خبراء: الأمن القومي العربي يواجه تحديات تاريخية -

آخر تحديث 2016-01-05 00:00:00 - المصدر: ايلاف

شهدت مكتبة الإسكندرية اليوم فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر "صناعة التطرف: قراءة في تدابير المواجهة الفكرية"، ويشهد مشاركات من 18 دولة عربية تضم خبراء في مجالات التطرف والإرهاب وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والإسلامية.

وناقش المشاركون اليوم خلال ثلاثة جلسات متوازية عدد من المحاور المرتبطة بالمواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب؛ وهي نقد خطابات التطرف، الإعلام ومواجهة التطرف، والأمن القومي. 

وعقدت جلسة نقاشية حول الإرهاب والأمن القومي، ترأسها الخبير الاستراتيجي اللواء محمد مجاهد الزيات، وتحدث فيها اللواء مختار بن ناصر اللواء المتعاقد والمتحدث السابق باسم الجيش التونسي، واللواء محمد إبراهيم مسؤول الملف الفلسطيني الإسرائيلي السابق بالمخابرات العامة المصرية، والدكتور أنور عشقي مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الدولية والقانونية. وارتكزت الجلسة حول تداعيات صعود الحركات الإرهابية في العالم العربي على الأمن القومي للدول العربية. 

وفي بداية الجلسة، أشار اللواء الزيات إلى أن العالم العربي يحفل بتطورات خطيرة على أمنه القومي حيث أصبحت العديد من الدول الوطنية على شفير التقسيم كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا في إطار تصارع النظام الإقليمي. وأضاف أن الحركات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية يلعب دورًا حيويا في عملية التقسيم هذه، موضحًا أن هذا التنظيم لا يختلف في جوهر أفكاره عن التنظيم الأم القاعدة في غير درجة التوحش والإسراع إلى إعلان الخلافة، متنبأً بأننا في الفترة القادمة سنتحدث عن العائدين من سوريا والعراق كعناصر خطيرة على أمن الدول، وهو ما يعززه فشل التحالف الدولي في القضاء على التنظيم وهو ما يعني أن ظاهرته ستستمر في السنوات القادمة على الأرجح. 

وفي مداخلته، أكد اللواء مختار بن ناصر أن هناك العديد من الشباب التونسـي الذي التحق بالتنظيم في سوريا ويقدر عددهم بـ 2000- 3000 فرد من بينهم من تم احتجازه من قبل الأمن التونسـي قبيل مغادرته إلى سوريا للجهاد. كما أن تونس تعاني من وجود بعض الجماعات المسلحة داخل تونس التـي اختارت أن ترفع السلاح في مواجهة الدولة. على أن الدولة التونسية تحاول جاهدة التعامل مع هذه المخاطر وتعتمد على بناء استراتيجية مواجهة شاملة تتخطى الأبعاد الأمنية وبناء نماذج مغايرة لتلك التـي يتم الترويج لها لدى الجهاديين والمتابعة النفسية والاجتماعية لهذه المجموعات. 

ثم انتقل بن ناصر لتناول مفهوم الأمن القومي، حيث أكد بعد استعراض لأدبياته بأنه يشير إلى مجمل الإجراءات التي تضمن الاستقرار الداخلي وضمان المصالح الخارجية مع إيجاد التنمية المستدامة للمجتمع وبالتالي هو مفهوم متعدد الأبعاد لا يتعلق فقط بفكرة الحلول الأمنية والعسكرية. وأضاف بن ناصر أن هناك تركيز في العالم العربي على قضايا الأمن الوطنـي لكل دولة على حدة على حساب الأمن القومي العربي ككل والذي يشمل عملية حدود العربية وإيجاد صيغة للتعاون المشترك بين مختلف الدول العربية. ومن ناحيته عقب الدكتور مجاهد الزيات على أن الحديث عن الأمن القومي العربي في هذه المرحلة التاريخية هو بمثابة حديث مثالي خاصة أن الدول العربية أصبحت متنازعة فيما بينها ومختلفة على تعريف العدو الذي تتعداه كما هو في تعامل هذه الدول مع إيران وإسرائيل. 

