أحمد الشاغلFollow @ahmad_alshaghel
تفرض الحياة على أبناء الشعوب المختلفة الغربة والانتقال والترحال منذ أقدم العصور حتى الآن، سواء كانت بإرادة شخصية كسفر للعلم أو للسياحة الطويلة أو للعمل لمستقبل أفضل، أو كانت إجبارية هربًا من ظلم أو عند اختفاء مقومات البقاء في بلادك. عندها يهاجر الشخص في بلاد الله الواسعة واضعًا في رأسه أحلاما وردية أو كوابيس رمادية عن المستقبل القادم.
بعض النقاط الرئيسية التي تواجه الشخص في خلال غربته.
- اللغة حياة
في أي بلد كنت، تبقى لغة البلد هي المفتاح لكل شيء مهما كان الشعب مثقفًا باللغات العالمية، لا أستطيع أن أشدد على هذه النقطة كما ينبغي ولكنك كمغترب تواجه حالتين أساسيتين في الأغلب:
إن كنت في بلد يتقن شعبها اللغة الإنجليزية فستكون محظوظًا نوعًا ما وقد تتيسر أمورك لحد ما (فقد تجد في كثير من الأحيان فرنسيًّا يخبرك بإنجليزية صافية أنه لا يفضل التكلم إلا بالفرنسية)، وإن رزقك الله العيش في بلد لا تتقن لغتها ولا يوجد بديل لها فستصاب بالعزلة المطلقة وتعاني معاناة شديدة حتى تصبح قادرًا على التحدث باللغة الخاصة بهم. وعلى الأغلب ينتهي الأمر بلعنك الدائم لهذا الشعب وهذه الحياة وهذا البلد وتنتهي بمسارات كآبة ووحدة تزيد غربتك ألمًا.
ولكن لتكن واقعيا فأنت أول من عليك التفكير بشكل منطقي. وعليك أن تعلم أن إتقان لغة البلد سيمكنك من مفاتيح لا تتصور أهميتها. سواء في عمل أو دراسة أو حياة عائلية واجتماعية. فحاول جهدك أن تتقن جزءًا كبيرًا من لغة البلد التي تنوي العيش فيها حتى تعيش سعيدًا.
- الناس لا تحب الغريب
جايجن، يابانجي، فورنير، أوسلاندش، كلمات مثل هذه قد تطرق مسامعك كثيرًا في رحلة الاغتراب وكلها تدل على نفس المعنى: أيها الأجنبي.
جبل الإنسان على حب من يشبهه وعلى حب الانتماء. فمهما سمعت عن أن هذا الشعب أو ذاك قد حذف العنصرية من قاموسه، ستجدها شئت أم أبيت في وجوه بعض أبنائه.
ستلتقي في حياتك في المغترَب الناس الذين لا يحبذون أن يروا الغريب، ويحبون الابتعاد عنه وخاصة إن كان واضحًا، كأن تكون أسمرًا في بلد من البيض أو أبيض في بلد يملأه السمر. أو تكون من ذوي العيون الكبيرة وتعيش في بلاد آسيا الشرقية. يصل الأمر في بعض الأحيان لأمور غريبة، كأن تجد يابانيًّا يرفض التعامل معك من شراء وبيع إلى تأجير منازل وغيره خوفا من المشاكل أو بسبب سمعة الأجانب السيئة في بعض الأحيان
يميل البعض لحل هذه المشكلة في كثير من الأحيان إلى التشبه بأهل البلد في شكلهم وفي حياتهم وفي كل شيء. فرغم أن البعض يزعم أنه يصعب تفريقه عن أهل البلد الأصليين حيث يأكل أكلهم ويشرب شرابهم ويحتفل معهم ناسيًا كل شيء عن ثقافته وحياته السابقة، لكنه ينسى أن الإنسان لا يجب عليه أن يقع في مصيدة الانصهار وطمس الهوية بل عليه أن ينتقل إلى مرحلة الاندماج مع المحافظة على عاداته وحياته. فقد تجد طبيبًا ألمانيًّا يثني عليك وعلى تمسكك بعاداتك واحترامه الشديد لك وتقديره لأي عمل تقوم به تجاههم بدلا من أن تراه ينظر إليك أنت العربي تتشبه به وتحاول طمس شخصيتك، فكما يقال: “من ليس له خير في أهله ليس له خير للناس”.
- العاطفة… عليك فعل الكثير
بينما تشكل نسبة الشباب الأعزب من الذكور النسبة الأكبر من نسبة المهاجرين من بلادنا العربية، يظن الكثير منهم أن الحياة أسهل كونه أعزبًا وكونه شابًا. ولكن الحقيقة ليست كذلك، سواء كنت شابا أو فتاة، أعزبا أو متزوجا، ستجد أن عليك فعل الكثير والكثير حتى تستطيع العيش في بلاد الغربة. ونتكلم هنا عن ناحية الحياة العاطفية، يجد الشاب الأعزب نفسه محاطا بمجتمع يكون أقل تحفظا (في أغلب المجتمعات المستقبلة للمهاجرين)، ويقع الشاب بين مطرقة المحافظة على عاداته وتقاليده وبين سندان الحاجة الجسدية والغريزية.
هل المتزوج أوفر حظا، نعم إلى حد ما. يكون الشاب المتزوج أوفر حظا في كونه قد صان نفسه ولكنه يقع في مشكلة العائلة، فبينما تكون حياة الشاب الأعزب أسهل في حضور الحفلات أو زيارة الأصدقاء يجد المتزوج نفسه في مشكلة زيارة الأشخاص والسماح لهم بزيارته كونه متزوجا وكون العادات مختلفة وأن عليه التحلي بالحذر في علاقاته الاجتماعية حتى لا يتم عزله.
- الفرص أصعب
من أكبر العوائق المصيرية التي تحدد منحى حياة المغترب هي إيجاد سبيل لبقائه، سواء كان السبب دراسة أو عملًا أو خليطًا بينهما. حيث يجد الشخص نفسه في أغلب الحالات في حالة أصعب من أهل البلد. فإن كان الهدف هو الدراسة يجد أن عدد مقاعد الدراسة للأجانب أقل وأن شروط الدراسة وتكاليفها أكبر. وإن كان المرجو إيجاد عمل فسيجد فرص العمل أقل وشروط الحصول على العمل قانونيا أصعب فلا دولة ترغب في زيادة بطالة شبابها ليعمل الأجنبي بدلًا عنه. ولكن الكثير من الأشخاص يمتلكون الذكاء الكافي فيقلبون هذه النقطة لصالحهم، حيث يتقنون لغة أهل البلد وبإضافة لغتهم الأصلية يصبحون متحدثين بلغتين أو حتى ثلاثة. إضافة إلى أن المشهور في بلاد الغربة عامة أن المغترب يرضى بأقل مما يرضى به ابن البلد ويعمل بوتيرة وجهد أكبر لإثبات نفسه فلذلك تجد البعض من أرباب العمل يفضل توظيف الأجنبي المجتهد على ابن البلد.
- الخطوات المصيرية أصعب: زواج أو تربية أطفال
الغربة لها فاتورة باهظة لا يدركها إلا من عاشها. رغم أن الكثير ينظر إلى المغترب على أنه الشخص الذي ينعم بالأموال والجنة الموعودة إلا أن الواقع مختلف بعض الشيء. لا ينكر أحدنا أن الارتقاء في مستوى الحياة يريح الإنسان ويسعده ولكن فاتورة الغربة تأتي قرب الخطوات المصيرية. فإن طالت الغربة فينظر العازب إلى الزواج الذي يضعه أمام عوائق عدة. فالبعض يتزوج من أول فتاة يجدها حوله من أبناء بلده أو يقع البعض في حب نساء البلد المضيفة. ها هنا يجد الشخص نفسه في حيرة وتعب، فعدا عن غياب الداعم الرئيسي من أهل وصحبة وإخوة يجد نفسه في ظرف أصعب من غيره فالخيارات أقل وأكثر خطورة، إنه الاستقلال الممزوج بالخوف.
وإن رزقه الله الأطفال يبدأ مشوار الخوف على تربيتهم، وكم رأيت من أصدقاء عاشوا سنين في الغربة واختلطوا بالمجتمعات الجديدة وعايشوا كل طوائفهم وقد يكون أحدهم قد تزوج منهم ولكن عندما يأتي وقت الاولاد يقرر العودة إلى بلاده الأم. يظن البعض أنه جنون أو خوف مبالغ فيه. ولكن من يعيش في المغترب يعرف تمامًا هذا الخوف. فالمجتمعات الغربية لها خطر أكبر على الأطفال حيث يفقد الآباء جزءًا كبيرًا من السيطرة لصالح الحكومة والمدارس التي تبدأ بتعليم الأطفال مبادئ وثقافة البلد المضيف فتختفي هوية الأطفال الحضارية والدينية وقد ينتهي الأمر بأخذ الدولة للطفل، حرفيًّا، إن شكوا في وجود مشاكل تعيق “تنوير أبناء الأجانب بثقافة بلدهم الجديد”.
- أفكارك في وجه الريح
أكبر وأخطر الأمواج التي يتعرض لها المغترب هي أمواج التغيير الفكري. بينما تكون بعض الأمواج جيدة تحاول تفتيح العقل وتوسيع مداركه يتعرض المغترب أيضا إلى أمواج سامة تحمل أسوأ مخلفات المجتمعات التي يعيش بها. على الشخص أن يكون ذكيا وفطنا في معالجة أي فكرة تأتي له وتقسيم الآراء إلى أجزاء وعدم القبول بفكرة المجموعة الكاملة من الأفكار، فكثيرًا ما يدس السم في العسل.
- الغربة والشوق للأهل
يذكرني هنا مقطع من فيلم همام في أمستردام الذي ظهر في التسعينات وكان مثالا مصغرا عن حياة آلاف المغتربين في تلك الأيام. رغم أن الحال تطور منذ تلك الأيام كثيرًا وأصبحت الاتصالات أسهل وزيارة بلدك الأم اسهل ولكن تبقى العبارة الصادقة التي ذكرها في البال: “أمي الغربة على قد ما بتدي بتاخد”.
يواجه المغترب هذه الحقيقة عادة في الأيام الأولى في بلد المغترب وخاصة إن لم يجد من يواسيه أو يساعده. وإن كان حظه جيدا فستمضي به الأيام ولكن تبقى مرارة الغربة في حلقه يتجرعها بين الفترة والأخرى ويبقى قلبه قلب مسافر ينتظر العودة إلى البلد يمزقه الحنين إلى الأهل، والأخوة والأحبة. ولكنه في مهمة عليه إنجازها. ليس على الشخص في هذه الأمور إلا تذكير نفسه بهدفه والدوافع التي تبقيه متماسكًا حتى إنجاز هدفه، أو حتى يصبح معتادًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست