بعد تنفيذ أحكام الإعدام في السعودية قامت الدنيا ولم تقعد في إيران رفضًا لها، فيما تشير كل التقارير والهيئات الدولية إلى أن إيران تعتبر من أكثر الدول ممارسة لأحكام الإعدام، وذلك إنطلاقًا من قضاء فاسد ومسيس، بالإضافة إلى الركون للخلفيات المذهبية والسياسية.
هيثم الطبش: تعتبر إيران من بين أكثر الدول التي تنفذ أحكام الإعدام، إن لم تكن أكثرها فعلاً، فهيئات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية غالباً ما تصدر بيانات وإحصاءات تُظهر أن سلطات طهران تُنفذ جرائمها في حق مئات الناشطين السياسيين ومعتقلي الرأي والمعارضين وسط نظام قضائي غير مستقل ويخضع للضغوط السياسية، ولا يوفر الحد الأدنى من المحاكمات العادلة. ويُحاكم المعتقلون الذين غالباً ما يكون منهم أفراد من الأقليات العرقية والدينية، أو بمن فيهم السجناء السياسيون الأكراد والسنة، بتهم من قبيل "محاربة الله" و"الفساد في الأرض"، وهي تهم غامضة وفضفاضة يمكن إلباسها لمن يريد النظام إسكات صوته.
حالياً، واستنادا إلى أعمال الرصد التي تقوم بها "منظمة العفو الدولية" وغيرها من منظمات حقوق الإنسان، يعتقد أن عدة آلاف من المعتقلين ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام في حقهم. وفي الأشهر السبعة الأولى من العام الماضي أعدمت السلطات الإيرانية "عددداً مذهلاً" من الأشخاص بلغ 694 شخصاً بين 1 يناير (كانون الثاني) و15 يوليو (تموز) 2015، في ارتفاع غير مسبوق لهذه العمليات. وهذا الرقم يعادل إعدام أكثر من ثلاثة أشخاص يومياً. ووفقاً لـ" منظمة العفو الدولية" فإن إيران وبهذه الوتيرة المروعة تتجاوز العدد الإجمالي لعمليات الإعدام التي سجلتها عام 2014.
الدولة الشريرة
ونقل بيان كانت المنظمة أصدرته في وقت سابق عن سعيد بومدوحة، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قوله: "إن حصيلة الإعدامات مذهلة في إيران في النصف الأول من 2015 وترسم صورة شريرة لأجهزة الدولة لقيامها بالقتل مع سبق الإصرار، عن طريق الأحكام القضائية على نطاق واسع". وأضاف: "إذا أبقت السلطات الايرانية على هذا المعدل المرعب من الإعدامات فنحن نرجح أن يُسجل أكثر من 1000 حالة إعدام تقوم بها الدولة قبل 2015."
نظام طهران لم يراعٍ حرمة شهر رمضان المبارك الفائت إذ تأكدت المنظمات الدولية أن ما لا يقل عن أربعة أشخاص أعدموا خلال الشهر.
وتؤكد "منظمة العفو الدولية" أن أحكام الإعدام في إيران تبعث على القلق بشكل خاص لأنها تُفرض دائماً من قبل المحاكم التي تفتقر تماماً إلى الاستقلال والحياد. ويتم توقيعها إما على جرائم غامضة الصياغة أو فضفاضة، أو على الأفعال التي لا ينبغي تجريمها على الإطلاق.
وبغض النظر عن عقوبة الإعدام بحد ذاتها، تُعيب النمظمات الحقوقية على على إيران إجراء محاكمات معيبة للغاية، غالباً ما يُحرم المعتقلون فيها من الاتصال بمحامين، كما ترصد إجراءات غير كافية للاستئناف والعفو وتخفيف العقوبة.
وقال بومدوحة في البيان الصادر خلال العام الماضي: "يجب أن تخجل السلطات الإيرانية من إعدام مئات الأشخاص مع التجاهل التام للضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة"، وتابع: " إن استخدام عقوبة الإعدام هو دائما البغيضة، ولكن ذلك يثير مخاوف إضافية في بلد مثل ايران حيث المحاكمات غير عادلة بشكل صارخ."
عدالة مفقودة
وتشدد منظمات حقوق الإنسان أن على السلطات الإيرانية أن تخجل من إعدام مئات الأشخاص مع التجاهل التام للضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، وأن إنزال عقوبة الإعدام في حق الأشخاص يثير مخاوف إضافية في بلد مثل ايران حيث المحاكمات غير عادلة بشكل صارخ.