وركز اللواء محمد إبراهيم في كلمته على تحديدات الإرهاب في شبه جزيرة سيناء على الأمن القومي المصري، وأشار إلى أن تاريخ الحركات الإرهابية في هذه المنطقة لا يتعدى العقد غير أنها شهدت عمليات مكثفة وخطيرة من حيث الكم والكيف اشتملت على تفجيرات واعتداءات. وأوضح أن دراسة الإرهاب في سيناء يجب أن تتم في محددات تتمثل في أن المؤسسات المصرية لم تثبت نفسها بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي الذي دام 15 عامًا وأنه لم يتم إدماج سيناء اقتصاديًّا في المنظومة الاقتصادية للدولة المصرية، كما أن المنطقة شهدت منذ سنوات قليلة صعودًا في التوجهات المتطرفة بين الشباب ولم تعمل الدولة ولا القبائل التقليدية على التصدي لها. 

من ناحية أخرى، أوضح اللواء إبراهيم أن هناك ترابطًا عضويًّا بين الإرهاب في سيناء والتطورات الحادثة في قطاع غزة، فقد بدأت حركة حماس في بناء قوة عسكرية لها أهداف بعيدة المدى، كما أن غزة بعد مرحلة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع قد شهدت صعود جماعات ذات توجهات جهادية غير حماس التـي بدأت في أعقاب استيلائه على القطاع حفر أنفاق بين القطاع وسيناء، وهي الأنفاق التـي مثلت شريان الإرهاب الرئيس في سيناء حيث شهدت عبور الأفراد والمدربين الجهاديين والأسلحة الثقيلة والخفيفة التـي تم تهريبها إلى داخل العمق المصري واستخدمت فيما بعد وقد ساهمت كل هذه العوامل في دعم التوجهات الجهادية في سيناء ومدها بالموارد. وأنهى إبراهيم بتوصيات ضرورية للدولة المصرية للقضاء على هذه الظاهرة.   

وتحدث في جلسة "الإعلام ومواجهة التطرف" كل من الدكتور محمد إسحاق من موريتانيا، الأستاذ سمير عمر؛ مدير مكتب قناة سكاي نيوز عربية بالقاهرة، والكاتب الصحفي السعودي خالد بن حمد المالك. وأدارت الجلسة الكاتبة المغربية وفاء الصندي.

وتحدث الأستاذ خالد بن حمد المالك عن قيام بعض الكيانات بتغذية الإرهاب ورعايته، مبينًا أن الإعلام والتعليم والخطاب الديني كلها عوامل لها دور في العمليات الإرهابية لكن بنسب متفاوتة، وتظل المسئولية الكبرى واقعة على الدول الراعية للإرهاب. 

وتناول الدكتور محمد إسحاق تجربة موريتانيا في محاربة التطرف والإرهاب. وقال إنه في عام 2008 وضعت السلطة مواجهة الإرهاب ضمن أبرز أولوياتها، وفي نفس الوقت أدرك المسئولين أهمية تعزيز الحريات العامة لا القضاء عليها، فتم تحرير المجال الصحفي، كما دعمت الدولة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات. 

وأضاف أن الدولة بدأت تنفيذ مجموعة من المشروعات التي تساعد الشباب على الاندماج في المجتمع وإطلاق مشروعات تنموية لمساعدة الشباب والنساء.

ولفت إلى أن موريتانيا تتمتع بحرية إعلامية كاملة، فقد تم إلغاء المادة التي تنص على الحبس في قضايا النشر من الدستور، كما وضعت تقارير "مراسلون بلا حدود" موريتانيا على رأس الدول الداعمة للصحافة في الوطن العربي لعامين على التوالي.

وتحدث الأستاذ سمير عمر عن سبعة حقائق في مجال الإعلام والتطرف. أولها أن تعريف الإرهاب يرتبط بالجهة التي تطلق هذا التعريف أو المصطلح. أما الحقيقة الثانية فهي أن الإرهابيين أنفسهم يدركون أهمية الإعلام، فكل المنظمات الإرهابية تؤمن بأهمية العمل الإعلامي في تصدير صورة ذهنية عن نفسها للمتلقي. 

وأضاف أن علاقة الجماعات الإرهابية بالإعلام تعتمد على فكرة تصدير المصطلحات الخاصة بهم، كما أن الجهد الإعلامي ليس مقصورًا على إمكانات الجهات الإرهابية وإنما هناك قوى كبرى وأجهزة مخابرات ترعى هذه التنظيمات. 

