اعتبر ضابط إسرائيلي كبير في مقابلة مع "إيلاف" أن حزب الله باختياره مزارع شبعا للرد على اغتيال القنطار أثبت ضعفه وتجنبه للمواجهة، محذرًا إياه في الوقت عينه من الإقدام على أية "حماقة" تستوجب ردًا قاسيًا وتعرّض المدنيين اللبنانيين لأخطار.
مجدي الحلبي من تل أبيب: الشرق الأوسط المتغير يضع إسرائيل أمام تحديات جديدة، وخاصة في المجال العسكري، فعهد الحروب التقليدية قد ولّى، والآن زمن حروب الاستنزاف والإرهاب المتواصل ومحاولات التهديد بالصواريخ والقذائف لمدة طويلة وضرب الداخل، أي المدنيين، هذا ما قاله ضابط إسرائيلي كبير في شعبة استراتيجيات الجيش الإسرائيلي لـ"إيلاف".
أضاف الضابط الكبير أن إسرائيل تعمل على استمرار مسألة الردع التي تقلص المواجهات في المنطقة، إضافة إلى الاستخبارات والدفاع، واليوم هناك شيء مهم وأساسي وهو العمق.
استراتيجية العمق
وعندما سألنا الضابط عن معنى العمق؟، قال: أن تستطيع إسرائيل منع حدوث هجمات مستقبلية عليها مثل منع نقل أسلحة متطورة من سوريا إلى حزب الله في لبنان. فسألنا عن تهديدات الأمين العام لحزب الله الأخيرة في أعقاب اغتيال سمير القنطار، فأجاب الضابط بعدما أخذ رشفة من كوب الماء على المائدة: نأخذ التهديدات هذه بجدية تامة، فقد هددوا بالماضي، ونفذوا، ولكن أقول هذه المرة لن تكون كالمرات السابقة، إذ إن ردنا سيكون قاسيًا.
قلنا له، ولكن دائمًا تقولون الأمر نفسه، فأجاب بشكل صارم: سوف يحصل ما لا تحمد عقباه، ونتمنى ألا نصل إلى هذا الوضع، فنحن لا عداء لنا مع الشعب اللبناني أو الدولة اللبنانية، لذلك نرى أن حزب الله يريد بذلك توريط الشعب اللبناني والقرى اللبنانية في مواجهة قد تدمّر ما بنوه خلال سنوات طويلة.
بلدة محيبب كمثل
من هنا بدأ الحديث عن حرب مستقبلية أو مواجهة محتملة مع حزب الله، فطلب الضابط من مساعده أن يرينا صورة لقرية لبنانية صغيرة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، واسمها محيبب، وهذه القرية فيها عدد سكان قليل، إلا أنها وبحسب الضابط تمثل قرى جنوب لبنان، التي يضع فيها حزب الله صواريخ ومنشآت عسكرية، ويستعمل المواطنين كدروع بشرية من دون أن يكون لهم ذنب بما قد يحصل.
ومن الناحية العسكرية في حال حدوث مواجهة مع حزب الله، فأول من سيتضرر هم المدنيون، لأن حزب الله يستغل نحو 30% من القرى لمنشآته العسكرية والصواريخ. ولدى إسرائيل - يقول الضابط - معلومات وافية عن كل ما يوجد في كل قرية وضيعة، كما ترى هنا في هذه الصورة ومفتاح الإشارات.
وهذا يعني أن الحزب يختبئ خلف الأبرياء والعزل وزجّهم في ما لا يعنيهم. وأضاف الضابط إنه في حال حرب مستقبلية، إسرائيل ستحاول تجنب ضرب المدنيين قدر ما تستطيع. وقال إن إسرائيل مستعدة بشكل كبير لأي مواجهة مع حزب الله بكل الطاقات والإمكانات أفضل مما كانت في حرب لبنان الثانية، مع ان حزب الله الآن يملك نحو مائة الف صاروخ، وان الامر لن يكون سهلاً، ولكن الخسائر لهم ستكون كبيرة، وبحجم لم يسبق له مثيل.
اغتنام الفرص مقابل التحديات
في مجال الشرق الاوسط الجديد، تحدث الضابط عن استراتيجيات الجيش الاسرائيلي التي ستعتمد على العمق، أي منع المشاكل أن تكبر أو بالاحرى الاستباق، أي الامتناع قدر الامكان عن المواجهة، وإن حدثت لتكن سريعة وحاسمة، ولكن الشرق الاوسط يقول الضابط الكبير يرتكز الآن على اربع قوى، الاولى: القوة الايرانية ومن يدور في فلكها مثل سوريا وحزب الله والحوثيين وداعمي ايران من حماس والجهاد الاسلامي، وهذه القوة ليست على وضع جيد، وهي تحاول مواجهة القوى الاخرى على الساحة، وتحاول السيطرة، ولكن ليس بشكل ناجح حتى الآن، ولا توجد أي نية لدى إسرائيل للتعامل مع هذه القوى، بل تواجهها هنا وهناك.
القوة الثانية، وهي المهمة اليوم، وهي الدول العربية المعتدلة، مثل مصر والاردن ودول الخليج، وهنا لاسرائيل لغة مشتركة معهم، وهناك ايضًا علاقات مع مصر والاردن والسلطة الفلسطينية، والامكانيات للتعاون المدني والعسكري واردة.
علاقات سرية
واضاف بعد سؤالنا عن علاقات خاصة، فقال إن هناك علاقات سرية ومصالح مشتركة مع بعض الدول العربية غير مصر والاردن، ولن افصل اكثر في هذا. ثم انتقل للقوتين الثالثة والرابعة والمتمثلتين، بحسب اقواله، بالاخوان المسلمين، والذين باتوا غير قادرين على التأثير، بسبب فشلهم في مصر وتونس، والقوة الرابعة هي الحركات الجهادية، مثل داعش والنصرة، والتي تحارب الجميع من مجموعة ايران الى الدول العربية المعتدلة، وحتى الاخوان المسلمين.
سألنا الضابط واين اسرائيل من كل هؤلاء، ماذا تفعل وأي تحديات تواجه، فقال: من ناحية عملية نحن في اسرائيل وكأننا جزيرة هادئة في هذا البحر الهائج، ولكن لان هذا الامر سيستمر لسنوات أو لفترة طويلة، فهذه التحديات ستصلنا، وسنضطر لمواجهتها لذلك علينا اغتنام الفرص والعمل مع المعتدلين، لاعادة الهدوء قدر الامكان إلى المنطقة، اننا لا نطمع بأجزاء أو أراضٍ من الدول المحيطة، ومن ناحية أخرى نبني قوتنا العسكرية لتكون رادعة ولا نهاجم، بل ندافع ونستبق احيانًا حتى لا تتفاقم الاخطار ونضطر لخوض حرب لا تجلب سوى الدمار والمآسي، فنحن لا نريد الحرب، ولكن ان فرضت علينا، فلن نقف مكتوفي الايدي، وقدراتنا كبيرة وهائلة.
قلنا للضابط اذن، أي وضع تريدون الآن، فقال نريد وضعًا أمنياً مقبولاً وهادئًا لفترة طويلة، وان لا تكون هناك تحديات جديدة تفرض حروبًا.
سوريا والحرب الطويلة
سألناه وماذا عن سوريا وكيف ترونها عسكريًا، فقد كان الجيش السوري سابقًا أمراً يؤرق نوم قادة اسرائيل بسبب قدرات الجيش السوري واسلحته المختلفة؟. فقال اليوم سوريا مفتتة الى اقسام وفئات، تقاتل بعضها البعض، ونحن لا نتدخل في الشأن السوري، لنا خطوط حمراء، وهي عدم المس بسيادتنا من الاراضي السورية، وعدم نقل اسلحة متطورة من الاراضي السورية للبنان لحزب الله، كما لا نريد سوريا أن تكون مواقع عسكرية لايران، وقد اوضحنا للوفد الروسي الذي زارنا قبل ايام موقفنا هذا، ونحن نرى أن الحرب الاهلية السورية سوف تستمر لسنوات طويلة، وحتى ان وجدوا المعادلة لوقف الحرب، واتفقوا على قيادة جديدة، فداعش وجبهة النصرة ليسا في الحل، وسيستمران في الحرب.
سألناه عن التنسيق الروسي الاسرائيلي في الاجواء السورية، فقال إن التنسيق هو شيء محدد، وليس شيئًا كبيراً، أو يجمع كل الاشياء في المجال العسكري، ولا نعتقد ان هذا التنسيق وصل الى مستوى تنسيق بين الجيشين، فالتنسيق يهدف الى عدم حصول حوادث جوية للروس ولنا، والا يكون أي سوء فهم لخطوة هنا أو هناك أو أي سوء تفاهم قد يؤدي الى ازمة مثلما حصل مع تركيا، وبالمجمل التنسيق ناجح جدًا.
واضاف الضابط الكبير أن اسرائيل لا تريد التدخل، ومع انها لاعب اساسي في المنطقة، فهي لا تريد التدخل في فرض الحل أو التدخل بشأن الحل، حتى لا تنقلب الامور علينا، وان تقوم فئات بمهاجمتنا ومحاولة اقحامنا في المسألة السورية، فهي معقدة، وما يقلقنا هو دور ايران، التي اصبحت مصدرة للسلاح المتطور من الصناعات الايرانية أو من الصناعات الروسية والمتواجدة في مستودعات الجيش السوري، وهذا الامر نعمل على منعه وعرقلته ومواجهته عند الحاجة.
لا يريد التصعيد
أما بالنسبة إلى ما جرى أمس، فقال: "اسرائيل ردت على العبوة الناسفة في مزارع شبعا الرد الملائم باطلاق مدفعية، لا تريد اسرائيل الحرب، ولا تبحث عنها، وان محاولة حزب الله الانتقام لسمير قنطار هي اعتداء ردت عليه اسرائيل، من ناحية أخرى يبقى الجيش على حالة الاستعداد على الحدود. اما الحياة في الشمال فهي كالمعتاد".
من ناحية اخرى، افاد مصدر كبير ان الازمة الحالية انتهت، وأن تنفيذ العملية التي فشلت في اصابة أي اسرائيلي يعتبرها حزب الله نجاحًا كبيرًا، وهذا يدل على ضعف الحزب، وايضًا على عدم قدرته المس باسرائيل في هذه المرحلة، وأن اختياره مكان العملية في مزارع شبعا هو اعتراف بأن الحزب لا يريد التصعيد. انه لا يستطيع ذلك، بسبب غرقه في وحل سوريا، على حد تعبير المصدر.