وتقول السلطات الإيرانية إن 80% من الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام قد أدينوا بتهم تتعلق بالمخدرات. لكنها، ومع ذلك، لم تقدم العدد الدقيق لهؤلاء.
وغالبا ما يترك السجناء في إيران قابعين في انتظار تنفيذ أحكام الإعدام، من دون تحديد وقت معلوم لتنفيذ الأحكام وفي حالات عديدة لا تعلم الأسر عن مصير ذويهم قبل مرور أيام إن لم يكن أسابيع على التنفيذ.
وفي أبريل الماضي نُفذ الحكم في حق 98 شخصاً وقد نددت الأمم المتحدة بذلك حينها، وفي 2014، تم إعدام 289 شخصاً وفقا لمصادر رسمية ولكن تقارير موثوقة أشارت إلى أن الرقم الحقيقي هو 743 شخصاً على الأقل، وأحصت الأمم المتحدة في 2014 حصول 753 إعداماً مقابل 680 في 2013.
ووفق معلومات جمعها مقرر حقوق الإنسان في إيران، أحمد شهيد، ومقرر عمليات الإعدام التعسفية كريستوف هاينز فإن "الحكومة الإيرانية ترفض الإقرار بحجم الإعدامات، وهذا يظهر ازدراء كاملاً بالكرامة الإنسانية والقانون الدولي لحقوق الإنسان". ومنذ مطلع يناير2015 وحتى أبريل تم إعدام 340 شخصاً في إيران، بينهم ستة سجناء سياسيين وسبع نساء بحسب الأمم المتحدة.
ووجه شهيد انتقادات الى طهران بسبب سجنها نحو 40 صحافياً بتهم غير واضحة. وقال إن: "الاتفاق النووي يتيح فرصاً لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد"، وأن رفع العقوبات المفروضة على إيران سيكون له تأثير مباشر.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت "منظمة حقوق الإنسان" الإيرانية أن السلطات نفذت حكم الإعدام ضد 1900 شخص منذ استلام الرئيس حسن روحاني السلطة، مشيرة إلى أن 570 منهم أعدموا خلال النصف الأول من 2015. ووفق التقرير الدوري للمنظمة، فإن هذا الرقم يعني أن ما معدله 3 أشخاص أعدموا يومياً خلال 6 أشهر في مختلف السجون الإيرانية.
إعدامات مذهبية
ولا يخفى أن النظانم الإيراني ينفذ جرائم القتل في حق معارضين وعلماء دين سُنة، وذُكر أن 27 عالم دين أعدموا أخيراً في أنحاء مختلفة من البلاد. وكي لا تخون الذاكر أحداً فإن من أبرز الوجوه السنية التي أعدمتها سلطات نظام الخامنئي الداعية السني، جمشيد دهقاني، خلال عام 2014 مع أربعة دعاة آخرين، من بينهم شقيقه جهانغير دهقاني. وتقول منظمة حقوقية إن جمشيد دهقاني نقل إلى سجن همدان وهناك اكتشف أن أخاه جهانگير دهقان قد اعتقل أيضًا، إذ وجهت لهما عدة تهم من بينها المحاربة والإفساد في الأرض.
وكما دهقاني فإن الشقيقين وحيد شه بخش (22 عامًا) ومحمود شه بخش (23 عاماً)، وهما من الأقلية البلوشية، أعدما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 بتهمة العمل ضد أمن الوطن في سجن زاهدان المركزي. وكان الشقيقان ناشطين في انتقاد النظام الإيراني، وعكفا على التحدث عن معاناة الأقلية البلوشية السنية في إيران فكان مصيرهما الاعتقال والتعذيب النفسي والبدني ومن ثم إعدامهما.
وبعد اعتقالٍ استمر خمسة أعوام وفي يوليو (تموز) 2014 أعدمت السلطات الإيرانية الناشط البلوشي المعتقل في سجن زاهدان المركزي ياسين كرد بتهمة "محاربة الله ورسوله". ويجب أيضاً التوقف عند الشاعر هاشم شعباني الذي لُقب بـ"شاعر الأحواز"، وهو أيضاً ناشط حقوقي، أسس معهد "الحوار" بهدف نشر الأدب العربي والثقافة العربية في إيران، وقد أعدم بتهمة "محاربة الله ورسوله، والإفساد في الأرض، والتشكيك في ولاية الفقيه ومحاربة النظام".