وقال إن الحقيقة الخامسة هي أن هناك بعض وسائل الإعلام التي تعتبر نفسها نظريًا أداة تواجه الإرهاب إلا أنها في بعض الأحيان تقدم خدمات جليلة لتلك التنظيمات. وأشار إلى وجود إخفاق كبير من جانب بعض وسائل الإعلام في مجابهة الإرهاب، كما أنه في بعض الأحيان تكون المصلحة بين الإعلام والإرهاب مشتركة. 

وأكد على أهمية أن يكون هناك جهد جماعي لتقديم نموذج صحفي وإعلامي عربي يواجه التطرف ويجرم الإرهاب ولا يستضيف رموزه أو يروج لهم، وفي نفس الوقت يجب أن يمنع هذا الميثاق الأنظمة من استخدام تلك التيارات كفزاعة للانتقاص من الحريات. 

وفي نفس الإطار، عُقدت جلسة "نقد الخطاب الديني"، والتي أدارها الدكتور صباح ياسين؛ أستاذ الإعلام بجامعة البتراء بالعراق، وتحدث فيها كلاً من الدكتور رفعت السعيد؛ رئيس المجلس الاستشاري لحزب التجمع، والشيخ أحمد تركي؛ مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف، والدكتورة سمية فيطاني؛ الباحثة بمركز الملك فيصل في السعودية، والدكتور عبد السلام الطويل؛ الأستاذ الزائر بجامعة الملك محمد الخامس في المغرب.

وأكد الدكتور رفعت السعيد في بداية حديثه على رفضه لاستخدام مصطلح "التطرف الديني" واستخدام مصطلح "التطرف المتأسلم" بدلاً منه، لأن التطرف هو الوصول بالشيء إلى منتهاه. فالتطرف الديني هو الوصول إلى مرحلة الإيمان الشديد، ولذا فإنه يجب استخدام مصطلح "التطرف المتأسلم".

وأضاف الدكتور أن عدم إعمال العقل هو بداية الطريق إلى التطرف، ففي النص القرآني معجزة ربانية، وهي ضرورة إعمال العقل في بعض آياته مثل (الم- كهعيص) وكذلك آية "نخرج الحي من الميت" والتي عند تأويلها تعني أن يتحول الكافر إلى مسلم موحد. وقد اتخذ البعض من الآيات القرآنية مبررًا وقام بتفسيرها تفسيرًا بعيدًا عن صحيح الدين، مثلما فعل الإرهابيون الجزائريون مع النص القرآني في سورة نوح، وما فعله حسن البنا بالخارجين عن الجماعة. فالمشكلة الحقيقية تبدأ وتنتهي بالتفسير النصي، واعتبار هذا التفسير هو المعيار الوحيد للإيمان ومن يخالفه فهو كافر. وأشار إلى أنه لا يمكن التعامل مع أي فكرة دون إعمال للعقل، فالتأويل عملا من إعمال العقل.

وأكد في كلمته على أن القول بأن سيد قطب هو الذي دفع الإخوان إلى الإمعان في التطرف فهذا غير صحيح، فسيد قطب هو امتدادًا لحسن البنا، فالتطرف لم يأتي من فراغ، والإرهاب يبدأ من فكرة، وتتحول الفكرة إلى محاولة إلزام معنوي "تكفير" والتي تتحول إلى إلزام مادي "العنف".

وشدد في نهاية حديثه على أننا جميعاً مُطالبون بإعادة صورة وجوهر الإسلام الحقيقية إلى ذهن العالم، وذلك لن يتم إلا عن طريق الحرية، ثم الحرية، ثم العدل. فالحق في التأويل هو الذي يكفل الحق والحرية للمفكر والمواطن أن يؤول دون خوف من أن يتم تكفيره، وأنه إذا تم كبت الرأي فلن يكون هناك تجديد في الفكر وبالتالي في الخطاب الديني.

من جانبه، قال الشيخ أحمد تركي في بداية حديثه إن ليس كل تطرف في الدين يؤدي إلى الإرهاب، ولكنه مذمومًا أيضاً. وأشار إلى أن هناك جماعات هي التي أهلت الشباب للانضمام لتنظيم داعش وذلك عن طريق فكرها وأيديولوجيتها وتربيتها وتعاليمها. كما أكد على أن ليس هناك في الإسلام جماعة، فالإسلام آخى بين الناس في الإنسانية، وأن إنشاء جماعة داخل المجتمع هو جريمة في الإسلام، وهذا هو بداية التطرف والإرهاب.

