كي لا ننسى قبل موجة ثورية!

آخر تحديث 2016-01-05 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

محمد ثابتFollow @shshshsh2004

تكمل طعامها دموعًا، ولا تجد في الشتاء وقارس برده أنيسًا، يومها محاولات لجمع ما يحفظ على أبنائها قوّتهم، ورحيل خلف جنيه إلى جوار جنيه، ولكنها تعلم ابنتها معنى الشرف وأن أباها فخر كل حر أبيٍّ لا يقبل الظلم ولا يتعايش معه، وإنه “يومًا ما” سيعود، سيطرق هذا الباب، وسوف تبكي عينها وعين ابنتها فرحًا، بل سيسجدان لله عندها، وسوف ترقص السعادة في قدميّ الطفل الذي يحبو في الشقة الضيقة .. فقد عاد صاحب وجه تعود أن يراه وبكى كثيرًا لما افتقده، أما حينما لا تجد الأم قطرة الزيت لتليّن شعر ابنتها وهي تُسرحه لها فلا تملك إلا أن ترفع عيناها إلى السقف، وهل يمنع السقف من تواصل الفكرة، بل القلب والشعور، والروح مع السماء!

ماذا عن فاتورة الكهرباء؟ أنبوبة البوتجاز التي قاربتْ النفاذ؟ مصروف يد ابنة المعتقل؟ حليب الرضيع؟

عوضًا عن مصروفات البيوت، زجاجة الزيت التي يتم طهو الطعام، ولا يطهى إلا بها، طيب وأرغفة الفينو لسندوتشات الابنة؟ ماذا عن ملابس الشتاء؟ والدواء لما يمرض الصغير؟ ربما لم يكن الأب المعتقل تنظيميًّا، أو منتميًا إلى الصف! فهل تموت الأسرة جوعًا أو تمد اليد، آلمتني كلمات زوجة شهيد إن باقة التليفون التي تكتب منها على صفحات موقع تواصل اجتماعي من معاش أبيها، وإنه لولا المعاش الذي أضيفت إليه برحمة الله لماتت وأبناءها من الجوع، أما أبوها فكان لواءً بالجيش، وهل كل لواءًا بالجيش قبل انقسام مصر الحاد لم يكن شريفًا؟ أو لم تكن هناك “فلتات”؟ ولماذا نفكر في هذه الجزئية من الأساس؟

أهذا على أساس أن المنتمين للإخوان أو غيرهم يلقون المعاملة المثلى يعني؟

انشغل “الإخوة” في الخارج باستقدام أبنائهم، وهو حق لهم لا يستطيع أحد أن يعيبه عليهم، ولكن ماذا عن البعض الذي راح يُمعنُ في النسيان؟ يُقدمُ مراد نفسه هو ومصلحته على مراد ابن وابنة معتقل، وماذا لو كان الأب شهيدًا؟ ما عند الله خير وأبقى، ولكن البشر يا رب لا يرحمون وأنت يا رب الأرباب ترحم، وبعض “الثوريين” يارب، وأنت أعلم وأعرف بهم منا انشغلوا بطلب المال لأمهات الشهداء والمعتقلين والمصابين ولكن لينفقوها أو يدخروها لأنفسهم! والبعض الآخر يطلب من مستثمرين عرب ملايين الدولارات لـ”يُسلحَ” الثورة والثوار، وما هو إلا نصاب ليس أكثر!

إن هذا “الشتات” محير أي حيرة:

بعض الثوريين الشرفاء مُنسحبون عنه ألمًّا أو قلة عقل وحيلة، وقليل فعال في الاتجاه الصحيح، ومندسون من كل شكل ولون وطعم يتربحون من القضية، ولا همّ لهم سوى صب الزيت على البنزين ليزداد تُوهجًا، وابنة معتقل تسر إليه: أبي لا تخبر أمي أني أخبرتك فنحن “نأكل” وجبة في اليوم لتوفر أمي المال لنأتي إليك!

أما البعض الآخر فمشغول بالمسار حتى النخاع، يأكل ويشرب وينام، ويعطل مسيرة الصف عن مجرد التفكير في إيجاد حل، للمعضلة الشديدة التي تلف مصر والأمة العربية الإسلامية كلها، وإذا رحتَ تتحسس ماذا يفعل؟ قال لك “السلاح” و”الصلاح” تمام: لكن ماذا تفعل أنت؟ تلجلج ولم يضف شيئًا!

والبعض يمد يده إلى ما ليس له، والبعض يتستر والبعض لا يريد استقرارًا لصف منتظم كي تظل الفوضى ويبقى وجوده!

الصورة ليست قاتمة، والشرفاء الذي يتورعون كثيرون ولكن الألم يعصف بهم، عوضًا عن ضيق لدى عقول كثيرة، وانتشار خطاب التخوين من قبّل بعض الخونة أنفسهم.

أما المسار، والثوري والإصلاحي فإن الخلل أصاب بعضًا من أتباعهما، أما عن الجماعة فلماذا لا يُسلمُ الجميع إنها واحدة؟ ومن يريد تغيير مسارها فليكن جماعة جديدة وليبدع في تسييرها، ويريح الجميع ويرحم مئات الآلاف من المضارين في مصر وخارجها.

أم لعلنا نسينا “أنفسنا” في أبناء وبنات المعتقلين والشهداء من قبل ثم المصابين والمضارين، قبل أن تزجوا في أتون جديد باسم “موجة ثورية” في 25 يناير المقبل تعلمون إنها لن تُفضي إلى شيء طالما إنكم مختلفون، وبالتالي طالما الصف الثوري منشق على بعده، قبل أن تزجوا بمئات إلى المجهول بقتل عائلهم أو مدبرة المنزل المتفانية في خدمة الأسرة، قبل أن تفجعوا مئات الأسر بلا سبب في أبنائها، وأنتم متنعمون بالاستقرار وألق ونعيم العيش خارج مصر، اتقوا الله فيهم، وإن لم تكونوا لمئات الألوف من قبلهم فلا تزيدوا الطينة بلة!

ولله الأمر من قبل ومن بعد!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست