الرئيس تشيني تمَّ تبديل مقاطع فيه، وأضيفت وقائع وأفكار مغلوطة لم توردها الوكالة بل أضافها مساعدو تشيني ورامسفيلد وعلى رأسهم جون هانا ودوغلاس فايث وسكوتر ليبي، ومنها أن صدام حسين لعب دورا في هجمات 11 أيلول/سبتمر 2001، وأن صدام كان يملك أسلحة الدمار الشامل. ومع أن باول ألغى الكثير مما أُضيف إلى خطابه، فإن بعضها بقي وأضعف موقفه، وكل ذلك فُرض فرضًا على الخطاب بواسطة المحافظين الجدد، حسب الكتاب.
ويعتبر مايكل موريل، نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الـ (CIA) حتى عام 2013 أن فريق المحافظين الجدد المحيطين ببوش (تشيني، رامسفيلد، كوندوليزا رايس ورفاقهم) رافقوا بوش منذ تسلمه منصبه وأشبعوه بفكرة مواجهة العراق عسكريا المتواجدة في أجندتهم. وكان رأي موريل مخالفا لهذا الموقف حيث قال مباشرة بعد ورود موقف بوش: «لا شك أن حرب العراق دعمت توجهات القاعدة وساهمت في انتشار عقيدتها».
سعت هذه المجموعة لمد أواصر نفوذها خلال ولاية “أوباما” بدعم المجموعات المُنتسبة لهم، لكن خفت هذه النفوذ خلال ولاية أوباما في صناع القرار الأمريكي، مكتفية بسيطرتها على بعض المنابر الإعلامية، وتسويق أفكارها.
“داعش” و “الارهاب”.. محطتا ترويج “المحافظين الجدد” في انتخابات2016
تعتمد المجموعات المنتسبة لتيار “المحافظين الجدد” على الفشل في احتواء «داعش»، وتكرار وقوع الأحداث الإرهابية من خلال اعتداءات باريس في ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر)، ثم في اعتداء سان برناردينو في ٢ كانون الأول (ديسمبر) الجاري، لترسيخ القناعة الأميركية خارج الإدارة بأن الإستراتيجية الحالية غير كافية، وبأن الاحتواء الذي يعتمده أوباما فشل في حماية الأمن القومي الأمريكي، والترويج للخطاب المُحافظ .
كانت هذه المحطات، وتعثُّرات أوباما في بعض الملفات الخارجية وسياسته “الاحتوائية” دافعا مهما للمحافظين الجدد لاستعادة اللهجة المتشددة إلى حملات المرشحين الجمهوريين، الذين تتوافق ميولوهم الأيدولوجية مع هذه المجموعات كروبيو وتيد كروز ودونالد ترامب، الذين تعهّدوا بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، والتصعيد جوًا وبرًا ضد «داعش».
واشنطن تايمز.. المنبر الإعلامي الأهم للمحافظين الجدد
تأسست واشنطن تايمز عام 1982 على يد مؤسس كنيسة التوحيد الأمريكية «Unification Church» الملياردير ورجل الأعمال والقس (من أصل كوري) يدعى «سون مسونج موون». وادعى هذا الشخص قبل وفاته عام 2012 النبوة، وأن الله اختاره ليؤسس جنة الله على الأرض، ومنحه مبادئ ربانية تعتبر نسخة ثالثة من الإنجيل والقرآن حسب زعمه. وترتبط كنيسة التوحيد بعلاقات متشابكة مع قادة اليمين المسيحى المتطرف المعروف بولائه المطلق لإسرائيل، وعداء لكل ما يتعلق بالعرب والفلسطينيين والمسلمين.
يُنظر ل”واشنطن تايمز” على كونها المنبر الإعلامى الورقي الأهم للمحافظين الجدد في العاصمة الأمريكية بما توفره من مساحة لنشر بروباجاندا مؤيدة لسياساتهم ومواقفهم، وذلك منذ تأسيسها وحتى اليوم. واستدعى هذا الموقف استقالات عديدة منذ تأسيس الجريدة من صحفيين مستقلين لم يعرفوا مقدما، ولم يقبلوا لاحقا بأجندة الجريدة السياسية.
وتُعد الصحيفة منصة كتابات أهم كتاب المحافظين الجدد في أمريكا، ذوي الاتجاهات المُعادية لمفاهيم السلام مع الشرق الأوسط، والترويج لمعاداة العرب والمسلمين.
وكتبت صحيفة نيويورك تايمز عنها، قائلة: «مع اتجاهها التحريرى المحافظ أصبحت واشنطن تايمز مكانا يجذب صحفيين محافظين مثل تونى بلانكلي، وفرانك جافني، وأصبحت واجبة القراءة للمحافظين الجدد». ونظرة سريعة على سجل هؤلاء الكتاب كفيل بتأكيد توجهات الصحيفة.