وقد أوضح فضيلته أن هذه الجماعات دائماً ما تتخذ اسمًا من الإسلام من أجل اجتذاب الشباب مثل "الجماعة الإسلامية" وكأنها فقط هي الإسلامية وما غيرها كافر. وأشار إلى أن هناك فارق كبير بين مفهوم الالتزام والاستقامة، فالاستقامة هي اللفظ القرآني المستخدم في وصف من يتبع تعاليم الكتاب وسنة نبيه، أما الملتزم فهو الملتزم بتعاليم الجماعة التي ينتمي إليها. وتعمل هذه الجماعات على تحويل انتماء الشباب من الله والدين إلى الانتماء للجماعة، واعتبار كل من لا ينتمي للجماعة بكافر او غير ملتزم.

وأضاف إلى أنه هناك تطور في المداخل الفكرية لهذه الجماعات تختلف عن مداخل الجماعات الإرهابية قديماً، وانها أصبحت تعتمد على توظيف القرآن والسنة عن طريق الاستدلال الانتقائي من أجل تبرير الأعمال الإجرامية التي تقوم بها، كذلك تعمل على اجتذاب الشباب عن طريق مغازلتهم بأحلام إقامة دولة الخلافة، ولكن الشيخ أوضح أن الخلافة ما هي إلا نظام ظهر في مرحلة معينة ليواكب ظروفها وأوضاعها، وأشار إلى أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم ينشئ الخلافة الراشدة، ولكن أنشأ المجتمع الراشد. 

وأنهى الشيخ حديثه بأنه لا يوجد في التاريخ الإسلامي ما يسمى بعقيدة الولاء والبراء، وأن الإسلام لا يوجد به إلا عقيدة التوحيد فقط، وانه على مر التاريخ الإسلامي كان هناك العديد من المدارس العلمية والمذهبية المختلفة ولكن على الرغم من ذلك لم يوجد إرهاباً أو تطرفاً.

وجاءت كلمة الدكتورة سمية فيطاني والتي أكدت فيها على أن التطرف الديني لا طائل منه وأن الإرهاب لم يعد فكرة فحسب بل صناعة احترفها البعض من أجل تحقيق أغراض ومصالح، وأشارت في كلمتها إلى قصص أربع سيدات سعوديات انضممن إلى تنظيمات داعش والقاعدة، وأنهن انتقلن بأطفالهن للالتحاق بأزواجهن في اليمن وسوريا، وأن هذا قد يؤسس لظهور جيل تربى داخل مجتمع متطرف يشجع على العنف والكراهية، مما يهدد مستقبل المنطقة ككل.

وتحدث في الختام الدكتور عبد السلام الطويل الذي قال في مستهل كلمته أن ظاهرة التطرف وما يتصل بها من ظاهرة الإرهاب لا يمكن اشتقاقها مباشرة من النص الديني، بل في ظل محددات أخرى سياسية، وتاريخية، واقتصادية، وسيكولوجية، واجتماعية، وخارجية، ولكن هذا لا يمنع من أن الصراع الحالي هو صراع تأويل النص الديني.

وأشار إلى أن تأويل النص الديني لابد له من حامل حضاري، والذي في غيابه يصبح حديثنا عن صراع التأويلات حديث بلا جدوى. كما ان هناك خلط بين منطق العقيدة الثابت ومنطق السياسة المتغير، ففكرة الحاكمية  فكرة قائمة على التشريع، الذي أصبح في الدولة الحديثة وظيفة البرلمانات، لذا فإن إعمال العقل أصبح هو الأصل والتوقيف هو الاستثناء.

وأضاف أن المنظومة التعليمية في الدول العربية لا يمكنها مواجهة التطرف، بل على العكس فإنها تساعد على خلقه بسبب المركزية الشديدة التي تكرس نظام الطائفية، إلى جانب أنها منظومة تلقينية تلغي إعمال العقل.

وأنهى الطويل حديثه بالتأكيد على وجوب تحقيق الحرية والعدل من أجل تحقيق جوهر الدين الصحيح.