دبلوماسية «كسر الميكروفونات»!

آخر تحديث 2016-01-05 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست

مجدي طلبةFollow @MagdyPasha

بكل بساطة ودون تفلسف، فإن كلمة الدبلوماسية (diplomacy) تعني فن ومهارة التعامل والتواصل مع الآخرين بحكمة وكياسة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول، وإن نجاح أي دولة دبلوماسيًّا إنما يقاس بالقدرة على تصفير الخلافات مع غيرها من الدول الأخرى – خصوصا المجاورة – والتعاطي مع المشكلات والأزمات التي يمكن أن تنشأ بينها وبين أي دولة أخرى، وفقا للطرق والأساليب الدبلوماسية المعروفة.

من المفترض أن يكون وزراء الخارجية هم أكثر الناس إدراكا لأهمية الدبلوماسية والتزامًا بقواعدها المعروفة نظرًا لحساسية مناصبهم، مع الوضع في الاعتبار أن أي خطأ أو تصرف شاذ يصدر عنهم ربما يتسبب في حدوث أزمة سياسية كبيرة مع الدول الأخرى.

المراقب للدبلوماسية المصرية يلحظ أنها شهدت إخفاقات شديدة خلال الفترة الماضية في التعاطي مع ملفات وقضايا داخلية وإقليمية عديدة، على رأسها سد النهضة الإثيوبي وسوريا وليبيا والعراق واليمن، ويبدو أن هذا كان سببًا رئيسيًا في ما كان عليه وزير الخارجية المصري سامح شكري من توتر واضطراب حينما ألقى بميكروفون فضائية الجزيرة القطرية، الذي كان موضوعًا مع كثيرٍ غيره أمامه أثناء إلقاء البيان الختامي لاجتماعات سد النهضة بالعاصمة السودانية الخرطوم، مخاطبًا

أعضاء الوفد المصري قائلا: “شيلوا الميكروفون ده من أمامي”، ثم ألقى به أسفل طاولة الاجتماعات.

وإن كان لهذا التصرف غير المسئول، والذي ما كان ينبغي أن يصدر عن أكبر وأهم مسئول دبلوماسي مصري، من دلالة؛ فإنه يعد تصديقًا رسميًّا على الاتهامات التي لا يمل الإعلام والخبراء العسكريون والإستراتيجيون في مصر من ترويجها على نطاق واسع ضد دولة قطر، بأنها “العقل المدبر” لكل الكوارث والأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تئن منها مصر في الوقت الراهن.

وإذا كان الأمر كذلك فإن الدبلوماسية المصرية مطالبة بأن تجيب على التساؤلات المهمة التالية:

أولًا: ما علاقة قطر وقناة الجزيرة بفشل كافة جولات المفاوضات، خصوصًا تلك التي عقدت في العاصمة السودانية منتصف ديسمبر (كانون الأول)، مع الجانب الإثيوبي حول مشروع سد النهضة، الذي لا يمثل فقط تهديدًا خطيرًا على الأمن القومي المصري بل وصل إلى حد التهديد الوجودي لبلد “هبة النيل”؟!

ثانيًا: ما علاقة قطر وقناة الجزيرة بتقزم الدور المصري في المنطقة وغياب القاهرة عن معظم الاجتماعات الإقليمية والدولية الخاصة ببحث وحلحلة الأوضاع المتدهورة في سوريا والعراق واليمن وليبيا؟!

ثالثًا: ما علاقة قطر وقناة الجزيرة بالتراجع غير المسبوق للدور المصري في القارة الإفريقية، وتحديدًا منذ منتصف التسعينيات، وحتى انحسار الدور المصري في مسألة الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي يعتبره كثيرون بمثابة المرآة العاكسة لسطوع الدور المصري أو خفوته؟!

رابعًا: ما علاقة قطر وقناة الجزيرة بحالة التدهور الأمني الخطير في شبه جزيرة سيناء والناجم أساسًا عن الإهمال المزري والفشل الذريع للدولة المصرية في تحقيق تنمية حقيقية شاملة هناك، بالرغم من أن الحكومات المتعاقبة صدعت رؤوس أهالي سيناء بالإعلان عن خطط قومية لتدشين مشروعات اقتصادية وتنموية ضخمة على “أرض الفيروز”؟!

خامسًا: ما علاقة قطر وقناة الجزيرة بتدهور الوضع الاقتصادي المصري المتمثل في تراجع قيمة الجنيه أمام العملات العربية والأجنبية، خصوصًا الدولار الأمريكي، وارتفاع الدين المحلي إلى أكثر من 2.116 تريليون جنيه مصري والدين الخارجي إلى48.1  مليار دولار، وتراجع الإيرادات السياحية على خلفية قرار عدد من الدول الأجنبية، خاصة روسيا وبريطانيا، بوقف الرحلات السياحية لمصر عقب تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر الماضي؟!

حاشا لله أن أضع نفسي في موضع المدافع عن قطر إذا ما تعرضت هي أو غيرها لمصر بأي أذى أو سوء، فليس هناك ما هو أغلى وأعز على الإنسان من وطنه، غير أنه لا يستقيم مع العقل والمنطق أن تتآمر دولة ضد مصر إلى هذا الحد المخيف ثم يلتقي الرئيس السيسي بأميرها في أكثر من مناسبة ويصافحه ويقبّله، بل ويعتذر له عن الإساءات والبذاءات التي صدرت عن الإعلام المصري ضد الأسرة الحاكمة هناك, ويؤكد له أن الحكومة المصرية لم تصدر تصريحًا رسميًّا واحدًا فيه إساءة ضد قطر.

انتهاج دبلوماسية “كسر الميكروفونات” أو دبلوماسية “تعليق الأخطاء على شماعة الآخرين” لن يجدي نفعًا مع الحالة المصرية، ولن تفيدها في معالجة مشكلاتها وتحدياتها الداخلية، أو حتى القيام بدور فعال ومؤثر بشأن الملفات والقضايا الإقليمية الحيوية. وإذا كانت مصر لديها رغبة حقيقية وجادة في استعادة دورها الإقليمي المعهود، فعليها – أولا وقبل كل شيء – أن تعيد ترتيب البيت الداخلي، فمن المعلوم من السياسة بالضرورة أن وضع الدولة الداخلي يؤثر على هيبتها الخارجية عامة، ووضعها الإقليمي خاصة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست