رأي الدين يا فضيلة الشيخ

آخر تحديث 2016-01-05 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

نزل تتر البداية مع موسيقى شرقية من نوعية تلك المخصصة إيقاعًا للبرامج الدينية على طريقة موسقة الآذان، والتي يختلط فيها أدوات الناي والقانون مع العود، وذلك لزوم استدرار خشوع المشاهد المفترض جلوسه أمام شاشة التلفاز لمتابعة البرنامج الديني، والذي غالبا ما يكون في وقت الصباح أو الظهيرة حيث لا أحد يتابع أي شيء للانشغال بالعمل أو الدراسة.

بدأت الحلقة بزوم إن –اقتراب الكاميرا تكبيرًا للصورة– على وجه مذيعة حسناء، سافرة الوجه حاسرة الرأس كاملة المكياج.. والله أعلم بما ترتديه بنصفها السفلي حيث لا يخفيه سوى منضدة أمامها عليها بعض الأوراق وكؤوس من الماء، وشرعت المذيعة في الكلام مقدمة الضيف –الذي يكون شيخًا– للمشاهدين.. لحظة، لقد نسيت أن أخبركم باسم البرنامج، إنه برنامج حقيقي كان يذاع إلى وقت قريب على شاشة التلفزيون المصري وكان يدعى ”فقه المرأة”، ولا أعلم إن كان ذلك البرنامج ما زال يذاع أم لا، إلا أن ما كان يلفت نظري هو الانفصال الفاحش بين مضمون البرنامج وأدبيات الشيخ من ناحية، وبين مظهر المذيعة وخلفيتها وملابسها من ناحية أخرى.

ولكن حتى لا نحمل برنامجًا واحدًا ما لا يحتمل من فلسفات كانت وما زالت منتهجة في الإعلام المصري، كان هذا البرنامج مجرد تجسيد حي لمنهج علماني كان يطبق بشكل منظم ومرتب، وذلك لزرع أفكار غير متلائمة مع الطبيعة الدينية المحافظة للشعب المصري، إذ يكفي أن ينطق أحدهم بكلمة علماني حتى تقفز إلى الأذهان كل معاني الكفر والإلحاد، فكان هذا دافعًا للنظام السابق لانتهاج أسلوب القتل البطيء للمفاهيم عن طريق الأفعال ابتعادًا عن فجاجة التصريح بالمسميات.

رب سائل يسأل: أكل ذلك محتوى في مشهد مذيعة لبرنامج ديني سافرة الوجه حاسرة الرأس كاملة المكياج؟!!

بالتأكيد تكون الإجابة بنعم هي نوع من التسطيح، فتناقض مظهر المذيعة مع مضمون البرنامج مجرد إشارة ورمز لفصل الدين عن الحياة، خاصة إذا ما لعب أصحاب هذا الاتجاه على هامشية المظهر مقابل التركيز على الجوهر، وألقوا بفتاوى –ما أنزل الله بها من سلطان– بأن الحجاب ليس فرضًا وأن العلماء مختلفون عليه!!.. وهذا الجو يكون مصحوبًا في العادة بالاستشهاد بآراء من يسمونهم مشايخ وعلماء من عينة جمال البنا صاحب فتوى عدم إفطار شارب السجائر في نهار رمضان، وأن المسألة لا تعدو أن الحجاب زي متوارث من أيام البداوة ولا أصل له في الإسلام، والحقيقة إذا ما كان الأمر كذلك فعلينا أن نعود لنحج حفاة عراة كما كان يفعل المشركون قبل الإسلام، وذلك لأن المهم هو الجوهر لا المظهر!!

وكل ما سبق يدخل في إطار عام من اتباع سياسة علمنة الدولة وعلمنة الثقافة للمجتمع، وكان من توابع ذلك ظهور فئات ضالة مثل سيد القمني ونصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي وخالد منتصر وإبراهيم عيسى بحجة حرية الرأي وحرية الإبداع، في الوقت الذي كان يلاحق فيه الإسلاميون، وكان كل من نمت لحيته متهمًا حتى تثبت إدانته، فتنامى في العقل الجمعي للشعب المصري –وآسف لقول ذلك– فكرة تهميش الدين وتسطيح مضمون الدعوة الإسلامية، وأصبح مشهدًا معتادًا في البرامج التلفزيونية أن تجد من ضمن الضيوف أحد المشايخ الأزاهرة لاستطلاع رأيه في مشكلة اجتماعية أو بيئية، وذلك ليس لفضل الأزهر الذي جرى تدجينه في الـ60 عامًا الأخيرة، ولكن لأن الدولة العلمانية في حقيقتها لا تريد خلع عباءة الدين بشكل تام، وذلك حتى تستخدمه وقت اللزوم في التأثير على الرأي العام، فنجد الهانم المذيعة تعتدل في جلستها بعد مناقشة أحد الضيوف الآخرين بالبرنامج، ثم تنظر بوقار وحياء مصطنعين للشيخ موجهه إليه السؤال المعتاد: (ويا ترى إيه رأي التشين في المودوع ده يا فديلة الشيخ؟).

وكان هذا السؤال بالذات يثير حفيظتي، لأن صياغته هي عنوان تهميش الدين، فلا يوجد لدينا كمسلمين ما يسمى بـ“رأي الدين”، بل يوجد الحكم الشرعي، لأن كلمة رأي معناها أن الاستطلاع له لا يخرج عن الإطار الاستشاري، أي قد يؤخذ به أو لا يؤخذ، وحاشا لأمر المولى عز وجل أن يُنزل هذا المنزل، بخلاف كلمة حكم التي تعني وجوب النفاذ وقطعيته كالأحكام القضائية، إلى جانب التعويم في كلمة الدين، فأي دين هو المقصود؟.. والأصح هو الشرع لأن الشرع يختلف بينما الدين واحد، وهو الإسلام كما ورد ذلك في القرآن الكريم الذي نؤمن به كمسلمين.

بقيت ملحوظة أخيرة أخص بها البرنامج المذكور آنفًا، أن حتى عنوانه ينطوي على تمييز جنسي واضح، حيث إن مفهوم الفقه الخاص بجنس معين ليس موجودا بالإسلام بشكل مستقل، ولا يختلف الجنسين في الأحكام الفقهية للدرجة التي تجعل لكل منهما فقها مستقلا، إلا أن ذلك كان من بركات عهد سيطرة زوجة المخلوع على الثقافة والإعلام، ولم يكن مستبعدا وقتها أن نجد برنامج بعنوان “فقه الطفل”!!

لقد ترك ذلك أثرا غائرا في وجدان الكثير من أبناء الشعب المصري الذين تأثروا وانخدعوا بدعاوى فصل الدين عن السياسة، واتهامهم للإسلاميين بخلط الدين بالسياسة، فهل سنفيق من تلك الغيبوبة؟
أتمنى.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست